الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عرش ]

                                                          عرش : العرش : سرير الملك ، يدلك على ذلك سرير ملكة سبأ سماها عز وجل عرشا ، فقال عز من قائل : إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ، وقد يستعار لغيره ، وعرش الباري سبحانه ولا يحد ، والجمع أعراش وعروش وعرشة ، وفي حديث بدء الوحي : فرفعت رأسي فإذا هو قاعد على عرش في الهواء ، وفي رواية : بين السماء والأرض ، يعني جبريل على سرير ، والعرش : البيت ، وجمعه عروش ، وعرش البيت : سقفه ، والجمع كالجمع وفي الحديث : كنت أسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على عرشي ، وقيل : على عريش لي ، العريش والعرش : السقف ، وفي الحديث : أو كالقنديل المعلق بالعرش يعني بالسقف ، وفي التنزيل : الرحمن على العرش استوى ، وفيه : ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ، روي عن ابن عباس أنه قال : الكرسي موضع القدمين ، والعرش لا يقدر قدره ، وروي عنه أنه قال : العرش مجلس الرحمن ، وأما ما ورد في الحديث : اهتز العرش لموت سعد فإن العرش هاهنا الجنازة ، وهو سرير الميت واهتزازه فرحه بحمل سعد عليه إلى مدفنه ، وقيل : هو عرش الله تعالى ; لأنه قد جاء في رواية أخرى : اهتز عرش الرحمن لموت سعد ، وهو كناية عن ارتياحه بروحه حين صعد به لكرامته على ربه ، وقيل : هو على حذف مضاف تقديره : اهتز أهل العرش لقدومه على الله لما رأوا من منزلته وكرامته عنده ، وقوله عز وجل : فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها ، قال الزجاج : المعنى أنها خلت وخرت على أركانها ، وقيل : صارت على سقوفها كما قال عز من قائل : فجعلنا عاليها سافلها ، أراد أن حيطانها قائمة وقد تهدمت سقوفها فصارت في قرارها وانقعرت الحيطان من قواعدها فتساقطت على السقوف المتهدمة قبلها ، ومعنى الخاوية والمنقعرة واحد ، يدلك على ذلك قول الله عز وجل في قصة قوم عاد : كأنهم أعجاز نخل خاوية ، وقال في موضع آخر يذكر هلاكهم أيضا : كأنهم أعجاز نخل منقعر ، فمعنى الخاوية والمنقعر في الآيتين واحد وهي المنقلعة من أصولها حتى خوى منبتها ، ويقال : انقعرت الشجرة إذا انقلعت ، وانقعر النبت إذا انقلع من أصله فانهدم ، وهذه الصفة في خراب المنازل من أبلغ ما يوصف ، وقد ذكر الله تعالى في موضع آخر من كتابه ما دل على ما ذكرناه وهو قوله : فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم ، أي : قلع أبنيتهم من أساسها وهي القواعد فتساقطت سقوفها وعليها القواعد وحيطانها وهم فيها ، وإنما قيل : للمنقعر خاو ، أي : خال ، وقال بعضهم في قوله تعالى : وهي خاوية على عروشها ، أي : خاوية عن عروشها لتهدمها ، جعل على بمعنى عن ، كما قال الله عز وجل : الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ، أي : اكتالوا عنهم لأنفسهم ، وعروشها : سقوفها ، يعني قد سقط بعضه على بعض ، وأصل ذلك أن تسقط السقوف ثم تسقط الحيطان عليها ، خوت : صارت خاوية من الأساس ، والعرش أيضا : الخشبة ، والجمع أعراش وعروش ، وعرش العرش يعرشه ويعرشه عرشا : عمله ، وعرش الرجل : قوام أمره منه ، والعرش الملك ، وثل عرشه : هدم ما هو عليه من قوام أمره ، وقيل : وهى أمره وذهب عزه ، قال زهير :


                                                          تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها وذبيان إذ زلت بأحلامها النعل

                                                          والعرش : البيت والمنزل ، والجمع عرش ، عن كراع ، والعرش كواكب قدام السماك الأعزل ، قال الجوهري : والعرش أربعة كواكب صغار أسفل من العواء ، يقال إنها عجز الأسد ، قال ابن أحمر :

                                                          [ ص: 97 ]

                                                          باتت عليه ليلة عرشية     شربت وبات على نقا متهدم

                                                          .

                                                          وفي التهذيب : وعرش الثريا كواكب قريبة منها ، والعرش والعريش : ما يستظل به ، وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر : ألا نبني لك عريشا تتظلل به ؟ وقالت الخنساء :


                                                          كان أبو حسان عرشا خوى     مما بناه الدهر دان ظليل

                                                          .

                                                          أي : كان يظلنا ، وجمعه عروش وعرش ، قال ابن سيده : وعندي أن عروشا جمع عرش ، وعرشا جمع عريش وليس جمع عرش ; لأن باب فعل وفعل كرهن ورهن وسحل وسحل لا يتسع ، وفي الحديث : فجاءت حمرة جعلت تعرش ، التعريش : أن ترتفع وتظلل بجناحيها على من تحتها ، والعرش : الأصل يكون فيه أربع نخلات أو خمس ، حكاه أبو حنيفة عن أبي عمرو ، وإذا نبتت رواكيب أربع أو خمس على جذع النخلة فهو العريش ، وعرش البئر : طيها بالخشب ، وعرشت الركية أعرشها وأعرشها عرشا : طويتها من أسفلها قدر قامة بالحجارة ثم طويت سائرها بالخشب ، فهي معروشة ، وذلك الخشب هو العرش ، فأما الطي فبالحجارة خاصة ، وإذا كانت كلها بالحجارة فهي مطوية وليست بمعروشة ، والعرش : ما عرشتها به من الخشب ، والجمع عروش ، والعرش : البناء الذي يكون على فم البئر يقوم عليه الساقي ، والجمع كالجمع ، قال الشاعر :


                                                          أكل يوم عرشها مقيلي

                                                          .

                                                          وقال القطامي عمير بن شييم :


                                                          وما لمثابات العروش بقية     إذا استل من تحت العروش الدعائم
                                                          .     فلم أر ذا شر تماثل شره
                                                          على قومه إلا انتهى وهو نادم     ألم تر للبنيان تبلى بيوته
                                                          وتبقى من الشعر البيوت الصوارم ؟

                                                          .

                                                          يريد أبيات الهجاء ، والصوارم : القواطع ، والمثابة : أعلى البئر حيث يقوم المستقي ، قال ابن بري : والعرش على ما قاله الجوهري بناء يبنى من خشب على رأس البئر يكون ظلالا ، فإذا نزعت القوائم سقطت العروش ، ضربه مثلا ، وعرش الكرم : ما يدعم به من الخشب ، والجمع كالجمع ، وعرش الكرم يعرشه ويعرشه عرشا وعروشا ، وعرشه : عمل له عرشا ، وعرشه : إذا عطف العيدان التي ترسل عليها قضبان الكرم ، والواحد عرش والجمع عروش ، ويقال : عريش وجمعه عرش ، ويقال : اعترش العنب العريش اعتراشا : إذا علاه على العراش ، وقوله تعالى : جنات معروشات ، المعروشات : الكروم ، والعريش ما عرشته به ، والجمع عرش ، والعريش : شبه الهودج تقعد فيه المرأة على بعير وليس به ، قال رؤبة :


                                                          إما تري دهرا حناني حفضا     أطر الصناعين العريش القعضا

                                                          .

                                                          وبئر معروشة وكروم معروشات ، وعرش يعرش ويعرش عرشا ، أي : بنى بناء من خشب ، والعريش : خيمة من خشب وثمام ، والعروش والعرش : بيوت مكة ، واحدها عرش وعريش وهو منه ; لأنها كانت تكون عيدانا تنصب ويظلل عليها ، عن أبي عبيد . وفي حديث ابن عمر : أنه كان يقطع التلبية إذا نظر إلى عروش مكة يعني بيوت أهل الحاجة منهم ، وقال ابن الأثير : بيوت مكة ; لأنها كانت عيدانا تنصب ويظلل عليها ، وفي حديث سعد قيل له : إن معاوية ينهانا عن متعة الحج فقال : تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاوية كافر بالعرش ، أراد بيوت مكة ، يعني وهو مقيم بعرش مكة ، أي : بيوتها في حال كفره قبل إسلامه ، وقيل : أراد بقوله كافر ، الاختفاء والتغطي ، يعني أنه كان مختفيا في بيوت مكة ، فمن قال : عرش ، فواحدها عريش مثل قليب وقلب ، ومن قال : عروش فواحدها عرش مثل فلس وفلوس ، والعريش والعرش : مكة نفسها ، كذلك ، قال الأزهري : وقد رأيت العرب تسمي المظال التي تسوى من جريد النخل ويطرح فوقها الثمام عرشا والواحد منها عريش ، ثم يجمع عرشا ثم عروشا جمع الجمع ، وفي حديث سهل بن أبي خيثمة : إني وجدت ستين عريشا فألقيت لهم من خرصها كذا وكذا ، أراد بالعريش أهل البيت ; لأنهم كانوا يأتون النخيل فيبتنون فيه من سعفه مثل الكوخ فيقيمون فيه يأكلون مدة حمله الرطب إلى أن يصرم ، ويقال للحظيرة التي تسوى للماشية تكنها من البرد : عريش ، والإعراش : أن تمنع الغنم أن ترتع وقد أعرشتها : إذا منعتها أن ترتع ، وأنشد :


                                                          يمحى به المحل وإعراش الرمم

                                                          .

                                                          ويقال : اعروشت الدابة واعنوشته وتعروشته : إذا ركبته ، وناقة عرش : ضخمة كأنها معروشة الزور ، قالعبدة بن الطبيب :


                                                          عرش تشير بقنوان إذا زجرت     من خصبة بقيت منها شماليل

                                                          .

                                                          وبعير معروش الجنبين : عظيمهما كما تعرش البئر إذا طويت ، وعرش القدم وعرشها : ما بين عيرها وأصابعها من ظاهر ، وقيل : هو ما نتأ في ظهرها وفيه الأصابع ، والجمع أعراش وعرشة ، وقال ابن الأعرابي : ظهر القدم : العرش وباطنه : الأخمص ، والعرشان من الفرس : آخر شعر العرف ، وعرشا العنق : لحمتان مستطيلتان بينهما الفقار ، وقيل : هما موضعا المحجمتين ، قال العجاج :


                                                          يمتد عرشا عنقه للقمته

                                                          .

                                                          ويروى : وامتد عرشا ، وللعنق عرشان بينهما القفا ، وفيهما الأخدعان وهما لحمتان مستطيلتان عدا العنق ، قال ذو الرمة :


                                                          وعبد يغوث يحجل الطير حوله     قد احتز عرشيه الحسام المذكر
                                                          لنا الهامة الأولى التي كل هامة     وإن عظمت ، منها أذل وأصغر

                                                          .

                                                          وواحدهما عرش ، يعني عبد يغوث بن وقاص المحاربي ، وكان رئيس مذحج يوم الكلاب ، ولم يقتل ذلك اليوم ، وإنما أسر وقتل بعد [ ص: 98 ] ذلك ، وروي : قد اهتذ عرشيه ، أي : قطع ، قال ابن بري : في هذا البيت شاهدان : أحدهما تقديم ( من ) على أفعل ، والثاني : جواز قولهم زيد أذل من عمرو ، وليس في عمرو ذل ، على حد قول حسان :


                                                          فشركما لخيركما الفداء

                                                          .

                                                          وفي حديث مقتل أبي جهل قال لابن مسعود : سيفك كهام فخذ سيفي فاحتز به رأسي من عرشي ، قال : العرش عرق في أصل العنق ، وعرشا الفرس : منبت العرف فوق العلباوين ، وعرش الحمار بعانته تعريشا : حمل عليها فاتحا فمه رافعا صوته ، وقيل : إذا شحا فاه بعد الكرف ، قال رؤبة :


                                                          كأن حيث عرش القبائلا     من الصبيين وحنوا ناصلا

                                                          .

                                                          والأذنان تسميان : عرشين ؛ لمجاورتهما العرشين ، يقال : أراد فلان أن يقر لي بحقي فنفث فلان في عرشيه ، وإذا ساره في أذنيه فقد دنا من عرشيه ، وعرش بالمكان يعرش عروشا وتعرش : ثبت ، وعرش بغريمه عرشا : لزمه ، والمتعروش : المستظل بالشجرة ، وعرش عني الأمر ، أي : أبطأ ، قال الشماخ :


                                                          ولما رأيت الأمر عرش هوية     تسليت حاجات الفؤاد بشمرا

                                                          .

                                                          الهوية : موضع يهوي من عليه ، أي : يسقط ، يصف فوت الأمر وصعوبته بقوله عرش هوية ، ويقال للكلب إذا خرق فلم يدن للصيد : عرش وعرس ، وعرشان : اسم ، والعريشان : اسم ، قال القتال الكلابي :


                                                          عفا النجب بعدي فالعريشان فالبتر



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية