الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عتق ]

                                                          عتق : العتق : خلاف الرق وهو الحرية ، وكذلك العتاق بالفتح والعتاقة عتق العبد يعتق عتقا وعتقا وعتاقا وعتاقة فهو عتيق وعاتق ، وجمعه عتقاء وأعتقته أنا فهو معتق وعتيق ، والجمع [ ص: 27 ] كالجمع وأمة عتيق وعتيقة في إماء عتائق ، وفي الحديث : لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ، قال ابن الأثير : وقوله : فيعتقه ليس معناه استئناف العتق فيه بعد الشراء ; لأن الإجماع منعقد أن الأب يعتق على الابن إذا ملكه في الحال ، وإنما معناه أنه إذا اشتراه فدخل في ملكه عتق عليه ، فلما كان الشراء سببا لعتقه أضيف العتق إليه ، وإنما كان هذا جزاء له ; لأن العتق أفضل ما ينعم به أحد على أحد إذ خلصه بذلك من الرق ، وجبر به النقص الذي له وتكمل له أحكام الأحرار في جميع التصرفات ، وفلان مولى عتاقة ومولى عتيق ومولاة عتيقة وموال عتقاء ونساء عتائق : وذلك إذا أعتقن ، وحلف بالعتاق ، أي : الإعتاق ، وعتيق : اسم الصديق - رضي الله عنه - ، قيل : سمي بذلك ; لأن الله تبارك وتعالى أعتقه من النار ، واسمه عبد الله بن عثمان روت عائشة أن أبا بكر دخل على النبي ، فقال : يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار فمن يومئذ سمي عتيقا ، وفي حديث أبي بكر - رضي الله عنه - : أنه سمي عتيقا ; لأنه أعتق من النار سماه به النبي ، وقيل : كان يقال له عتيق لجماله ، وعتقت عليه يمين تعتق : سبقت وتقدمت وكذلك عتقت بالضم ، أي : قدمت ووجبت كأنه حفظها فلم يحنث ، وعتقت مني يمين ، أي : سبقت وأنشد لأوس بن حجر :


                                                          علي ألية عتقت قديما فليس لها وإن طلبت مرام



                                                          أي : لزمتني ، وقيل : أي ليس لها حيلة وإن طلبت ، أبو زيد : أعتق يمينه ، أي : ليس لها كفارة ، وعتقت الفرس تعتق وعتقت عتقا : سبقت الخيل فنجت ، وفرس عاتق : سابق ، ورجل معتاق الوسيقة إذا طرد طريدة سبق بها ، وقيل : سبق بها وأنجاها ، قال أبو المثلم يرثي صخرا :


                                                          حامي الحقيقة نسال الوديقة مع     تاق الوسيقة لا نكس ولا واني



                                                          قال : ولا يقال معناق ، والعاتق : الناهض من فراخ القطا ، قال أبو عبيد : ونرى أنه من السبق على أنه يعتق ، أي : يسبق ، يقال : هذا فرخ قطاة عاتق إذا كان قد استقل وطار ، وعتاق الطير : الجوارح منها ، والأرحبيات العتاق : النجائب منها ، وقيل : العاتق من الطير فوق الناهض وهو في أول ما يتحسر ريشه الأول ، وينبت له ريش جلذي ، أي : شديد ، وقيل : العاتق من الحمام ما لم يسن ويستحكم والجمع عتق ، وجارية عاتق : شابة ، وقيل : العاتق البكر التي لم تبن عن أهلها ، وقيل : هي التي بين التي أدركت وبين التي عنست ، والعاتق : الجارية التي قد أدركت وبلغت فخدرت في بيت أهلها ، ولم تتزوج سميت بذلك ; لأنها عتقت عن خدمة أبويها ، ولم يملكها زوج بعد ، قال الفارسي : وليس بقوي ، قال الشاعر :


                                                          أقيدي دما يا أم عمرو هرقته     بكفيك يوم الستر إذ أنت عاتق



                                                          وقيل : العاتق الجارية التي قد بلغت أن تدرع وعتقت من الصبا والاستعانة بها في مهنة أهلها سميت عاتقا بها ، والجمع في ذلك كله عواتق ، قال زهير بن مسعود الضبي :


                                                          ولم تثق العواتق من غيور     بغيرته وخلين الحجالا



                                                          وفي الحديث : خرجت أم كلثوم بنت عقبة وهي عاتق قبل هجرتها ، قال ابن الأثير : العاتق الشابة أول ما تدرك ، وقيل : هي التي لم تبن من والديها ولم تتزوج ، وقد أدركت وشبت ، ويجمع على العتق ، ومنه حديث أم عطية : أمرنا أن نخرج في العيدين الحيض والعتق وفي رواية : العواتق ، يقال : عتقت الجارية فهي عاتق مثل حاضت فهي حائض ، وكل شيء بلغ إناه فقد عتق ، والعتيق : الكريم الرائع من كل شيء والخيار من كل شيء : التمر والماء والبازي والشحم ، والعتق : الكرم ، يقال : ما أبين العتق في وجه فلان يعني الكرم ، والعتق : الجمال ، وفرس عتيق : رائع كريم بين العتق ، وقد عتق عتاقة ، والاسم العتق والجمع العتاق ، وامرأة عتيقة : جميلة كريمة وقوله :


                                                          هجان المحيا عوهج الخلق سربلت     من الحسن سربالا عتيق البنائق



                                                          يعني حسن البنائق جميلها ، والعتق : الشجر التي يتخذ منها القسي العربية ، عن أبي حنيفة ، قال : يراد به كرم القوس لا العتق الذي هو القدم ، وقال مرة عن أبي زياد : العتق الشجر التي تعمل منها القسي ، قال : كذا بلغني عن أبي زياد والذي نعرفه العتق ، والعتيق : فحل من النخل معروف لا تنفض نخلته ، وعتيق الطير : البازي ، قال لبيد :


                                                          فانتضلنا وابن سلمى قاعد     كعتيق الطير يغضى ويجل



                                                          ابن سلمى : النعمان ، وإنما ذكر مقامته مع الربيع بين يدي النعمان ، ابن الأعرابي : كل شيء بلغ النهاية في جودة أو رداءة أو حسن أو قبح فهو عتيق وجمعه عتق ، والعاتقة من القوس : مثل العاتكة وهي التي قدمت واحمرت ، والعتيق : القديم من كل شيء حتى قالوا : رجل عتيق ، أي : قديم ، وفي الحديث : عليكم بالأمر العتيق ، أي : القديم الأول ، ويجمع على عتاق كشريف وشراف ، ومنه حديث ابن مسعود : إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي أراد بالعتاق الأول : السور اللاتي أنزلت أولا بمكة ، وأنها من أول ما تعلمه من القرآن ، وقد عتق عتقا وعتاقة ، أي : قدم وصار عتيقا ، وكذلك عتق يعتق مثل دخل يدخل فهو عاتق ودنانير عتق وعتقته أنا تعتيقا وفي التنزيل : وليطوفوا بالبيت العتيق ، وفي حديث ابن الزبير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إنما سمى الله البيت العتيق ; لأن الله أعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه جبار قط والبيت العتيق بمكة لقدمه ; لأنه أول بيت وضع للناس ؛ قال الحسن : هو البيت القديم دليله قوله تعالى : إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ، وقيل لأنه أعتق من الغرق أيام الطوفان ؛ دليله قوله تعالى : وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ، وهذا دليل على أن البيت رفع وبقي مكانه ، وقيل : إنه أعتق من الجبابرة ولم يدعه منهم أحد ، وقيل : سمي عتيقا ; لأنه لم يملكه [ ص: 28 ] أحد والأول أولى ، وقال بعض حذاق اللغويين : العتق للموات كالخمر والتمر والقدم للموات والحيوان جميعا ، وخمر عتيقة : قديمة حبست زمانا في ظرفها فأما قول الأعشى :


                                                          وكأن الخمر العتيق من الإس     فنط ممزوجة بماء زلال



                                                          فإنه قد يوجه على تذكير الخمر ، فإما أن يكون تذكير الخمر معروفا ، وإما أن يكون وجهها على إرادة الشراب ، ومثله كثير أعني الحمل على المعنى قال أبو حنيفة : وإن شئت جعلت فعيلا هنا في معنى مفعول ، كما تقول : عين كحيل فتكون الخمر مؤنثة على اللغة المشهورة ، ويقال لجيد الشراب عاتق ، والعاتق : الخمر القديمة ، قال حسان :


                                                          كالمسك تخلطه بماء سحابة     أو عاتق كدم الذبيح مدام



                                                          وقد عتقت الخمر وعتقها ، والمعتقة : من أسماء الطلاء والخمر ، قال الأعشى :


                                                          وسبيئة مما تعتق بابل     كدم الذبيح سلبتها جريالها



                                                          والمعتقة : الخمر التي عتقت زمانا حتى عتقت ، والعاتق : كالعتيقة ، وقيل : هي التي لم يفض أحد ختامها كالجارية العاتق ، وقيل : هي لم تقتض ، قال لبيد :


                                                          أغلي السباء بكل أدكن عاتق     أو جونة قدحت وفض ختامها



                                                          وبكرة عتيقة إذا كانت نجيبة كريمة ، وقال أعرابي : لا نعد البكرة بكرة حتى تسلم من القرحة والعرة فإذا برئت منهما فقد عتقت وثبتت ويروى نبتت ، وعتقت : قدمت وكل ذلك عن ابن الأعرابي ، وقال ثعلب : قد عتقت بالفتح تعتق عتقا ، أي : نجت فسبقت ، وأعتقها صاحبها ، أي : أعجلها وأنجاها ، وعتق السمن وعتق : يعني قدم عن اللحياني ، والعتيق : الماء ، وقيل : الطلاء والخمر ، وقيل : اللبن ، وعتق بفيه يعتق إذا بزم وعض ، والعتق : صلاح المال ، وعتق المال عتقا : صلح وعتقه وأعتقه فعتق : أصلحه فصلح وعتق فلان بعد استعلاج يعتق فهو عتيق : رق وصار عتيقا وهو رقة الجلد ، أي : رقت بشرته بعد الغلظ والجفاء وعتق التمر وغيره وعتق فهو عتيق : رق جلده ، وعتق يعتق إذا صار قديما ، وقال أبو حنيفة : العتيق اسم للتمر علم وأنشد قول عنترة :


                                                          كذب العتيق وماء شن بارد     إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي



                                                          قيل : إنه أراد بالعتيق التمر الذي قد عتق خاطب امرأته حين عاتبته على إيثار فرسه بألبان إبله ، فقال لها : عليك بالتمر والماء البارد وذري اللبن لفرسي الذي أحميك على ظهره ، وقال : هو الماء نفسه ، وهذه الأبيات قيل إنها لعنترة ، وقال ابن خالويه : إنها لخزز بن لوذان السدوسي ، وهي :


                                                          كذب العتيق وماء شن بارد     إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي
                                                          لا تنكري فرسي وما أطعمته     فيكون لونك مثل لون الأجرب
                                                          إني لأخشى أن تقول حليلتي :     هذا غبار ساطع فتلبب
                                                          إن الرجال لهم إليك وسيلة     أن يأخذوك تكحلي وتخضبي
                                                          ويكون مركبك القلوص وظله     وابن النعامة يوم ذلك مركبي



                                                          قال : والعتيق التمر الشهريز ، وجمعه عتق ، والعاتق : ما بين المنكب والعنق مذكر قد أنث وليس بثبت ، وزعموا أن هذا البيت مصنوع وهو :


                                                          لا نسب اليوم ولا خلة     اتسع الفتق على الراتق
                                                          لا صلح بيني فاعلموه ولا     بينكم ما حملت عاتقي
                                                          سيفي وما كنا بنجد وما     قرقر قمر الواد بالشاهق



                                                          قال ابن بري : والعاتق مؤنثة ، واستشهد بهذه الأبيات ، ونسبها لأبي عامر جد العباس بن مرداس ، وقال : ومن روى البيت الأول :


                                                          اتسع الخرق على الراقع



                                                          فهو لأنس بن العباس بن مرداس ، قال اللحياني : هو مذكر لا غير وهما عاتقان والجمع عتق وعتق وعواتق ، ورجل أميل العاتق : معوج موضع الرداء ، والعاتق : الزق الواسع الجيد ، وبه فسر بعضهم قول لبيد :


                                                          أغلى السباء بكل أدكن عاتق



                                                          وقد تقدم ؛ قال الأزهري : جعل العاتق زقا لما رآه نعتا للأدكن ، وإنما أراد بالعاتق جيد الخمر ، وهو كقوله : أو جونة قدحت ، وإنما قدح ما فيها ، والجونة : الخابية والقدح : الغرف ، وقال الجوهري : هو الزق الذي طابت رائحته ، وقوله بكل يعني من كل والسباء : اشتراء الخمر ، والعاتق أيضا : المزادة الواسعة ، والمعتقة : ضرب من العطر ، وأبو عتيق : كنية ، ومنه ابن أبي عتيق هذا الماجن المعروف وإنما قيل : قنطرة عتيقة بالهاء وقنطرة جديد بلا هاء ; لأن العتيقة بمعنى الفاعلة والجديد بمعنى المفعولة ليفرق بين ما له الفعل وبين ما الفعل واقع عليه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية