الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب صلح الحديبية في الحديبية

                                                                                                                1783 حدثني عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي إسحق قال سمعت البراء بن عازب يقول كتب علي بن أبي طالب الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين يوم الحديبية فكتب هذا ما كاتب عليه محمد رسول الله فقالوا لا تكتب رسول الله فلو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي امحه فقال ما أنا بالذي أمحاه فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده قال وكان فيما اشترطوا أن يدخلوا مكة فيقيموا بها ثلاثا ولا يدخلها بسلاح إلا جلبان السلاح قلت لأبي إسحق وما جلبان السلاح قال القراب وما فيه حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحق قال سمعت البراء بن عازب يقول لما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية كتب علي كتابا بينهم قال فكتب محمد رسول الله ثم ذكر بنحو حديث معاذ غير أنه لم يذكر في الحديث هذا ما كاتب عليه

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                باب صلح الحديبية

                                                                                                                في الحديبية والجعرانة لغتان : التخفيف وهو الأفصح ، والتشديد ، وسبق بيانهما في كتاب الحج .

                                                                                                                [ ص: 471 ] قوله : ( هذا ما كاتب عليه محمد رسول الله ) وفي الرواية الأخرى : ( هذا ما قاضى عليه محمد ) قال العلماء : معنى قاضى هنا فاصل وأمضى أمره عليه ، ومنه قضى القاضي ، أي : فصل الحكم وأمضاه ، ولهذا سميت تلك السنة عام المقاضاة ، وعمرة القضية ، وعمرة القضاء ، كله من هذا ، وغلطوا من قال : إنها سميت عمرة القضاء لقضاء العمرة التي صد عنها ; لأنه لا يجب قضاء المصدود عنها إذا تحلل بالإحصار كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذلك العام .

                                                                                                                وفي هذا الحديث دليل على أنه يجوز أن يكتب في أول الوثائق وكتب الإملاك والصداق والعتق والوقف والوصية ونحوها ( هذا ما اشترى فلان ، أو هذا ما أصدق ، أو وقف ، أو أعتق ، ونحوه ) وهذا هو الصواب الذي عليه الجمهور من العلماء وعليه عمل المسلمين في جميع الأزمان وجميع البلدان من غير إنكار ، قال القاضي عياض - رضي الله عنه - : وفيه دليل على أنه يكتفى في ذلك بالاسم المشهور من غير زيادة خلافا لمن قال لا بد من أربعة : المذكور وأبيه وجده ونسبه .

                                                                                                                وفيه أن للإمام أن يعقد الصلح على ما رآه مصلحة للمسلمين ، وإن كان لا يظهر ذلك لبعض الناس في بادئ الرأي .

                                                                                                                وفيه احتمال المفسدة اليسيرة لدفع أعظم منها أو لتحصيل مصلحة أعظم منها إذا لم يمكن ذلك إلا بذلك .

                                                                                                                قوله : ( فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : امحه ، فقال : ما أنا بالذي أمحاه ) هكذا هو في جميع النسخ ( بالذي أمحاه ) وهي لغة في ( أمحوه ) وهذا الذي فعله علي - رضي الله عنه - من باب الأدب المستحب ; لأنه لم يفهم من النبي صلى الله عليه وسلم تحتيم محو علي بنفسه ، ولهذا لم ينكر ، ولو حتم محوه بنفسه لم يجز لعلي تركه ، ولما أقره النبي صلى الله عليه وسلم على المخالفة .

                                                                                                                قوله : ( ولا يدخلها بسلاح إلا جلبان السلاح ) قال أبو إسحاق السبيعي : ( جلبان السلاح ) هو القراب وما فيه ، و ( الجلبان ) بضم الجيم ، قال القاضي في المشارق : ضبطناه ( جلبان ) بضم الجيم واللام وتشديد الباء الموحدة ، قال : وكذا رواه الأكثرون ، وصوبه ابن قتيبة وغيره ، ورواه بعضهم بإسكان اللام ، وكذا ذكره الهروي ، وصوبه هو وثابت ، ولم يذكر ثابت سواه ، وهو ألطف من الجراب يكون من الأدم ، يوضع فيه السيف مغمدا ، ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته ، ويعلقه في الرحل ، قال العلماء : وإنما شرطوا هذا لوجهين ، أحدهما : ألا يظهر منه دخول الغالبين القاهرين . والثاني : أنه إن عرض فتنة أو نحوها يكون في الاستعداد بالسلاح صعوبة .

                                                                                                                قوله : ( اشترطوا أن يدخلوا مكة فيقيموا بها ثلاثا ) قال العلماء : سبب هذا التقدير أن المهاجر من مكة لا يجوز له أن يقيم بها أكثر من ثلاثة أيام ، وهذا أصل في أن الثلاثة ليس لها [ ص: 472 ] حكم الإقامة ، وأما ما فوقها فله حكم الإقامة ، وقد رتب الفقهاء على هذا قصر الصلاة فيمن نوى إقامة في بلد في طريقه ، وقاسوا على هذا الأصل مسائل كثيرة .




                                                                                                                الخدمات العلمية