الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ظنن

                                                          ظنن : المحكم : الظن شك ويقين إلا أنه ليس بيقين عيان ، إنما هو يقين تدبر ، فأما يقين العيان فلا يقال فيه : إلا علم ، وهو يكون اسما ومصدرا ، وجمع الظن الذي هو الاسم ظنون ، وأما قراءة من قرأ : وتظنون بالله الظنون ; بالوقف وترك الوصل ، فإنما فعلوا ذلك لأن رءوس الآيات عندهم فواصل ، ورءوس الآي وفواصلها يجري فيها [ ص: 197 ] ما يجري في أواخر الأبيات والفواصل ؛ لأنه إنما خوطب العرب بما يعقلونه في الكلام المؤلف ، فيدل بالوقف في هذه الأشياء وزيادة الحروف فيها نحو الظنونا والسبيلا والرسولا ، على أن ذلك الكلام قد تم وانقطع ، وأن ما بعده مستأنف ، ويكرهون أن يصلوا فيدعوهم ذلك إلى مخالفة المصحف . وأظانين ، على غير القياس ; وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          لأصبحن ظالما حربا رباعية فاقعد لها ودعن عنك الأظانينا



                                                          قال ابن سيده : وقد يجوز أن يكون الأظانين جمع أظنونة إلا أني لا أعرفها . التهذيب : الظن يقين وشك ; وأنشد أبو عبيدة :


                                                          ظني بهم كعسى وهم بتنوفة     يتنازعون جوائز الأمثال



                                                          يقول : اليقين منهم كعسى ، وعسى شك ; وقال شمر : قال أبو عمرو : معناه ما يظن بهم من الخير فهو واجب وعسى من الله واجب . وفي التنزيل العزيز : إني ظننت أني ملاق حسابيه ; أي علمت ، وكذلك قوله عز وجل : وظنوا أنهم قد كذبوا ; أي علموا ، يعني الرسل ، أن قومهم قد كذبوهم فلا يصدقونهم ، وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير ونافع وابن عامر بالتشديد ، وبه قرأت عائشة وفسرته على ما ذكرناه . الجوهري : الظن معروف ، قال : وقد يوضع موضع العلم ، قال دريد بن الصمة :


                                                          فقلت لهم : ظنوا بألفي مدجج     سراتهم في الفارسي المسرد



                                                          أي استيقنوا ، وإنما يخوف عدوه باليقين لا بالشك . وفي الحديث : إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ; أراد الشك يعرض لك في الشيء فتحققه وتحكم به ، وقيل : أراد إياكم وسوء الظن وتحقيقه دون مبادي الظنون التي لا تملك وخواطر القلوب التي لا تدفع ; ومنه الحديث : وإذا ظننت فلا تحقق ; قال : وقد يجيء الظن بمعنى العلم ; وفي حديث أسيد بن حضير : وظننا أن لم يجد عليهما أي علمنا . وفي حديث عبيدة : قال أنس : سألته عن قوله تعالى : أو لامستم النساء ; فأشار بيده فظننت ما قال أي علمت . وظننت الشيء أظنه ظنا واظننته واظطننته وتظننته وتظنيته على التحويل ; قال :


                                                          كالذئب وسط العنه ، إلا تره تظنه



                                                          أراد تظننه ، ثم حول إحدى النونين ياء ، ثم حذف للجزم ، ويروى " تطنه " . وقوله : تره أراد إلا تر ، ثم بين الحركة في الوقف بالهاء فقال تره ، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف . وحكى اللحياني عن بني سليم : لقد ظنت ذلك أي ظننت ، فحذفوا كما حذفوا ظلت ومست وما أحست ذاك ، وهي سلمية . قال سيبويه : أما قولهم : ظننت به فمعناه جعلته موضع ظني ، وليست الباء هنا بمنزلتها في قوله تعالى : وكفى بالله حسيبا ; إذ لو كان ذلك لم يجز السكت عليه كأنك قلت ظننت في الدار ، ومثله شككت فيه ، وأما ظننت ذلك فعلى المصدر . وظننته ظنا وأظننته واظطننته : اتهمته . والظنة : التهمة . ابن سيده : وهي الظنة والطنة ، قلبوا الظاء طاء هاهنا قلبا ، وإن لم يكن هنالك إدغام لاعتيادهم اطن ومطن واطنان ، كما حكاه سيبويه من قولهم : الدكر ، حملا على ادكر . والظنين : المتهم الذي تظن به التهمة ، ومصدره الظنة ، والجمع الظنن ; يقال منه : اظنه واطنه ، بالطاء والظاء ، إذا اتهمه . ورجل ظنين : متهم من قوم أظناء بيني الظنة والظنانة . وقوله عز وجل : ( وما هو على الغيب بظنين ) ; بمتهم ، وفي التهذيب : معناه ما هو على ما ينبئ عن الله من علم الغيب بمتهم ، قال : وهذا يروى عن علي - عليه السلام - . وقال الفراء : ويقال : ( وما هو على الغيب بظنين ) ; أي بضعيف ، يقول : هو محتمل له ، والعرب تقول للرجل الضعيف أو القليل الحيلة : هو ظنون ; قال : وسمعت بعض قضاعة يقول : ربما دلك على الرأي الظنون ; يريد الضعيف من الرجال ، فإن يكن معنى ظنين ضعيفا فهو كما قيل : ماء شروب وشريب وقروني وقريني وقرونتي وقرينتي ، وهي النفس والعزيمة . وقال ابن سيرين : ما كان علي يظن في قتل عثمان وكان الذي يظن في قتله غيره ، قال أبو عبيد : قوله : يظن يعني يتهم ، وأصله من الظن ، إنما هو يفتعل منه ، وكان في الأصل يظتن ، فثقلت الظاء مع التاء فقلبت ظاء معجمة ، ثم أدغمت ، ويروى بالطاء المهملة ، وقد تقدم ; وأنشد :


                                                          وما كل من يظنني أنا معتب     ولا كل ما يروى علي أقول



                                                          ومثله :


                                                          هو الجواد الذي يعطيك نائله     عفوا ، ويظلم أحيانا فيظلم



                                                          كان في الأصل فيظتلم ، فقلبت التاء ظاء وأدغمت في الظاء فشددت . أبو عبيدة : تظنيت من ظننت ، وأصله تظننت ، فكثرت النونات فقلبت إحداها ياء كما قالوا : قصيت أظفاري ، قال ابن بري : حكى ابن السكيت عن الفراء : ما كل من يظتنني . وقال المبرد : الظنين المتهم ، وأصله المظنون ، وهو من ظننت الذي يتعدى إلى مفعول واحد . تقول : ظننت بزيد وظننت زيدا أي اتهمت ; وأنشد لعبد الرحمن بن حسان :


                                                          فلا ويمين الله ، لا عن جناية     هجرت ، ولكن الظنين ظنين



                                                          ونسب ابن بري هذا البيت لنهار بن توسعة . وفي الحديث : لا تجوز شهادة ظنين أي متهم في دينه ، فعيل بمعنى مفعول من الظنة التهمة . وقوله في الحديث الآخر : ولا ظنين في ولاء ، هو الذي ينتمي إلى غير مواليه لا تقبل شهادته للتهمة . وتقول ظننتك زيدا وظننت زيدا إياك ; تضع المنفصل موضع المتصل في الكناية عن الاسم والخبر لأنهما منفصلان في الأصل لأنهما مبتدأ وخبره . والمظنة والمظنة : بيت يظن فيه الشيء . وفلان مظنة من كذا ومئنة أي معلم ; وأنشد أبو عبيد :


                                                          يسط البيوت لكي يكون مظنة     من حيث توضع جفنة المسترفد



                                                          [ ص: 198 ]

                                                          الجوهري : مظنة الشيء موضعه ومألفه الذي يظن كونه فيه ، والجمع المظان . يقال : موضع كذا مظنة من فلان أي معلم منه ; قال النابغة :


                                                          فإن يك عامر قد قال جهلا     فإن مظنة الجهل الشباب



                                                          ويروى : السباب ، ويروى : مطية ، قال ابن بري : قال الأصمعي : أنشدني أبو علبة بن أبي علبة الفزاري بمحضر من خلف الأحمر :


                                                          فإن مطية الجهل الشباب



                                                          لأنه يستوطئه كما تستوطأ المطية . وفي حديث صلة بن أشيم : طلبت الدنيا من مظان حلالها ; المظان جمع مظنة ، بكسر الظاء ، وهي موضع الشيء ومعدنه ، مفعلة من الظن بمعنى العلم ; قال ابن الأثير : وكان القياس فتح الظاء وإنما كسرت لأجل الهاء ، المعنى طلبتها في المواضع التي يعلم فيها الحلال . وفي الحديث : خير الناس رجل يطلب الموت مظانه أي معدنه ومكانه المعروف به أي إذا طلب وجد فيه ، واحدتها مظنة ، بالكسر ، وهي مفعلة من الظن أي الموضع الذي يظن به الشيء ; قال : ويجوز أن تكون من الظن بمعنى العلم والميم زائدة . وفي الحديث : فمن تظن ؟ أي من تتهم ، وأصله تظتن من الظنة التهمة ، فأدغم الظاء في التاء ثم أبدل منها طاء مشددة كما يقال : مطلم في مظلم ; قال ابن الأثير : أورده أبو موسى في باب الطاء وذكر أن صاحب التتمة أورده فيه لظاهر لفظه ، قال : ولو روي بالظاء المعجمة لجاز . يقال : مطلم ومظلم ومظطلم كما يقال : مدكر ومذكر ومذدكر . وإنه لمظنة أن يفعل ذاك أي خليق من أن يظن به فعله ، وكذلك الاثنان والجمع والمؤنث ; عن اللحياني . ونظرت إلى أظنهم أن يفعل ذلك أي إلى أخلقهم أن أظن به ذلك . وأظننته الشيء : أوهمته إياه . وأظننت به الناس : عرضته للتهمة . والظنين : المعادي لسوء ظنه وسوء الظن به . والظنون : الرجل السيئ الظن ، وقيل : السيئ الظن بكل أحد . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : احتجزوا من الناس بسوء الظن أي لا تثقوا بكل أحد فإنه أسلم لكم ; ومنه قولهم : الحزم سوء الظن . وفي حديث علي - كرم الله وجهه - : إن المؤمن لا يمسي ولا يصبح إلاع ونفسه ظنون عنده أي متهمة لديه . وفي حديث عبد الملك بن عمير : السوآء بنت السيد أحب إلي من الحسناء بنت الظنون أي المتهمة . والظنون : الرجل القليل الخير . ابن سيده : الظنين القليل الخير ، وقيل : هو الذي تسأله وتظن به المنع فيكون كما ظننت : ورجل ظنون : لا يوثق بخبره ; قال زهير :


                                                          ألا أبلغ لديك بني تميم     وقد يأتيك بالخبر الظنون



                                                          أبو طالب : الظنون المتهم في عقله ، والظنون كل ما لا يوثق به من ماء أو غيره . يقال : علمه بالشيء ظنون إذا لم يوثق به ; قال :


                                                          كصخرة إذ تسائل في مراح     وفي حزم ، وعلمهما ظنون



                                                          والماء الظنون : الذي تتوهمه ولست على ثقة منه . والظنة : القليل من الشيء ، ومنه بئر ظنون : قليلة الماء ; قال أوس بن حجر :


                                                          يجود ويعطي المال من غير ظنة     ويحطم أنف الأبلج المتظلم



                                                          وفي المحكم : بئر ظنون قليلة الماء لا يوثق بمائها . وقال الأعشى في الظنون ، وهي البئر التي لا يدرى أفيها ماء أو لا :


                                                          ما جعل الذي الجد الظنون     جنب صوب اللجب الماطر
                                                          مثل الفراتي ، إذا ما طما     يقذف بالبوصي والماهر



                                                          وفي الحديث : فنزل على ثمد بوادي الحديبية ظنون الماء يتبرضه تبرضا ; الماء الظنون : الذي تتوهمه ولست منه على ثقة ، فعول بمعنى مفعول ، وهي البئر التي يظن أن فيها ماء . وفي حديث شهر : حج رجل فمر بماء ظنون ، قال : وهو راجع إلى الظن والشك والتهمة . ومشرب ظنون : لا يدرى أبه ماء أم لا ; قال :


                                                          مقحم السير ظنون الشرب



                                                          ودين ظنون : لا يدري صاحبه أيأخذه أم لا . وكل ما لا يوثق به فهو ظنون وظنين . وفي حديث علي - عليه السلام - أنه قال : في الدين الظنون يزكيه لما مضى إذا قبضه ; قال أبو عبيد : الظنون الذي لا يدري صاحبه أيقضيه الذي عليه الدين أم لا ، كأنه الذي لا يرجوه . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : لا زكاة في الدين الظنون ; هو الذي لا يدري صاحبه أيصل إليه أم لا ، وكذلك كل أمر تطالبه ولا تدري على أي شيء أنت منه فهو ظنون . والتظني : إعمال الظن ، وأصله التظنن ، أبدل من إحدى النونات ياء . والظنون من النساء : التي لها شرف تتزوج طمعا في ولدها وقد أسنت ، سميت ظنونا لأن الولد يرتجى منها . وقول أبي بلال بن مرداس وقد حضر جنازة فلما دفنت جلس على مكان مرتفع ثم تنفس الصعداء وقال : كل منية ظنون إلا القتل في سبيل الله ; لم يفسر ابن الأعرابي ظنونا هاهنا ، قال : وعندي أنها القليلة الخير والجدوى . وطلبه مظانة أي ليلا ونهارا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية