الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب جواز قتال من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل أهل للحكم

                                                                                                                1768 وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار وألفاظهم متقاربة قال أبو بكر حدثنا غندر عن شعبة وقال الآخران حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف قال سمعت أبا سعيد الخدري قال نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد فأتاه على حمار فلما دنا قريبا من المسجد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار قوموا إلى سيدكم أو خيركم ثم قال إن هؤلاء نزلوا على حكمك قال تقتل مقاتلتهم وتسبي ذريتهم قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم قضيت بحكم الله وربما قال قضيت بحكم الملك ولم يذكر ابن المثنى وربما قال قضيت بحكم الملك وحدثنا زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة بهذا الإسناد وقال في حديثه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله وقال مرة لقد حكمت بحكم الملك [ ص: 439 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 439 ] قوله : ( نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ ) فيه جواز التحكيم في أمور المسلمين وفي مهماتهم العظام ، وقد أجمع العلماء عليه ، ولم يخالف فيه إلا الخوارج ، فإنهم أنكروا على علي التحكيم ، وأقام الحجة عليهم .

                                                                                                                وفيه جواز مصالحة أهل قرية أو حصن على حكم حاكم مسلم عدل صالح للحكم أمين على هذا الأمر ، وعليه الحكم بما فيه مصلحة للمسلمين ، وإذا حكم بشيء لزم حكمه ، ولا يجوز للإمام ولا لهم الرجوع عنه ، ولهم الرجوع قبل الحكم . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد فأتاه على حمار ، فلما دنا قريبا من المسجد ) قال القاضي عياض : قال بعضهم : قوله ( دنا من المسجد ) كذا هو في البخاري ومسلم من رواية شعبة ، وأراه وهما إن كان أراد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ; لأن سعد بن معاذ جاء منه ، فإنه كان فيه كما صرح به في الرواية الثانية ، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم حين أرسل إلى سعد نازلا على بني قريظة ، [ ص: 440 ] ومن هناك أرسل إلى سعد ليأتيه . فإن كان الراوي أراد مسجدا اختطه النبي صلى الله عليه وسلم هناك كان يصلي فيه مدة مقامه ، لم يكن وهما ، قال : والصحيح ما جاء في غير صحيح مسلم ، قال : فلما دنا من النبي صلى الله عليه وسلم ، أو فلما طلع على النبي صلى الله عليه وسلم ، كذا وقع في كتاب ابن أبي شيبة وسنن أبي داود ، فيحتمل أن المسجد تصحيف من لفظ الراوي . والله أعلم .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( قوموا إلى سيدكم أو خيركم ) فيه إكرام أهل الفضل وتلقيهم بالقيام لهم إذا أقبلوا ، هكذا احتج به جماهير العلماء لاستحباب القيام ، قال القاضي : وليس هذا من القيام المنهي عنه ، وإنما ذلك فيمن يقومون عليه وهو جالس ، ويمثلون قياما طول جلوسه ، قلت : القيام للقادم من أهل الفضل مستحب ، وقد جاء فيه أحاديث ، ولم يصح في النهي عنه شيء صريح ، وقد جمعت كل ذلك مع كلام العلماء عليه في جزء وأجبت فيه عما توهم النهي عنه . والله أعلم .

                                                                                                                قال القاضي : واختلفوا في الذين عناهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( قوموا إلى سيدكم ) هل هم الأنصار خاصة ، أم جميع من حضر من المهاجرين معهم ؟ .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ : ( إن هؤلاء نزلوا على حكمك ) وفي الرواية الأخرى : ( قال : فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد ) قال القاضي : يجمع بين الروايتين بأنهم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضوا برد الحكم إلى سعد ، فنسب إليه ، قال : والأشهر أن الأوس طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم العفو عنهم ; لأنهم كانوا حلفاءهم ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : أما ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم يعني من الأوس - يرضيهم بذلك - فرضوا به فرده إلى سعد بن معاذ الأوسي .

                                                                                                                قوله : ( وسبي ذريتهم ) سبق أن الذرية تطلق على النساء والصبيان معا .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( لقد حكمت بحكم الملك ) الرواية المشهورة ( الملك ) بكسر اللام ، وهو الله سبحانه وتعالى ، وتؤيدها الروايات التي قال فيها : ( لقد حكمت فيهم بحكم الله ) قال القاضي : [ ص: 441 ] رويناه في صحيح مسلم بكسر اللام بغير خلاف . قال : وضبطه بعضهم في صحيح البخاري بكسرها وفتحها ، فإن صح الفتح فالمراد به جبريل عليه السلام وتقديره بالحكم الذي جاء به الملك عن الله تعالى .




                                                                                                                الخدمات العلمية