الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عزل ]

                                                          عزل : عزل الشيء يعزله عزلا ، وعزله فاعتزل وانعزل وتعزل : نحاه جانبا فتنحى . وقوله تعالى : إنهم عن السمع لمعزولون معناه أنهم لما رموا بالنجوم منعوا من السمع . واعتزل الشيء وتعزله - ويتعديان بعن - : تنحى عنه . وقوله تعالى : وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون أراد : إن لم تؤمنوا بي فلا تكونوا علي ولا معي ، وقول الأخوص :


                                                          يا بيت عاتكة الذي أتعزل حذر العدى وبه الفؤاد موكل

                                                          يكون على الوجهين . وتعازل القوم : انعزل بعضهم عن بعض . والعزلة : الانعزال نفسه ، يقال : العزلة عبادة . وكنت بمعزل عن كذا وكذا ، أي كنت بموضع عزلة منه . واعتزلت القوم ، أي فارقتهم وتنحيت عنهم ، قال تأبط شرا :


                                                          ولست بجلب جلب ريح وقرة     ولا بصفا صلد عن الخير معزل

                                                          وقوم من القدرية يلقبون المعتزلة ; زعموا أنهم اعتزلوا فئتي الضلالة عندهم - يعنون أهل السنة والجماعة والخوارج الذين يستعرضون الناس قتلا . ومر قتادة بعمرو بن عبيد بن باب ، فقال : ما هذه المعتزلة ؟ فسموا المعتزلة ، وفي عمرو بن عبيد هذا يقول القائل :


                                                          برئت من الخوارج لست منهم     من العزال منهم وابن باب

                                                          وعزل عن المرأة واعتزلها : لم يرد ولدها . وفي الحديث : سأله رجل من الأنصار عن العزل يعني عزل الماء عن النساء حذر الحمل . قال الأزهري : العزل عزل الرجل الماء عن جاريته إذا جامعها ; لئلا تحمل . [ ص: 138 ] وفي حديث أبي سعيد الخدري أنه قال : بينا أنا جالس عند سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله ، إنا نصيب سبيا فنحب الأثمان ، فكيف ترى في العزل ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا عليكم أن لا تفعلوا ذلك ، فإنها ما من نسمة كتب الله أن تخرج إلا وهي خارجة وفي حديث آخر : ما عليكم أن لا تفعلوا قال : من رواه " لا عليكم أن لا تفعلوا " فمعناه عند النحويين : لا بأس عليكم أن لا تفعلوا ، حذف منه بأس لمعرفة المخاطب به ، ومن رواه ما عليكم أن لا تفعلوا فمعناه أي شيء عليكم أن لا تفعلوا ، كأنه كره لهم العزل ولم يحرمه ، قال : وفي قوله : نصيب سبيا فنحب الأثمان فكيف ترى في العزل - كالدلالة على أن أم الولد لا تباع . وفي الحديث : أنه كان يكره عشر خلال ، منها عزل الماء لغير محله ، أي يعزله عن إقراره في فرج المرأة وهو محله ، وفي قوله لغير محله تعريض بإتيان الدبر . ويقال : اعزل عنك ما يشينك ، أي نحه عنك . والمعزال : الذي ينزل ناحية من السفر ينزل وحده ، وهو ذم عند العرب بهذا المعنى . والمعزال : الراعي المنفرد ، قال الأعشى :


                                                          تخرج الشيخ عن بنيه وتلوي     بلبون المعزابة المعزال

                                                          وهذا المعنى ليس بذم عندهم ; لأن هذا من فعل الشجعان وذوي البأس والنجدة من الرجال ، ويكون المعزال الذي يستبد برأيه في رعي أنف الكلإ ، ويتتبع مساقط الغيث ويعزب فيها ، فيقال له : معزابة ومعزال ، وأنشد الأصمعي :


                                                          إذا الهدف المعزال صوب رأسه     وأعجبه ضفو من الثلة الخطل

                                                          ويروى " المعزاب " وهو الذي قد عزب بإبله . والهدف : الثقيل الوخم ، والضفو : كثرة المال واتساعه ، والجمع : المعازيل ، قال عبدة بن الطبيب :


                                                          إذ أشرف الديك يدعو بعض أسرته     إلى الصباح وهم قوم معازيل

                                                          قال ابن بري : المعازيل هنا الذين لا سلاح معهم ، وأراد بقوله وهم قوم الدجاج . والأعزل : الرمل المنفرد المنقطع المنعزل . والعزل في ذنب الدابة : أن يعزل ذنبه في أحد الجانبين ، وذلك عادة لا خلقة وهو عيب . ودابة أعزل : مائل الذنب عن الدبر عادة لا خلقة ، وقيل : هو الذي يعزل ذنبه في شق ، وقد عزل عزلا ، وكله من التنحي والتنحية ، ومنه قول امرئ القيس :


                                                          بضاف فويق الأرض ليس بأعزل

                                                          وقال النضر : الكشف أن ترى ذنبه زائلا عن دبره ، وهو العزل . ويقال لسائق الحمار : اقرع عزل حمارك ، أي مؤخره . والعزلة : الحرقفة . والأعزل : الناقص إحدى الحرقفتين ، وأنشد :


                                                          قد أعجلت ساقتها قرع العزل

                                                          والعزل والأعزل : الذي لا سلاح معه فهو يعتزل الحرب ، حكى الأول الهروي في الغريبين ، وربما خص به الذي لا رمح معه ، وأنشد أبو عبيد :


                                                          وأرى المدينة حين كنت أميرها     أمن البريء بها ونام الأعزل

                                                          وجمعهما أعزال وعزل وعزلان وعزل ، قال أبو كبير الهذلي :


                                                          سجراء نفسي غير جمع أشابة     حشدا ولا هلك المفارش عزل

                                                          وقال الأعشى :


                                                          غير ميل ولا عواوير في الهي     جا ولا عزل ولا أكفال

                                                          قال أبو منصور : الأعزال جمع العزل على فعل ، كما يقال : جنب وأجناب ، ومياه أسدام ، جمع سدم . وفي حديث سلمة : رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية عزلا أي ليس معي سلاح . وفي الحديث : من رأى مقتل حمزة ؟ فقال رجل أعزل : أنا رأيته ومنه حديث الحسن : إذا كان الرجل أعزل فلا بأس أن يأخذ من سلاح الغنيمة . وفي حديث خيفان : مساعير غير عزل ، بالتسكين ، وفي قصيد كعب :


                                                          زالوا فما زال أنكاس ولا كشف     عند اللقاء ولا ميل معازيل

                                                          أي ليس معهم سلاح ، واحدهم معزال ، ويقال في جمعه أيضا : معازيل - عن ابن جني .

                                                          والاسم من ذلك كله : العزل . والمعازيل أيضا : القوم الذين لا رماح معهم ، قال الكميت :


                                                          ولكنكم حي معازيل حشوة     ولا يمنع الجيران باللوم والعذل

                                                          وأما قول أبي خراش الهذلي :


                                                          فهل هو إلا ثوبه وسلاحه     فما بكم عري إليه ولا عزل

                                                          فإنما أراد : ولا أنتم عزل ، فخفف ، وإن كان سيبويه قد نفاه ، وقد جاءت له نظائر ، وروي : " ولا عزل " أراد ولا أنتم عزل ، وقد يكون العزل لغة في العزل ، كالشغل والشغل والبخل والبخل . والسماك الأعزل : كوكب على المجرة ، سمي بذلك لعزله مما تشكل به السماك الرامح من شكل الرمح ، قال الأزهري : وفي نجوم السماء سماكان : أحدهما السماك الأعزل ، والآخر السماك الرامح ، فأما الأعزل فهو من منازل القمر به ينزل وهو شآم ، وسمي أعزل لأنه لا شيء بين يديه من الكواكب كالأعزل الذي لا سلاح معه كما كان مع الرامح ، ويقال : سمي أعزل لأنه إذا طلع لا يكون في أيامه ريح ولا برد ، وقال أوس بن حجر :


                                                          كأن قرون الشمس عند ارتفاعها     وقد صادفت قرنا من النجم أعزلا
                                                          تردد فيه ضوءها وشعاعها     فأحصن وأزين لامرئ إن تسربلا

                                                          أراد : إن تسربل بها ، يصف الدرع أنك إذا نظرت إليها وجدتها صافية براقة كأن شعاع الشمس وقع عليها في أيام طلوع الأعزل والهواء صاف ، وقوله : تردد فيه ، يعني في الدرع ، فذكره للفظ ، والغالب [ ص: 139 ] عليها التأنيث ، وقال الطرماح :


                                                          محاهن صيب نوء الربيع     من الأنجم العزل والرامحه

                                                          وقوله :

                                                          رأيت الفتية الأعزال مثل الأينق الرعل إنما الأعزال فيه جمع الأعزل ، هكذا رواه علي بن حمزة ، بالعين والزاي ، والمعروف الأرعال . والعزال : الضعف . ابن الأعرابي : الأعزل من اللحم يكون نصيب الرجل الغائب ، والجمع : عزل . والعزل : ما يورده بيت المال تقدمة غير موزون ولا منتقد إلى محل النجم . والعزلاء : مصب الماء من الراوية والقربة في أسفلها حيث يستفرغ ما فيها من الماء ، سميت عزلاء لأنها في أحد خصمي المزادة لا في وسطها ولا هي كفمها الذي منه يستقى فيها ، والجمع العزالي ، بكسر اللام . وفي الحديث : وأرسلت السماء عزاليها كثر مطرها على المثل ، وإن شئت فتحت اللام مثل الصحاري والصحارى والعذاري والعذارى ، يقال للسحابة إذا انهمرت بالمطر الجود : قد حلت عزاليها وأرسلت عزاليها ، قال الكميت :


                                                          مرته الجنوب فلما اكفهر     حلت عزاليه الشمأل

                                                          وفي حديث الاستسقاء :

                                                          دفاق العزائل جم البعاق

                                                          العزائل : أصله العزالي ، مثل الشائك والشاكي ، والعزالي جمع العزلاء ، وهو فم المزادة الأسفل ، فشبه اتساع المطر واندفاقه بالذي يخرج من فم المزادة . وفي حديث عائشة : كنا ننبذ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سقاء له عزلاء . والأعزل : سحاب لا مطر فيه . والعزل وعزيلة : موضعان . والأعزلة : موضع . والأعازل : مواضع في بني يربوع ، قال جرير :


                                                          تروي الأجارع والأعازل كلها     والنعف حيث تقابل الأحجار

                                                          والأعزلان : واديان لبني كليب وبني العدوية ، يقال لأحدهما الريان وللآخر الظمآن . وعزله عن العمل أي نحاه فعزل . وعزيل : اسم . وعزله أي أفرزه . والمعزال : الضعيف الأحمق . والمعزال : الذي يعتزل أهل الميسر لؤما ، وعازلة : اسم ضيعة كانت لأبي نخيلة الحماني ، وهو القائل فيها :


                                                          عازلة عن كل خير تعزل     يابسة بطحاؤها تفلفل
                                                          للجن بين قارتيها أفكل     أقبل بالخير عليها مقبل

                                                          ، مقبل : اسم جبل أعلى عازلة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية