الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6277 ) مسألة قال : ( ولو جاءت امرأته بولد ، فقال : لم تزن ، ولكن ليس هذا الولد مني . فهو ولده في الحكم ، ولا حد عليه لها ) وجملة ذلك أن المرأة إذا ولدت . فقال زوجها : ليس هذا الولد مني . أو قال ليس هذا ولدي . فلا حد عليه ; لأن هذا ليس بقذف بظاهره ، لاحتمال أنه يريد أنه من زوج آخر ، أو من وطء بشبهة ، أو غير ذلك ، ولكنه يسأل ، فإن قال : زنت ، فولدت هذا من الزنا . فهذا قذف يثبت به اللعان ، وإن قال : أردت أنه لا يشبهني خلقا ولا خلقا . فقالت : بل أردت قذفي . فالقول قوله ; لأنه أعلم بمراده ، لا سيما إذا صرح بقوله : لم تزن .

                                                                                                                                            وإن قال : وطئت بشبهة ، والولد من الواطئ . فلا حد عليه أيضا ; لأنه لم يقذفها ، ولا قذف واطئها . وإن قال : أكرهت على الزنا . فلا حد أيضا ، لأنه لم يقذفها ، ولا لعان في هذه المواضع ; لأنه لم يقذفها ، ومن شرط اللعان القذف ، ويلحقه نسب الولد . وبهذا قال أبو حنيفة . وذكر القاضي أن في هذه الصورة الآخرة رواية أخرى ، أن له اللعان ; لأنه محتاج إلى نفي الولد ، بخلاف ما إذا قال : وطئت بشبهة . فإنه يمكن نفي النسب بعرض الولد على القافة ، فيستغنى بذلك عن اللعان . فلا يشرع ، كما لا يشرع لعان أمته ، لما أمكن نفي نسب ولدها بدعوى الاستبراء . وهذا مذهب الشافعي .

                                                                                                                                            ولنا أن اللعان إنما ورد به الشرع بعد القذف ، في قوله تعالى { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } الآية . ولما لاعن النبي صلى الله عليه وسلم بين هلال وامرأته كان بعد قذفه إياها ، وكذلك لما لاعن بين عويمر العجلاني وامرأته كان بعد قذفه إياها ، ولا يثبت الحكم إلا في مثله ، ولأن نفي اللعان إنما ينتفي به الولد بتمامه منهما ، ولا يتحقق اللعان من المرأة هاهنا . فأما إن قال : وطئك فلان بشبهة ، وأنت تعلمين الحال . فقد قذفها ، وله لعانها ، ونفي نسب ولدها ، وقال القاضي : ليس له نفيه باللعان .

                                                                                                                                            وكذلك قال أصحاب الشافعي لأنه يمكنه نفي نسبه بعرضه على القافة ، فأشبه ما لو قال : واشتبه عليك أيضا . ولنا أنه رام لزوجته ، فيدخل في عموم قوله تعالى { والذين يرمون أزواجهم } ولأنه رام لزوجته بالزنا ، فملك لعانها ونفى ولدها ، كما لو قال : زنى بك فلان . وما ذكروه لا يصح ; فإنه قد لا يوجد قافة ، وقد لا يعترف الرجل بما نسب إليه ، أو يغيب أو يموت ، فلا ينتفي الولد . وإن قال : ما ولدته وإنما التقطته أو استعرته فقالت : بل [ ص: 64 ] هو ولدي منك . لم يقبل قول المرأة إلا ببينة . وهذا قول الشافعي ، وأبي ثور وأصحاب الرأي ; لأن الولادة يمكن إقامة البينة عليها ، والأصل عدمها ، فلم تقبل دعواها من غير بينة ، كالدين .

                                                                                                                                            قال القاضي : وكذلك لا تقبل دعواها للولادة ، فيما إذا علق طلاقها بها ، ولا دعوى الأمة لها لتصير بها أم ولد ، ويقبل قولها فيها لتقضي عدتها بها . فعلى هذا لا يلحقه الولد إلا أن تقيم بينة ، وهي امرأة مرضية ، تشهد بولادتها له فإذا ثبتت ولادتها له ، لحقه نسبه ; لأنه ولد على فراشه ، والولد للفراش . وذكر القاضي ، في موضع آخر ، أن القول قول المرأة ; لقول الله تعالى { : ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } . وتحريم كتمانه دليل على قبول قولها فيه ، ولأنه خارج من المرأة ، تنقضي به عدتها ، فقبل قولها فيه ، كالحيض ، ولأنه حكم يتعلق بالولادة ، فقبل قولها فيه ، كالحيض .

                                                                                                                                            فعلى هذا ، النسب لاحق به ، وهل نفيه باللعان ؟ فيه وجهان أحدهما ، ليس له نفيه ; لأن إنكاره لولادتها إياه ، إقرار بأنها لم تلده من زنا ، فلا يقبل إنكاره لذلك ، لأنه تكذيب لنفسه . والثاني ، له نفيه ; لأنه رام لزوجته ، وناف لولدها ، فكان له نفيه باللعان ، كغيره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية