الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال : وهو على ثلاث درجات . الأولى : دهشة المريد عند صولة الحال على علمه ، والوجد على طاقته ، والكشف على همته

يعني : أن علمه يقتضي شيئا ، وحاله يصول عليه بخلافه . فهذا غايته : أن يكون معذورا إن لم يكن مفرطا . فإن الحال لا يصول على العلم إلا وأحدهما فاسد . إما الصائل ، أو المصول عليه . فإذا اقتضى العلم سكونا ، فصال عليه الحال بحركته : فهي حركة فاسدة . غاية صاحبها : أن يكون معذورا لا مشكورا . فإذا اقتضى العلم حركة ، فصال الحال عليه بسكونه : فهو سكون فاسد .

مثال الأول : اقتضاء العلم للسكون والخشوع عند وارد السماع القرآني . وصولة الحال عليه ، حتى يزعق ويشق ثيابه ، أو يلقي نفسه لورود ما يدهشه من معاني المسموع على قلبه . فيصول حاله على عمله ، حتى لو كان في صلاة فرض ، لأبطلها وقطعها .

ومثال الثاني : اقتضاء العلم حركة مفرقة في رضا المحبوب . فيصول الحال عليها بسكونه وجمعيته ، حتى يقهرها . وهذه من مقاطع القوم وآفاتهم . وما نجا منها إلا أهل البصائر منهم ، العاملون على تجريد العبودية . وكثرة صور هذا مغنية عن كثرة الأمثلة .

فإن أكثرهم يقدم حال الجمعية على ملابسة الأغيار والأعداء في الجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ويصول حال الجمعية عنده على الحركة التي يأمر بها العلم . كما صالت حركة الأول على السكون الذي يأمر به العلم .

قوله " والوجد على الطاقة " يعني : أن وجد المحب ربما غلب صبره . وصال على طاقته . فصرخ إلى محبوبه ، واستغاث به ، حتى يأتي النصر من عنده . بل صراخه به واستغاثته به عين نصره إياه ، حيث حفظ عليه وجده . ولم يرده فيه إلى صبر يسلو به ويجفو . فيكون ذلك نوع طرد .

قوله " والكشف على همته " يعني أن الهمة تستدعي صدق الطلب ودوامه ، والكشف : هو الشهود . وهو في مظنة فسخ الهمة وإبطال حكمها . لأنها تقتضي الطلب . وهو يقتضي الفتور . لأن الطلب للغائب عن المطلوب ، فهمته متعلقة [ ص: 77 ] بتحصيله . وصاحب الكشف : في حضور مع مطلوبه . فكشفه صائل على همته ، كما قال بعضهم : إذا برقت بارقة من بوارق الحقيقة لم يبق معها حال ولا همة .

وهذا أيضا عارض مطلوب الزوال . والبقاء معه انقطاع كلي . فإن السالك في همة ، ما دامت روحه في جسده . فإذا فارقته الهمة انقطع واستحسر .

التالي السابق


الخدمات العلمية