الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
شرع في ترجيح الدليلين المعقولين بأنواعه ، وهو الغرض الأعظم من باب التراجيح ، وفيه اتساع مجال الاجتهاد ، وبدأ بتعريفهما ، فقال ( المعقولان ) أي : الدليلان المعقولان ( قياسان ، أو استدلالان . فالأول ) الذي هو القياسان ( يعود ) الترجيح فيه ( إلى أصله ) أي : الأصل المقيس عليه ( وفرعه ) أي : الفرع المقيس ( و ) يكون في ( مدلوله وأمر خارج ) كما تقدم في المنقولين ( فيرجح الأصل ) في صور الأولى : أن يرجح ( بقطع حكمه ) أي : بأن يكون حكم الأصل قطعيا ، فيقدم على ما كان دليل أصله ظنيا ، كقولنا في لعان الأخرس : أن ما صح من الناطق صح من الأخرس كاليمين ، فإنه أرجح من قياسهم على شهادته ، تعليلا بأنه يفتقر إلى لفظ الشهادة ; [ ص: 658 ] لأن اليمين تصح من الأخرس بالإجماع ، والإجماع قطعي ، وأما جواز شهادته : ففيه خلاف بين الفقهاء .

( و ) الصورة الثانية : أن يرجح ( بقوة دليله ) أي : بأن يكون دليل أحد الأصلين أقوى ، فتكون صحته أغلب في الظن . ( و ) الثالثة : الترجيح ( بأنه ) أي : بأن يكون دليل أصله ( لم ينسخ ) بالاتفاق فإن ما قيل بأنه منسوخ - وإن كان القول به ضعيفا - ليس كالمتفق على أنه لم ينسخ . ( و ) الرابعة الترجيح بكون حكم أصله جاريا ( على سنن القياس ) بالاتفاق ، فإنه أرجح مما كان على سنن القياس المختلف فيه ; لأن ما كان متفقا عليه كان أبعد من الخلل . وقال البرماوي : والمراد بذلك هنا أن يكون فرعه من جنس أصله ، كما صرح به أبو الطيب والماوردي وأبو إسحاق الشيرازي ، وابن السمعاني وغيرهم ، وذلك كقياس ما دون أرش الموضحة في تحمل العاقلة إياه فهو أولى من قياسهم ذلك على غرامات الأموال في أصول إسقاط التحمل ; لأن الموضحة من جنس ما اختلف فيه ، فكان على سننه ، إذ الجنس بالجنس أشبه . كما يقال : قياس الطهارة على الطهارة أولى من قياسها على ستر العورة .

( و ) الخامسة : الترجيح ( بدليل خاص بتعليله ) أي : بقيام دليل خاص على تعليله ، وجواز القياس عليه ، فإنه أبعد من التعبد والقصور والخلاف ، ويرجح ما ثبتت عليته بالنص على ما ثبتت علته بالإجماع . قدمه الأرموي والبيضاوي ، وإلى ذلك أشير بقوله ( وفي قول : نص ، فإجماع ) وقال في المحصول : ويرجح ما ثبتت عليته بالإجماع على ما ثبتت عليته بالنص ; لقبول النص للتأويل ، بخلاف الإجماع ، ثم قال : ويمكن تقديم النص ; لأن الإجماع فرعه . قال البرماوي : نعم إذا استوى النص والإجماع في القطع متنا ودلالة : كان ما دليله الإجماع راجحا ودونهما ، إذا كانا ظنيين . بأن كان أحدهما نصا ظنيا ، والآخر إجماعا ظنيا رجح أيضا ما كان دليله الإجماع ، لما سبق من قبول النص النسخ والتخصيص . قال الهندي : هذا صحيح بشرط التساوي في الدلالة ، فإن اختلفا فالحق أنه يتبع فيه الاجتهاد فما تكون فائدته للظن أكثر : فهو أولى فإن الإجماع ، وإن لم يقبل النسخ والتخصيص ، لكن قد تضعف دلالته بالنسبة إلى الدلالة القطعية ، فقد [ ص: 659 ] ينجبر النقص بالزيادة ، وقد لا ينجبر ، فيقع فيه الاجتهاد . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية