الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
كتاب الشفعة قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله إملاء : الشفعة مأخوذة من الشفع الذي هو ضد الوتر ; لما فيه من ضم عدد إلى عدد ، أو شيء إلى شيء ومنه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للمذنبين فإنه يضمهم بها إلى العابدين ، وكذلك الشفيع بأخذه يضم المأخوذ إلى ملكه ، فيسمى لذلك شفعة ، وزعم بعض أصحابنا رحمهم الله أن القياس يأبى ثبوت حق الشفعة ; لأنه يتملك على المشتري ملكا صحيحا له بغير رضاه ، وذلك لا يجوز فإنه من نوع الأكل بالباطل وتأيد هذا بقوله : صلى الله عليه وسلم { لا يحل مال امرئ مسلم ، إلا بطيب نفس منه } ; ولأنه بالأخذ يدفع الضرر عن نفسه على وجه يلحق الضرر بالمشتري في إبطال ملكه عليه ، وليس لأحد أن يدفع الضرر عن نفسه بالإضرار بغيره ولكنا نقول تركنا هذا القياس بالأخبار المشهورة في الباب ، والأصح أن نقول الشفعة أصل في الشرع ، فلا يجوز أن يقال : إنه مستحسن من القياس ، بل هو ثابت ، وقد دلت على ثبوته الأحاديث المشهورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم . من ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { الشفعة في كل شيء عقارا وربعا } ، ومن ذلك ما بدأ محمد بن الحسن الكتاب به ورواه عن المسور بن مخرمة عن رافع بن خديج أن سعد بن مالك رضي الله عنه عرض بيتا له على جار له ، فقال خذه بأربعمائة ، أما إني قد أعطيت به ثمانمائة ، ولكني أعطيكه بأربعمائة لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { الجار أحق بصقبه } ، وفيه دليل على أن من أراد بيع ملكه فإنه ينبغي له أن يعرضه على جاره لمراعاة حق المجاورة قال : صلى الله عليه وسلم { ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه } ; ولأنه أقرب إلى حسن العشرة ، والتحرز عن الخصومة ، والمنازعة ; فلهذا فعله سعد رضي الله عنه وحط [ ص: 91 ] عنه نصف الثمن لتحقيق هذا المعنى وقيل لإتمام الإحسان ، وإن تمام الإحسان أن يحط الشطر ; لما روي أن الحسن بن علي رضي الله عنه كان له دين على إنسان فطالب غريمه ، فقال : أحسن إلي يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : وهبت لك النصف فقيل له : النصف كثير ، فقال : وأين ذهب قوله تعالى { وأحسنوا إن الله يحب المحسنين } سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من تمام الإحسان أن يحط الشطر } . فأما قوله : صلى الله عليه وسلم { الجار أحق بسقبه } ، فقد روي هذا الحديث بالسين ، والمراد القرب ، وبالصاد ، والمراد الأخذ ، والانتزاع ، يعني : لما جعله الشرع أحق بالأخذ بعد البيع ، فهو أحق بالعرض عليه قبل البيع أيضا ، وهو دليل لنا على أن الشفعة تستحق بالجوار ، فإنه ذكر اسما مشتقا من معنى ، والحكم متى علق باسم مشتق ، فذلك المعنى هو الموجب للحكم خصوصا إذا كان مؤثرا فيه كما في قوله تعالى { الزانية والزاني } ، وقوله تعالى { والسارق والسارقة } وهذا المعنى مؤثر ; لأن الأخذ بالشفعة لدفع الضرر ، فإن الضرر مدفوع ; لقوله صلى الله عليه وسلم { لا ضرر ولا ضرار } في الإسلام ، وذلك يتحقق بالمجاورة ، يعني : الضرر البادي إلى سوء المجاورة على الدوام من حيث إبعاد النار وإعلاء الجدار وإثارة الغبار ومنع ضوء النهار والشافعي يقول : المراد بالجار الشريك ، فقد يطلق اسم الجار على الشريك قال الأعشى

أيا جارتي بيني فإنك طالق كذاك أمور الناس عاد وطارقة

والمراد زوجته ، وهي شريكته في الفراش ، ولكنا نقول في هذا ترك الحقيقة إلى المجاز من غير دليل ، ثم الزوجة تسمى جارة ; لأنها مجاورة في الفراش تتصرف عنه لا ; لأنها تشاركه وفي الحديث ما يدل على بطلان هذا التأويل ، وإن سعدا رضي الله عنه عرض بيتا له على جار له وروى الحديث ، فذلك دليل على أن جميع البيت كان له ، وإنه فهم من الحديث الجار دون الشريك حين استعمل الحديث فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية