الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عتم ]

                                                          عتم : عتم الرجل عن الشيء يعتم وعتم : كف عنه بعد المضي فيه ، قال الأزهري : وأكثر ما يقال عتم تعتيما ، وقيل : عتم احتبس عن فعل الشيء يريده ، وعتم عن الشيء يعتم وأعتم وعتم : أبطأ والاسم العتم ، وعتم قراه : أخره ، وقرى عاتم ومعتم : بطيء ممس وقد عتم قراه ، وأعتمه صاحبه وعتمه ، أي : أخره ، ويقال : فلان عاتم القرى ، قال الشاعر :


                                                          فلما رأينا أنه عاتم القرى بخيل ذكرنا ليلة الهضم كردما



                                                          قال ابن بري : ويقال جاءنا ضيف عاتم إذا جاء ذلك الوقت ، قال الراجز :


                                                          يبني العلى ويبتني المكارما     أقراه للضيف يئوب عاتما



                                                          وأعتمت حاجتك ، أي : أخرتها ، وقد عتمت حاجتك ولغة أخرى : أعتمت حاجتك ، أي : أبطأت وأنشد قوله :


                                                          معاتيم القرى سرف إذا ما     أجنت طخية الليل البهيم



                                                          وقال الطرماح يمدح رجلا :


                                                          متى يعد ينجز ولا يكتبل     منه العطايا طول إعتامها



                                                          وأنشد ثعلب لشاعر يهجو قوما :


                                                          إذا غاب عنكم أسود العين كنتم     كراما وأنتم ما أقام ألائم
                                                          تحدث ركبان الحجيج بلؤمكم     ويقري به الضيف اللقاح العواتم



                                                          يقول : لا تكونون كراما حتى يغيب عنكم هذا الجبل الذي يقال له أسود العين وهو لا يغيب أبدا ، وقوله : يقري به الضيف اللقاح العواتم معناه : أن أهل البادية يتشاغلون بذكر لؤمكم عن حلب لقاحهم حتى يمسوا ، فإذا طرقهم الضيف صادف الألبان بحالها لم تحلب فنال حاجته ، فكان لؤمكم قرى الأضياف ، قال ابن الأعرابي : العتم يكون فعالهم مدحا ويكون ذما جمع عاتم وعتوم ، فإذا كان مدحا فهو الذي يقري ضيفانه الليل والنهار ، وإذا كان ذما فهو الذي لا يحلب لبن إبله ممسيا حتى ييأس من الضيف ، وحكى ابن بري : العتمة الإبطاء أيضا قال عمرو بن الإطنابة :


                                                          وجلادا إن نشطت له     عاجلا ليست له عتمه



                                                          وحمل عليه فما عتم ، أي : ما نكل ولا أبطأ ، وضرب فلان فلانا فما عتم ولا عتب ولا كذب ، أي : لم يتمكث ولم يتباطأ في ضربه إياه ، وفي حديث عمر : نهى عن الحرير إلا هكذا وهكذا فما عتمنا أنه يعني الأعلام ، أي : ما أبطأنا عن معرفة ما عنى وأراد ، قال ابن بري : شاهده قول الشاعر :


                                                          فمر نضي السهم تحت لبانه     وجال على وحشيه لم يعتم



                                                          قال الجوهري : والعامة تقول ضربه فما عتب ، وفي الحديث في صفة نخل : أن سلمان غرس كذا وكذا ودية والنبي - صلى الله عليه وسلم - يناوله وهو يغرس فما عتمت منها ودية ، أي : ما لبثت أن علقت ، وعتمت الإبل تعتم وتعتم وأعتمت واستعتمت : حلبت عشاء وهو من الإبطاء والتأخر ، قال أبو محمد الحذلمي :


                                                          فيها ضوى قد رد من إعتامها



                                                          والعتمة : ثلث الليل الأول بعد غيبوبة الشفق ، أعتم الرجل : صار في ذلك الوقت ، ويقال : أعتمنا من العتمة كما يقال أصبحنا من الصبح ، وأعتم القوم وعتموا تعتيما : ساروا في ذلك الوقت أو أوردوا أو أصدروا أو عملوا أي عمل كان ، وقيل : العتمة وقت صلاة العشاء الأخيرة سميت بذلك لاستعتام نعمها ، وقيل : لتأخر وقتها ، ابن الأعرابي : عتم الليل وأعتم إذا مر قطعة من الليل وقال : إذا ذهب النهار وجاء الليل فقد جنح الليل ، وفي الحديث : لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء فإن اسمها في كتاب الله العشاء وإنما يعتم بحلاب الإبل قوله : إنما يعتم بحلاب الإبل معناه لا تسموها صلاة العتمة فإن الأعراب الذين يحلبون إبلهم إذا أعتموا ، أي : دخلوا في وقت العتمة سموها صلاة العتمة ، وسماها الله عز وجل في كتابه صلاة العشاء فسموها كما سماها الله لا كما سماها الأعراب ، فنهاهم عن الاقتداء بهم ويستحب لهم التمسك بالاسم الناطق به لسان الشريعة ، وقيل : أراد لا يغرنكم فعلهم هذا فتؤخروا صلاتكم ولكن صلوها إذا حان وقتها ، وعتمة الليل : ظلام أوله عند سقوط نور الشفق ، يقال : عتم الليل يعتم ، وقد أعتم الناس إذا دخلوا في وقت العتمة وأهل البادية يريحون نعمهم بعيد المغرب ، وينيخونها في مراحها ساعة يستفيقونها فإذا أفاقت وذلك بعد مر قطعة من الليل أثاروها وحلبوها ، وتلك الساعة تسمى عتمة وسمعتهم يقولون : استعتموا نعمكم حتى تفيق ثم [ ص: 31 ] احتلبوها ، وفي حديث أبي ذر : واللقاح قد روحت وحلبت عتمتها ، أي : حلبت ما كانت تحلب وقت العتمة ، وهم يسمون الحلاب عتمة باسم الوقت ، ويقال : قعد فلان عندنا قدر عتمة الحلائب ، أي : احتبس قدر احتباسها للإفاقة ، وأصل العتم في كلام العرب المكث والاحتباس ، قال ابن سيده : والعتمة بقية اللبن تفيق بها النعم في تلك الساعة ، يقال : حلبنا عتمة ، وعتمة الليل : ظلامه ، وقوله : طيف ألم بذي سلم ، يسري عتم بين الخيم . يجوز أن يكون على حذف الهاء كقولهم هو أبو عذرها وقوله :


                                                          ألا ليت شعري هل تنظر خالد     عيادي على الهجران أم هو يائس ؟



                                                          قد يكون من البطء ، أي : يسري بطيئا ، وقد عتم الليل يعتم ، وعتمة الإبل : رجوعها من المرعى بعدما تمسي ، وناقة عتوم : هي التي لا تزال تعشى حتى تذهب ساعة من الليل ولا تحلب إلا بعد ذلك الوقت ، قال الراعي :


                                                          أدر النسا كيلا تدر عتومها



                                                          والعتوم : الناقة التي تدر إلا عتمة ، قال ابن بري : قال ثعلب العتومة الناقة الغزيرة الدر ، وأنشد لعامر بن الطفيل :


                                                          سود صناعية إذا ما أوردوا     صدرت عتومتهم ولما تحلب
                                                          صلع صلامعة كأن أنوفهم     بعر ينظمه الوليد بملعب
                                                          لا يخطبون إلى الكرام بناتهم     وتشيب أيمهم ولما تخطب



                                                          ويروى :


                                                          ينظمه وليد يلعب



                                                          سود صناعية : يصنعون المال ويسمنونه ، والصلامعة : الدقاق الرءوس ، قال الأزهري : العتوم ناقة غزيرة يؤخر حلابها إلى آخر الليل ، وقيل : ما قمراء أربع ؟ فقيل : عتمة ربع ، أي : قدر ما يحتبس في عشائه ، قال أبو زيد الأنصاري : العرب تقول للقمر إذا كان ابن ليلة : عتمة سخيلة حل أهلها برميلة ، أي : قدر احتباس القمر إذا كان ابن ليلة ثم غروبه قدر عتمة سخلة يرضع أمه ثم يحتبس قليلا ثم يعود لرضاع أمه وذلك أن يفوق السخل أمه فواقا بعد فواق يقرب ولا يطول وإذا كان القمر ابن ليلتين قيل : له : حديث أمتين بكذب ومين ، وذلك أن حديثهما لا يطول لشغلهما بمهنة أهلهما وإذا كان ابن ثلاث قيل : حديث فتيات غير مؤتلفات ، وإذا كان ابن أربع ، قيل : عتمة ربع غير جائع ولا مرضع ، أرادوا أن قدر احتباس القمر طالعا ثم غروبه قدر فواق هذا الربع أو فواق أمه ، وقال ابن الأعرابي : عتمة أم الربع ، وإذا كان ابن خمس ، قيل : حديث وأنس ، ويقال : عشاء خلفات قعس ، وإذا كان ابن ست ، قيل : سر وبت ، وإذا كان ابن سبع ، قيل : دلجة الضبع ، وإذا كان ابن ثمان ، قيل : قمر إضحيان وإذا كان ابن تسع ، قيل : يلقط فيه الجزع وإذا كان ابن عشر ، قيل له : مخنق الفجر وقول الأعشى :


                                                          نجوم الشتاء العاتمات الغوامضا



                                                          يعني بالعاتمات التي تظلم من الغبرة التي في السماء ، وذلك في الجدب ; لأن نجوم الشتاء أشد إضاءة لنقاء السماء ، وضيف عاتم : مقيم ، وعتم الطائر إذا رفرف على رأسك ولم يبعد وهي بالغين والياء أعلى ، وعتم عتما : نتف عن كراع ، والعتم والعتم : شجر الزيتون البري الذي لا يحمل شيئا ، وقيل : هو ما ينبت منه بالجبال ، وفي حديث أبي زيد الغافقي : الأسوكة ثلاثة أراك فإن لم يكن فعتم أو بطم ؛ العتم بالتحريك : الزيتون ، وقيل : شيء يشبهه ينبت بالسراة ، وقال ساعدة بن جؤية الهذلي :


                                                          من فوقه شعب قر وأسفله     جيء تنطق بالظيان والعتم



                                                          وثمره الزغبج ، والجيء : الماء الذي يخرج من الدور فيجتمع في موضع واحد ومنه أخذ هذه الجيئة المعروفة ، وقال أمية :


                                                          تلكم طروقته والله يرفعها     فيها العذاة وفيها ينبت العتم



                                                          وقال الجعدي :


                                                          تستن بالضرو من براقش أو     هيلان أو ناضر من العتم



                                                          وقوله :


                                                          ارم على قوسك ما لم تنهزم     رمي المضاء وجواد بن عتم



                                                          يجوز في عتم أن يكون اسم رجل ، وأن يكون اسم فرس .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية