الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين

                                                                                                                1794 وحدثنا عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان الجعفي حدثنا عبد الرحيم يعني ابن سليمان عن زكرياء عن أبي إسحق عن عمرو بن ميمون الأودي عن ابن مسعود قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد فانبعث أشقى القوم فأخذه فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه قال فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة فجاءت وهي جويرية فطرحته عنه ثم أقبلت عليهم تشتمهم فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا دعا ثلاثا وإذا سأل سأل ثلاثا ثم قال اللهم عليك بقريش ثلاث مرات فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وذكر السابع ولم أحفظه فوالذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر قال أبو إسحق الوليد بن عقبة غلط في هذا الحديث [ ص: 483 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 483 ] قوله : ( أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان إلى آخره ) ( السلا ) بفتح السين المهملة وتخفيف اللام مقصور ، وهو : اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة وسائر الحيوان ، وهي من الآدمية المشيمة .

                                                                                                                قوله : ( فانبعث أشقى القوم ) هو : عقبة بن أبي معيط ، كما صرح به في الرواية الثانية ، وفي هذا الحديث إشكال ، فإنه يقال : كيف استمر في الصلاة مع وجود النجاسة على ظهره ؟ وأجاب القاضي عياض بأن هذا ليس بنجس . قال : لأن الفرث ورطوبة البدن طاهران ، والسلا من ذلك ، وإنما النجس الدم ، وهذا الجواب يجيء على مذهب مالك ومن وافقه أن روث ما يؤكل لحمه طاهر ، ومذهبنا ومذهب أبي حنيفة وآخرين نجاسته ، وهذا الجواب الذي ذكره القاضي ضعيف أو باطل ; لأن هذا السلا يتضمن النجاسة من حيث إنه لا ينفك من الدم في العادة ، ولأنه ذبيحة عباد الأوثان فهو نجس ، وكذلك اللحم ، وجميع أجزاء هذا الجزور .

                                                                                                                وأما الجواب المرضي : أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم ما وضع على ظهره ، فاستمر في سجوده استصحابا للطهارة ، وما ندري هل كانت هذه الصلاة فريضة فتجب إعادتها على الصحيح عندنا أم غيرها فلا تجب ؟ فإن وجبت الإعادة فالوقت موسع لها فإن قيل يبعد ألا يحس بما وقع على ظهره ، قلنا : وإن أحس به فما يتحقق أنه نجاسة . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( لو كانت لي منعة طرحته ) هي بفتح النون ، وحكي إسكانها ، وهو شاذ ضعيف ، ومعناه : لو كان لي قوة تمنع أذاهم ، أو كان لي عشيرة بمكة تمنعني ، وعلى هذا ( منعة ) جمع ( مانع ) ككاتب وكتبة .

                                                                                                                قوله : ( وكان إذا دعا دعا ثلاثا وإذا سأل سأل ثلاثا ) فيه استحباب تكرير الدعاء ثلاثا . وقوله : ( وإذا سأل ) هو الدعاء ، لكن عطفه لاختلاف اللفظ توكيدا .

                                                                                                                قوله : ( ثم قال : اللهم عليك بأبي جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، [ ص: 484 ] والوليد بن عقبة ) هكذا هو في جميع نسخ مسلم ( والوليد بن عقبة ) بالقاف ، واتفق العلماء على أنه غلط ، وصوابه ( والوليد بن عتبة ) بالتاء كما ذكره مسلم في رواية أبي بكر بن أبي شيبة بعد هذا ، وقد ذكره البخاري في صحيحه وغيره من أئمة الحديث على الصواب ، وقد نبه عليه إبراهيم بن سفيان في آخر الحديث فقال : الوليد بن عقبة في هذا الحديث غلط ، قال العلماء : والوليد بن عقبة بالقاف هو ابن أبي معيط ، ولم يكن ذلك الوقت موجودا أو كان طفلا صغيرا جدا ، فقد أتي به النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وهو قد ناهز الاحتلام ليمسح على رأسه .

                                                                                                                قوله : ( وذكر السابع ولم أحفظه ) وقد وقع في رواية البخاري تسمية السابع أنه عمارة بن الوليد .

                                                                                                                قوله : ( والذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر ) هذه إحدى دعواته صلى الله عليه وسلم المجابة ، ( والقليب ) : هي البئر التي لم تطو ، وإنما وضعوا في القليب تحقيرا لهم ، ولئلا يتأذى الناس برائحتهم ، وليس هو دفنا لأن الحربي لا يجب دفنه ، قال أصحابنا : بل يترك في الصحراء إلا أن يتأذى به ، قال القاضي عياض : اعترض بعضهم على هذا الحديث في قوله : رأيتهم صرعى ببدر ، ومعلوم أن أهل السير قالوا : إن عمارة بن الوليد وهو أحد السبعة ، كان عند النجاشي ، فاتهمه في حرمه ، وكان جميلا ، فنفخ في إحليله سحرا فهام مع الوحوش في بعض جزائر الحبشة فهلك ، قال القاضي : وجوابه أن المراد أنه رأى أكثرهم بدليل أن عقبة بن أبي معيط منهم ولم يقتل ببدر ، بل حمل منها أسيرا ، وإنما قتله النبي صلى الله عليه وسلم صبرا بعد انصرافه من بدر بعرق الظبية ، قلت : [ ص: 485 ] الظبية : ظاء معجمة مضمومة ثم باء موحدة ساكنة ثم ياء مثناة تحت ثم هاء ، هكذا ضبطه الحازمي في كتابه المؤتلف في الأماكن ، قال الواقدي : هو من الروحاء على ثلاثة أميال مما يلي المدينة .




                                                                                                                الخدمات العلمية