الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 81 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى - ولا يحل شيء من الحيوان المأكول سوى السمك والجراد إلا بذكاة لقوله تعالى { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب } ويحل السمك والجراد من غير ذكاة لقوله صلى الله عليه وسلم : { أحلت لنا ميتتان السمك والجراد } ولأن ذكاتهما لا تمكن في العادة فسقط اعتبارها .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الحديث سبق بيانه واضحا في باب الأطعمة وذكرنا أنه من رواية ابن عمر ، وأن الصحيح أن ابن عمر هو القائل " أحلت لنا " وأنه يكون بهذه الصيغة مرفوعا ، والميتة ما فارقت الحياة بغير ذكاة ، وقوله تعالى { وما أهل لغير الله به } أي ما ذبح لصنم ونحوه ، وقد سبق بيان هذا واضحا في باب الأضحية والموقوذة المضروبة بعصا ونحوها ، والمتردية التي تسقط من علو فتموت ، والنطيحة المنطوحة ، وقول المصنف : لا يحل شيء من الحيوان المأكول سوى السمك والجراد إلا بذكاة كلام صحيح ، ولا يرد الصيد الذي قتلته جارحة أو سهم ، فإن ذلك ذكاته ، وكذا الجنين في بطن أمه ، فإن ذكاة أمه ذكاة له كما جاء به الحديث ، وقد أوضحه المصنف في أواخر هذا الباب ، وكذا الحيوان الذي تردى في بئر أو بند ، فإنه يقتل حيث أمكن وذلك ذكاة له كما ذكره المصنف بعد هذا ، والله أعلم .

                                      وقد أجمعت الأمة على تحريم الميتة غير السمك والجراد ، وأجمعوا على إباحة السمك والجراد ، وأجمعوا أنه لا يحل من الحيوان غير السمك [ ص: 82 ] والجراد إلا بذكاة أو ما في معنى الذكاة ، كما ذكرنا ، فلو ابتلع عصفورا حيا فهو حرام بلا خلاف ، وقد سبق بيانه في الأطعمة . ولو ذكى الحيوان وله يد شلاء فهل تحل بالذكاة ؟ فيه وجهان ( الصحيح ) الحل ( والثاني ) أنها ميتة فلا تحل والله أعلم .

                                      أما السمك والجراد فحلال ، وميتتهما حلال بالإجماع ، ولا حاجة إلى ذبحه ولا قطع رأس الجراد ، قال أصحابنا : ويكره ذبح السمك إلا أن يكون كبيرا يطول بقاؤه فوجهان ( أصحهما ) يستحب ذبحه راحة له ( والثاني ) يستحب تركه ليموت بنفسه . ولو صاد مجوسي سمكة حلت بلا خلاف ، لأن ميتتها حلال ، ولو ابتلع سمكة حية أو قطع فلقة منها وأكلها أو ابتلع جرادة حية أو فلقة منها فوجهان ( أصحهما ) يكره ولا يحرم ( والثاني ) يحرم ، وبه قطع الشيخ أبو حامد ، ولو وجدت سمكة في جوف سمكة فهما حلال كما لو ماتت حتف أنفها ، بخلاف ما لو ابتلعت عصفورا أو غيره فوجد في جوفها ميتا ، فإنه حرام بلا خلاف ، ولو تقطعت سمكة في جوف سمكة وتغير لونها لم تحل على أصح الوجهين لأنها كالروث والقيء ، ولو قلى السمك قبل موتها وطرحها في الزيت المغلي وهي تضطرب ، قال الشيخ أبو حامد : لا يحل فعله ، لأنه تعذيب ، وهذا تفريع على اختياره في ابتلاع السمكة حية أنه حرام ، فإن قلنا بكراهة ذلك فلا يحرم ، فكذا هذا .

                                      ( وأما ) السمك الصغار الذي ، يقلى ويشوى ولا يشق جوفه ، ولا يخرج ما فيها ، ففيه وجهان ( أحدهما ) لا يحل أكله ، وبه قال الشيخ أبو حامد ، لأن روثه نجس ( والثاني ) يحل ، وبه قال القفال ، وصححه الفوراني وغيره ، قال الروياني : وبه أفتي قال : ورجيعه طاهر عندي ، واحتج له غيره بأنه يعتد ببيعه ، وقد جرى الأولون على المسامحة .

                                      ( فرع ) ذكرنا أن مذهبنا إباحة ما صاده المجوسي من السمك [ ص: 83 ] ومات في يده ، وهكذا الجراد ( فأما ) السمك فمجمع عليه ( وأما ) الجراد فوافقنا عليه الأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وجمهور العلماء ، قال الليث ومالك : لا يؤكل ما صاده من الجراد ، بخلاف السمك ، وفرقهما ضعيف ، دليلنا حديث : { أحلت لنا ميتتان } .

                                      ( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا إباحة ميتات السمك ، سواء الذي مات بسبب والذي مات حتف أنفه ويسمى الطافي وبه قال جمهور العلماء ، خلافا لأبي حنيفة وطائفة ، وقد سبقت المسألة مبسوطة بأدلتها في باب الأطعمة .

                                      ( وأما ) الجراد فتحل ميتته سواء مات بسبب أو حتف أنفه ولا يشترط قطع رأسه . هذا مذهبنا ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء قال العبدري : هو قول محمد بن الحكم والأبهري المالكيين ، وعامة العلماء ، وقال مالك : لا تحل إلا إذا مات بسبب بأن يقطع بعضه أو يسلق أو يشوى أو يقلى حيا ، وإن لم يقطف رأسه ، قال : فإن مات حتف أنفه أو في وعاء لم يؤكل وهذا رواية عن أحمد ، والصحيح عندنا ما قدمناه ، دليلنا ما ذكره المصنف




                                      الخدمات العلمية