الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6273 ) مسألة قال : ( وإن نفى الحمل في التعانه ، لم ينتف عنه حتى ينفيه عند وضعها له ويلاعن ) اختلف أصحابنا فيما إذا لاعن امرأته وهي حامل ، ونفى حملها في لعانه ، فقال الخرقي وجماعة : لا ينتفي [ ص: 61 ] الحمل بنفيه قبل الوضع ، ولا ينتفي حتى يلاعنها بعد الوضع ، وينتفي الولد فيه . وهذا قول أبي حنيفة ، وجماعة من أهل الكوفة ; لأن الحمل غير مستيقن يجوز أن يكون ريحا ، أو غيرها ، فيصير نفيه مشروطا بوجوده ، ولا يجوز تعليق اللعان بشرط . وقال مالك ، والشافعي ، وجماعة من أهل الحجاز : يصح نفي الحمل ، وينتفي عنه ، محتجين بحديث هلال ، وأنه نفى حملها فنفاه عنه النبي صلى الله عليه وسلم وألحقه بالأول .

                                                                                                                                            ولا خفاء بأنه كان حملا ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : { انظروها ، فإن جاءت به كذا وكذا } . قال ابن عبد البر : الآثار الدالة على صحة هذا القول كثيرة . وأوردها . ولأن الحمل مظنون بأمارات تدل عليه ، ولهذا ثبتت للحامل أحكام تخالف بها الحائل : من النفقة ، والفطر في الصيام ، وترك إقامة الحد عليها ، وتأخير القصاص عنها ، وغير ذلك مما يطول ذكره . ويصح استلحاق الحمل ، فكان كالولد بعد وضعه . وهذا القول هو الصحيح ; لموافقته ظواهر الأحاديث وما خالف الحديث لا يعبأ به كائنا ما كان . وقال أبو بكر : ينتفي الولد بزوال الفراش ، ولا يحتاج إلى ذكره في اللعان احتجاجا بظاهر الأحاديث ، حيث لم ينقل فيها نفي الحمل ، ولا التعرض لنفيه . وقد ذكرنا ذلك ، فأما من قال : إن الولد لا ينتفي إلا بنفيه بعد الوضع ، فإنه يحتاج في نفيه إلى إعادة اللعان بعد الوضع .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة ومن وافقه : إن لاعنها حاملا ، ثم أتت بالولد لزمه ، ولم يتمكن من نفيه ; لأن اللعان لا يكون إلا بين الزوجين ، وهذه قد بانت بلعانها في حال حملها . وهذا فيه إلزامه ولدا ليس منه ، وسد باب الانتفاء من أولاد الزنا - والله تعالى قد جعل له إلى ذلك طريقا ، فلا يجوز سده وإنما تعتبر الزوجية في الحال التي أضاف الزنا إليها فيه ; لأن الولد الذي تأتي به يلحقه إذا لم ينفه ، فيحتاج إلى نفيه ، وهذه كانت زوجة في تلك الحال ، فملك نفي ولدها . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية