الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        173 - الحديث الرابع : عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { العجماء جبار . والبئر جبار . والمعدن جبار . وفي الركاز الخمس . } .

                                        [ ص: 382 ]

                                        التالي السابق


                                        [ ص: 382 ] الجبار " الهدر وما لا يضمن و " العجماء " الحيوان البهيم . وورد في بعض الروايات " جرح العجماء جبار " والحديث يقتضي : أن جرح العجماء جبار بنصه .

                                        فيحتمل أن يراد بذلك : جناياتها على الأبدان والأموال . ويحتمل أن يراد : الجناية على الأبدان فقط . وهو أقرب إلى حقيقة الجرح . وعلى كل تقدير فلم يقولوا بهذا العموم ، أما جناياتها على الأموال : فقد فصل في المزارع بين الليل والنهار ، وأوجب على المالك ضمان ما أتلفته بالليل دون النهار ، وفيه حديث عن النبي يقتضي ذلك . وأما جناياتها على الأبدان : فقد تكلم فيها إذا كان معها الراكب والسائق والقائد ، وفصلوا فيه القول ، واختلفوا في بعض الصور . فلم يقولوا بالعموم في إهدار جناياتها ، فيمكن أن يقال : إن جنايتها هدر ، إذا لم يكن ثمة تقصير من المال ، أو ممن هي تحت يده ، وينزل الحديث على ذلك .



                                        وأما الركاز : فالمعروف فيه عند الجمهور : أنه دفن الجاهلية ، والحديث يقتضي أن الواجب فيه : الخمس بنصه . وفي مصرفه وجهان للشافعية :

                                        أحدهما : إلى أهل الزكاة . والثاني : إلى أهل الفيء . وهو اختيار المزني . وقد تكلم الفقهاء في مسائل تتعلق بالركاز يمكن أن تؤخذ من الحديث :

                                        أحدها : أن الركاز هل يختص بالذهب والفضة ، أو يجري في غيرهما ؟ وللشافعي فيه قولان . وقد يتعلق بالحديث من يجريه في غيرهما من حيث العموم . وجديد قول الشافعي : أنه يختص . الثانية : الحديث يدل على أنه لا فرق في الركاز بين القليل والكثير ، ولا يعتبر فيه النصاب . وقد اختلف في ذلك .

                                        الثالثة : يستدل به على أنه لا يجب الحول في إخراج زكاة الركاز . ولا خلاف فيه عند الشافعي ، كالغنيمة والمعشرات . وله في المعدن اختلاف قول في اعتبار الحول . والفرق : أن الركاز يحصل جملة ، من غير كد ولا تعب . والنماء فيه متكامل . وما تكامل فيه النماء لا يعتبر فيه الحول . فإن الحول مدة مضروبة لتحصيل النماء . وفائدة المعدن تحصل بكد وتعب شيئا فشيئا . فيشبه أرباح التجارة فيعتبر فيها الحول . [ ص: 383 ]

                                        الرابعة : تكلم الفقهاء في الأراضي التي يوجد فيها الركاز . وجعل الحكم مختلفا باختلافها . ومن قال منهم : بأن في الركاز الخمس ، إما مطلقا أو في أكثر الصور . فهو أقرب إلى الحديث وعند الشافعية : أن الأرض إن كانت مملوكة لمالك محترم ، مسلم أو ذمي ، فليس بركاز ، فإن ادعاه فهو له . وإن نازعه منازع فالقول قوله . وإن لم يدعه لنفسه عرض على البائع ، ثم على بائع البائع ، حتى ينتهي الأمر إلى من عمر الموضع فإن لم يعرف فظاهر المذهب : أنه يجعل لقطة وقيل : ليس بلقطة ، ولكنه مال ضائع ، يسلم إلى الإمام ، ويجعله في بيت المال . وإن وجد الركاز في أرض عامرة لحربي فهو كسائر أموال الحربي إذا حصلت في أيدي المسلمين . وإذا وجد في موات دار الحرب فهو كموت دار الإسلام عند الشافعي . للواجد أربعة أخماسه .




                                        الخدمات العلمية