الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 237 ] كتاب الصيد والذبائح

                                                                                                                                                                        الحيوان المأكول ، إنما يصير مذكى بأحد طريقين . أحدهما : الذبح في الحلق واللبة ، وذلك في الحيوان المقدور عليه . والثاني : العقر المزهق في أي موضع كان ، وذلك في غير المقدور عليه . ثم الذبح والعقر أربعة أركان :

                                                                                                                                                                        الأول : الذابح ، والعاقر يشترط كونه مسلما أو كتابيا . وتحل ذبيحة الكتابي ، سواء فيه ما يستحله الكتابي ، وما لا . وحقيقة الكتابي تأتي في كتاب النكاح إن شاء الله . تعالى . وفي ذبيحة المتولد بين الكتابي والمجوسية ، قولان ، كمناكحته ، والمناكحة والذبيحة ، لا يفترقان ، إلا أن الأمة الكتابية ، تحل ذبيحتها دون مناكحتها . ولو صاد مجوسي سمكة ، حلت ؛ لأن ميتتها حلال . وكما تحرم ذبيحة المجوسي ، والوثني ، والمرتد ، وغيرهم ممن لا كتاب له ، يحرم صيده بسهم ، أو كلب . ويحرم ما يشارك فيه مسلما . فلو أمرا سكينا على حلق شاة ، أو قطع هذا بعض الحلقوم ، وهذا بعضه ، أو قتلا صيدا بسهم أو كلب ، فهو حرام . ولو رميا سهمين ، أو أرسلا كلبين ، فإن سبق سهم المسلم أو كلبه ، فقتل الصيد ، أو أنهاه إلى حركة المذبوح ، حل ، كما لو ذبح مسلم شاة ، ثم قدها المجوسي . وإن سبق ما أرسله المجوسي ، أو جرحاه معا ، أو مرتبا ، ولم يذفف واحد منهما ، فهلك بهما ، أو لم يعلم أيهما قتله ، فحرام .

                                                                                                                                                                        وقال صاحب " البحر " : متى اشتركا في إمساكه وعقره ، أو في أحدهما ، وانفرد واحد بالآخر ، أو انفرد كل واحد بأحدهما ، فحرام . ولو كان لمسلم كلبان معلم وغيره ، [ ص: 238 ] أو معلمان ، ذهب أحدهما بلا إرسال ، فقتلا صيدا ، فكاشتراك كلبي المسلم والمجوسي . ولو هرب الصيد من كلب المسلم ، فعارضه كلب مجوسي ، فرده عليه ، فقتله كلب المسلم ، حل ، كما لو ذبح المسلم شاة أمسكها مجوسي . ولو جرحه مسلم أولا ، ثم قتله مجوسي ، أو جرحه جرحا غير مذفف ، ومات بالجرحين ، فحرام . فلو كان المسلم أثخنه بجراحته ، فقد ملكه . ويلزم المجوسي قيمته له ؛ لأنه أفسده بجعله ميتة . ويحل ما اصطاده المسلم بكلب المجوسي ، كالذبح بسكينه .

                                                                                                                                                                        قلت : لو أكره مجوسي مسلما على ذبح شاة ، أو محرم حلالا على ذبح صيد ، فذبح ، حل ، ذكره الشيخ إبراهيم المروزي في مسألة الإكراه على القتل . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        تحل ذبيحة الصبي المميز على الصحيح ، وفي غير المميز والمجنون والسكران ، قولان : أحدهما : الحل ، كمن قطع حلق شاة يظنه خشبة . والثاني : المنع ، كنائم بيده سكين وقعت على حلقوم شاة . وصحح الإمام والغزالي وجماعة الثاني . وقطع الشيخ أبو حامد وصاحب " المهذب " بالحل .

                                                                                                                                                                        قلت : الأظهر : الحل . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        قال صاحب " التهذيب " : فإن كان للمجنون أدنى تمييز ، وللسكران قصد ، حل قطعا . وتحل ذبيحة الأعمى قطعا لكن تكره . وفي صيده بالكلب والرمي ، وجهان . أصحهما : لا يحل . ومنهم من قطع به . وقيل : عكسه . والأشبه : أن الخلاف مخصص بما إذا أخبره بصير الصيد ، فأرسل السهم أو الكلب . وكذا [ ص: 239 ] صورها في " التهذيب " ، وأطلق الوجهين جماعة ، ويجريان في اصطياد الصبي والمجنون بالكلب والسهم . وقيل : يختصان بالكلب ، وقطع بالحل في السهم كالذبح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الأخرس ، إن كان له إشارة مفهومة ، حلت ذبيحته ، وإلا ، فكالمجنون ، قاله في " التهذيب " : ولتكن سائر تصرفاته على هذا القياس .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : الجزم بحل ذبيحة الأخرس الذي لا يفهم ، وبه قطع الأكثرون . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية