الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عرس ]

                                                          عرس : العرس بالتحريك : الدهش ، وعرس الرجل وعرش بالكسر والسين والشين عرسا فهو عرس : بطر ، وقيل : أعيا ودهش ، وقول أبي ذؤيب :


                                                          حتى إذا أدرك الرامي وقد عرست عنه الكلاب فأعطاها الذي يعد

                                                          عداه بعن ; لأن فيه معنى جبنت وتأخرت وأعطاها ، أي : أعطى الثور الكلاب ما وعدها من الطعن ووعده إياها كأن يتهيأ ، ويتحرف إليها ليطعنها ، وعرس الشيء عرسا : اشتد ، وعرس الشر بينهم : لزم ودام ، وعرس به عرسا : لزمه ، وعرس عرسا فهو عرس : لزم القتال فلم يبرحه ، وعرس الصبي بأمه عرسا : ألفها ولزمها .

                                                          والعرس والعرس : مهنة الإملاك والبناء ، وقيل : طعامه خاصة ، أنثى تؤنثها العرب ، وقد تذكر ، قال الراجز :


                                                          إنا وجدنا عرس الحناط     لئيمة مذمومة الحواط
                                                          ندعى مع النساج والخياط

                                                          وتصغيرها بغير هاء وهو نادر ; لأن حقه الهاء إذ هو مؤنث على ثلاثة أحرف ، وفي حديث ابن عمر : أن امرأة قالت له : إن ابنتي عريس وقد تمعط شعرها ، هي تصغير العروس ولم تلحقه تاء التأنيث ، وإن كان مؤنثا لقيام الحرف الرابع مقامه ، والجمع أعراس وعرسات ، من قولهم : عرس الصبي بأمه على التفاؤل ، وقد أعرس فلان ، أي : اتخذ عرسا ، وأعرس بأهله إذا بنى بها ، وكذلك إذا غشيها ولا تقل عرس ، والعامة تقوله ، قال الراجز يصف حمارا :


                                                          يعرس أبكارا بها وعنسا     أكرم عرس باءة إذ أعرسا

                                                          وفي حديث عمر : أنه نهى عن متعة الحج ، وقال : قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ، ولكني كرهت أن يظلوا معرسين بهن تحت الأراك ثم يلبون بالحج تقطر رءوسهم ، قوله معرسين ، أي : ملمين بنسائهم وهو بالتخفيف ، وهذا يدل على أن إلمام الرجل بأهله يسمى إعراسا أيام بنائه عليها وبعد ذلك ; لأن تمتع الحاج بامرأته يكون بعد بنائه عليها ، وفي حديث أبي طلحة وأم سليم : فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أعرستم الليلة ؟ قال : نعم ، قال ابن الأثير : أعرس الرجل فهو معرس إذا دخل بامرأته عند بنائها ، وأراد بها هاهنا الوطء فسماه إعراسا ; لأنه من توابع الإعراس ، قال : ولا يقال فيه عرس ، والعروس : نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ، وفي الصحاح : ما داما في إعراسهما ، ويقال : رجل عروس في رجال أعراس وعرس ، وامرأة عروس في نسوة [ ص: 95 ] عرائس ، وفي المثل : كاد العروس يكون أميرا ، وفي الحديث : فأصبح عروسا ، يقال للرجل عروس كما يقال للمرأة ، وهو اسم لهما عند دخول أحدهما بالآخر ، وفي حديث حسان بن ثابت : أنه كان إذا دعي إلى طعام قال : أفي خرس أو عرس أم إعذار ؟ قال أبو عبيد في قوله عرس : يعني طعام الوليمة وهو الذي يعمل عند العرس يسمى عرسا باسم سببه ، قال الأزهري : العرس اسم من إعراس الرجل بأهله إذا بنى عليها ودخل بها ، وكل واحد من الزوجين عروس ، يقال للرجل : عروس وعروس وللمرأة كذلك ، ثم تسمى الوليمة عرسا ، وعرس الرجل : امرأته ، قال :


                                                          وحوقل قربه من عرسه     سوقي وقد غاب الشظاظ في استه

                                                          .

                                                          أراد أن هذا المسن كان على الرحل فنام فحلم بأهله ، فذلك معنى قوله : قربه من عرسه ; لأن هذا المسافر لولا نومه لم ير أهله ، وهو أيضا عرسها ; لأنهما اشتركا في الاسم لمواصلة كل واحد منهما صاحبه وإلفه إياه ، قال العجاج :


                                                          أزهر لم يولد بنجم نحس     أنجب عرس جبلا وعرس

                                                          .

                                                          أي : أنجب بعل وامرأة ، وأراد أنجب عرس وعرس جبلا ، وهذا يدل على أن ما عطف بالواو بمنزلة ما جاء في لفظ واحد فكأنه قال : أنجب عرسين جبلا ، لولا إرادة ذلك لم يجز هذا ; لأن جبلا وصف لهما جميعا ومحال تقديم الصفة على الموصوف ، وكأنه قال : أنجب رجل وامرأة ، وجمع العرس التي هي المرأة والذي هو الرجل أعراس والذكر والأنثى عرسان ، قال علقمة يصف ظليما :


                                                          حتى تلافى وقرن الشمس مرتفع     أدحي عرسين فيه البيض مركوم

                                                          قال ابن بري : تلافى تدارك ، والأدحي : موضع بيض النعامة ، وأراد بالعرسين الذكر والأنثى ; لأن كل واحد منهما عرس لصاحبه ، والمركوم : الذي ركب بعضه بعضا ، ولبوءة الأسد : عرسه ، وقد استعاره الهذلي للأسد فقال :


                                                          ليث هزبر مدل حول غابته     بالرقمتين له أجر وأعراس

                                                          قال ابن بري : البيت لمالك بن خويلد الخناعي ، وقبله :


                                                          يا مي لا يعجز الأيام مجترئ     في حومة الموت رزام وفراس

                                                          الرزام : الذي له رزيم وهو الزئير ، والفراس : الذي يدق عنق فريسته ، ويسمى كل قتل فرسا ، والهزبر : الضخم الزبرة ، وذكر الجوهري عوض حول غابته : عند خيسته وخيسة الأسد : أجمته ، ورقمة الوادي : حيث يجتمع الماء ، ويقال : الرقمة الروضة ، وأجر : جمع جرو وهو عرسها أيضا ، واستعاره بعضهم للظليم والنعامة ، فقال :


                                                          كبيضة الأدحي بين العرسين

                                                          وقد عرس وأعرس : اتخذها عرسا ودخل بها ، وكذلك عرس بها وأعرس ، والمعرس : الذي يغشي امرأته ، يقال : هي عرسه وطلته وقعيدته والزوجان لا يسميان عروسين إلا أيام البناء واتخاذ العرس ، والمرأة تسمى عرس الرجل في كل وقت ، ومن أمثال العرب : لا مخبأ لعطر بعد عروس ، قال المفضل : عروس هاهنا اسم رجل تزوج امرأة ، فلما أهديت له وجدها تفلة ، فقال : أين عطرك ؟ فقالت : خبأته ، فقال : لا مخبأ لعطر بعد عروس ، وقيل : إنها قالته بعد موته ، وفي الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب ، والعريسة والعريس : الشجر الملتف وهو مأوى الأسد في خيسه ، قال رؤبة :


                                                          أغياله والأجم العريسا

                                                          وصف به كأنه قال : والأجم الملتف أو أبدله ; لأنه اسم ، وفي المثل :

                                                          كمبتغي الصيد في عريسة الأسد وقال طرفة :


                                                          كليوث وسط عريس الأجم

                                                          فأما قول جرير :


                                                          مستحصد أجمي فيهم وعريسي

                                                          فإنه عنى منبت أصله في قومه ، والمعرس : الذي يسير نهاره ويعرس ، أي : ينزل أول الليل ، وقيل : التعريس النزول في آخر الليل ، وعرس المسافر : نزل في وجه السحر ، وقيل : التعريس النزول في المعهد ، أي حين كان من ليل أو نهار قال زهير :


                                                          وعرسوا ساعة في كثب أسنمة     ومنهم بالقسوميات معترك

                                                          ويروى :


                                                          ضحوا قليلا قفا كثبان أسنمة

                                                          وقال غيره : والتعريس نزول القوم في السفر من آخر الليل يقعون فيه وقعة للاستراحة ، ثم ينيخون وينامون نومة خفيفة ثم يثورون مع انفجار الصبح سائرين ، ومنه قول لبيد :


                                                          قلما عرس حتى هجته     بالتباشير من الصبح الأول

                                                          وأنشدت أعرابية من بني نمير :


                                                          قد طلعت حمراء فنطليس     ليس لركب بعدها تعريس

                                                          وفي الحديث : كان إذا عرس بليل توسد لبنة ، وإذا عرس عند الصبح نصب ساعده نصبا ووضع رأسه في كفه ، وأعرسوا : لغة فيه قليلة ، والموضع : معرس ومعرس ، والمعرس : موضع التعريس ، وبه سمي معرس ذي الحليفة ، عرس به وصلى فيه الصبح ثم رحل ، والعراس والمعرس والمعرس بائع الأعراس وهي الفصلان الصغار ، واحدها عرس وعرس ، قال : وقال أعرابي بكم البلهاء وأعراسها ؟ أي : أولادها ، والمعرس : السائق الحاذق بالسياق فإذا نشط القوم سار بهم فإذا كسلوا عرس بهم ، والمعرس : الكثير التزويج ، والعرس : الإقامة في الفرح ، والعراس بائع العرس وهي الحبال ، واحدها [ ص: 96 ] عريس ، والعرس : الحبل ، والعرس : عمود في وسط الفسطاط ، واعترسوا عنه : تفرقوا ، وقال الأزهري : هذا حرف منكر لا أدري ما هو ، والبيت المعرس : الذي عمل له عرس بالفتح ، والعرس : الحائط يجعل بين حائطي البيت لا يبلغ به أقصاه ، ثم يوضع الجائز من طرف ذلك الحائط الداخل إلى أقصى البيت ويسقف البيت كله فما كان بين الحائطين فهو سهوة ، وما كان تحت الجائز فهو المخدع ، والصاد فيه لغة وسيذكر ، وعرس البيت : عمل له عرسا ، وفي الصحاح : العرس بالفتح حائط يجعل بين حائطي البيت الشتوي لا يبلغ به أقصاه ثم يسقف ليكون البيت أدفأ ، وإنما يفعل ذلك في البلاد الباردة ، ويسمى بالفارسية بيجه ، قال : وذكر أبو عبيدة في تفسيره شيئا غير هذا لم يرتضه أبو الغوث ، وعرس البعير يعرسه ويعرسه عرسا : شد عنقه مع يديه جميعا وهو بارك ، والعراس : ما عرس به ، فإذا شد عنقه إلى إحدى يديه فهو العكس ، واسم ذلك الحبل العكاس ، واعترس الفحل الناقة : أبركها للضراب ، والإعراس : وضع الرحى على الأخرى ، قال ذو الرمة :


                                                          كأن على إعراسه وبنائه     وئيد جياد قرح ضبرت ضبرا

                                                          أراد على موضع إعراسه ، وابن عرس : دويبة معروفة دون السنور أشتر أصلم أصك له ناب ، والجمع بنات عرس ذكرا كان أو أنثى معرفة ونكرة ، تقول : هذا ابن عرس مقبلا ، وهذا ابن عرس آخر مقبل ، ويجوز في المعرفة الرفع ، ويجوز في النكرة النصب ، قاله المفضل والكسائي ، قال الجوهري : وابن عرس دويبة تسمى بالفارسية راسو ، ويجمع على بنات عرس ، وكذلك ابن آوى وابن مخاض وابن لبون وابن ماء تقول : بنات آوى وبنات مخاض وبنات لبون وبنات ماء ، وحكى الأخفش : بنات عرس وبنو عرس ، وبنات نعش وبنو نعش ، والعرسي : ضرب من الصبغ سمي به للونه كأنه يشبه لون ابن عرس الدابة ، والعروسي : ضرب من النخل ، حكاه أبو حنيفة ، والعريساء : موضع ، والمعرسانيات : أرض ، قال الأخطل :


                                                          وبالمعرسانيات حل وأرزمت     بروض القطا منه مطافيل حفل

                                                          وذات العرائس : موضع ، قال الأزهري : ورأيت بالدهناء جبالا من نقيان رمالها يقال لها العرائس ، ولم أسمع لها بواحد .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية