الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عسل ]

                                                          عسل : قال الله عز وجل : وأنهار من عسل مصفى العسل في الدنيا هو لعاب النحل ، وقد جعله الله تعالى بلطفه شفاء للناس ، والعرب تذكر العسل وتؤنثه ، وتذكيره لغة معروفة والتأنيث أكثر ، قال الشماخ :


                                                          كأن عيون الناظرين يشوقها بها عسل طابت يدا من يشورها

                                                          ، بها أي بهذه المرأة ، كأنه قال : يشوقها بشوقها إياها عسل ، الواحدة عسلة ، جاءوا بالهاء لإرادة الطائفة كقولهم : لحمة ولبنة ، وحكى أبو حنيفة في جمعه : أعسال ، وعسل ، وعسل ، وعسول ، وعسلان ، وذلك إذا أردت أنواعه ، وأنشد أبو حنيفة :


                                                          بيضاء من عسل ذروة ضرب     شيبت بماء القلات من عرم

                                                          ، القلات : جمع قلت ، والعرم : جمع عرمة ، وهي الصخور ترصف [ ص: 151 ] ويقطع بها الوادي عرضا لتكون ردا للسيل ، وقد عسلت النحل تعسيلا ، والعسالة : الشورة التي تتخذ فيها النحل العسل من راقود وغيره فتعسل فيه . والعسالة والعاسل : الذي يشتار العسل من موضعه ويأخذه من الخلية ، قال لبيد :


                                                          بأشهب من أبكار مزن سحابة     وأري دبور شاره النحل عاسل

                                                          ، أراد شاره من النحل ، فعدى بحذف الوسيط ، ك واختار موسى قومه سبعين رجلا ومكان عاسل : فيه عسل ، وقول أبي ذؤيب :


                                                          تنمى بها اليعسوب حتى أقرها     إلى مألف رحب المباءة عاسل

                                                          إنما هو على النسب ، أي ذي عسل ، والعرب تسمي صمغ العرفط عسلا ; لحلاوته ، وتقول للحديث الحلو : معسول . واستعار أبو حنيفة العسل لدبس الرطب ، فقال : الصقر عسل الرطب ، وهو ما سال من سلافته ، وهو حلو بمرة ، وعسل النحل هو المنفرد بالاسم دون ما سواه من الحلو المسمى به على التشبيه . وعسل الشيء يعسله ويعسله عسلا وعسله : خلطه بالعسل وطيبه وحلاه . وعسلت الرجل : جعلت أدمه العسل . واستعسل القوم : استوهبوا العسل . وعسلت القوم : زودتهم إياه . وعسلت الطعام أعسله وأعسله ، أي عملته بالعسل . وزنجبيل معسل ، أي معمول بالعسل ، قال ابن بري : ومنه قول الشاعر :


                                                          إذا أخذت مسواكها منحت به     رضابا كطعم الزنجبيل المعسل

                                                          ، وفي الحديث في الرجل يطلق امرأته ثم تنكح زوجا غيره : فإن طلقها الثاني لم تحل للأول حتى يذوق من عسيلتها وتذوق من عسيلته يعني الجماع على المثل . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لامرأة رفاعة القرظي وقد سألته عن زوج تزوجته لترجع به إلى زوجها الأول الذي طلقها فلم ينتشر ذكره للإيلاج ، فقال لها : أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك يعني جماعها ; لأن الجماع هو المستحلى من المرأة ، شبه لذة الجماع بذوق العسل ، فاستعار لها ذوقا ، وقالوا لكل ما استحلوا : عسل ومعسول ، على أنه يستحلى استحلاء العسل ، وقيل : في قوله : حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك إن العسيلة ماء الرجل ، والنطفة تسمى العسيلة ، وقال الأزهري : العسيلة في هذا الحديث كناية عن حلاوة الجماع الذي يكون بتغييب الحشفة في فرج المرأة ، ولا يكون ذواق العسيلتين معا إلا بالتغييب وإن لم ينزلا ، ولذلك اشترط عسيلتهما ، وأنث العسيلة ; لأنه شبهها بقطعة من العسل ، قال ابن الأثير : ومن صغره مؤنثا قال : عسيلة ، كقويسة وشميسة ، قال : وإنما صغره إشارة إلى القدر القليل الذي يحصل به الحل . ويقال : عسلت من طعامه عسلا ، أي ذقت ، وعسل المرأة يعسلها عسلا : نكحها ، فإما أن تكون مشتقة من قوله : حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك وإما أن تكون لفظة مرتجلة على حدة ، قال ابن سيده : وعندي أنها مشتقة . والمعسلة : الخلية ، يقال : قطف فلان معسلته ، إذا أخذ ما هنالك من العسل ، وخلية عاسلة ، والنحل عسالة ، وما أعرف له مضرب عسلة : يعني أعراقه ، ويقال : ما لفلان مضرب عسلة ، يعني من النسب ، لا يستعملان إلا في النفي ، وقيل : أصل ذلك في شور العسل ثم صار مثلا للأصل والنسب . وعسل اللبنى : شيء ينضح من شجرها يشبه العسل لا حلاوة له . وعسل الرمث : شيء أبيض يخرج منه كأنه الجمان . وعسل الرجل : طيب الثناء عليه - عن ابن الأعرابي - وهو من العسل ; لأن سامعه يلذ بطيب ذكره . والعسل : طيب الثناء على الرجل . وفي الحديث : إذا أراد الله بعبد خيرا عسله في الناس أي : طيب ثناءه فيهم . وروي أنه قيل : لرسول الله : ما عسله ؟ فقال : يفتح له عملا صالحا بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله ، أي جعل له من العمل الصالح ثناء طيبا ، شبه ما رزقه الله من العمل الصالح الذي طاب به ذكره بين قومه بالعسل الذي يجعل في الطعام فيحلولي به ويطيب ، وهذا مثل ، أي وفقه الله لعمل صالح يتحفه كما يتحف الرجل أخاه إذا أطعمه العسل .

                                                          ويقال : لبنه ولحمه وعسله ، إذا أطعمه اللبن واللحم والعسل . والعسل : الرجال الصالحون ، قال : وهو جمع عاسل وعسول ، قال : وهو مما جاء على لفظ فاعل وهو مفعول به ، قال الأزهري : كأنه أراد رجل عاسل ذو عسل ، أي ذو عمل صالح ، الثناء به عليه يستحلى كالعسل . وجارية معسولة الكلام ، إذا كانت حلوة المنطق ، مليحة اللفظ ، طيبة النغمة . وعسل الرمح يعسل عسلا وعسولا وعسلانا : اشتد اهتزازه واضطرب . ورمح عسال وعسول : عاسل مضطرب لدن ، وهو العاتر وقد عتر وعسل ، قال :


                                                          بكل عسال إذا هز عتر

                                                          وقال أوس :


                                                          تقاك بكعب واحد وتلذه     يداك إذا ما هز بالكف يعسل

                                                          ، والعسل والعسلان : أن يضطرم الفرس في عدوه ، فيخفق برأسه ويطرد متنه . وعسل الذئب والثعلب يعسل عسلا وعسلانا : مضى مسرعا واضطرب في عدوه وهز رأسه ، قال :


                                                          والله لولا وجع في العرقوب     لكنت أبقى عسلا من الذيب

                                                          ، استعاره للإنسان ، وقال لبيد :


                                                          عسلان الذئب أمسى قاربا     برد الليل عليه فنسل

                                                          ، وقيل : هو للنابغة الجعدي ، والذئب عاسل ، والجمع العسل والعواسل ، وقول ساعدة بن جؤية :


                                                          لدن بهز الكف يعسل متنه     فيه كما عسل الطريق الثعلب

                                                          ، أراد عسل في الطريق ، فحذف وأوصل ، كقولهم : دخلت البيت ، ويروى " لذ " . والعسل : حباب الماء إذا جرى من هبوب الريح . وعسل الماء عسلا وعسلانا : حركته الريح فاضطرب وارتفعت حبكه ، أنشد ثعلب : [ ص: 152 ]

                                                          قد صبحت والظل غض ما زحل     حوضا كأن ماءه إذا عسل
                                                          من نافض الريح رويزي سمل

                                                          الرويزي : الطيلسان ، والسمل : الخلق ، وإنما شبه الماء في صفائه بخضرة الطيلسان وجعله سملا ; لأن الشيء إذا أخلق كان لونه أعتق . وعسل الدليل بالمفازة : أسرع . والعنسل : الناقة السريعة ، ذهب سيبويه إلى أنه من العسلان . وقال محمد بن حبيب : قالوا للعنس عنسل ، فذهب إلى أن اللام من عنسل زائدة ، وأن وزن الكلمة فعلل ، واللام الأخيرة زائدة ، قال ابن جني : وقد ترك في هذا القول مذهب سيبويه الذي عليه ينبغي أن يكون العمل ، وذلك أن عنسل فنعل من العسلان الذي هو عدو الذئب ، والذي ذهب إليه سيبويه هو القول ; لأن زيادة النون ثانية أكثر من زيادة اللام ، ألا ترى إلى كثرة باب قنبر وعنصل وقنفخر وقنعاس وقلة باب ذلك وأولالك ؟

                                                          قال الأعشى :


                                                          وقد أقطع الجوز جوز الفلا     ة بالحرة البازل العنسل

                                                          ، والنون زائدة . ويقال : فلان أخبث من أبي عسلة ، ومن أبي رعلة ، ومن أبي سلعامة ، ومن أبي معطة ، كله الذئب . ورجل عسل : شديد الضرب ، سريع رجع اليد بالضرب ، قال الشاعر :


                                                          تمشي موالية والنفس تنذرها     مع الوبيل بكف الأهوج العسل

                                                          والعسيل : مكنسة الطيب ، وهي مكنسة شعر يكنس بها العطار بلاطه من العطر ، قال :


                                                          فرشني بخير لا أكون ومدحتي     كناحت يوما صخرة بعسيل

                                                          فصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف ، أراد : كناحت صخرة يوما بعسيل ، هكذا أنشد عن الفراء ، ومثله قول أبي الأسود :


                                                          فألفيته غير مستعتب     ولا ذاكر الله إلا قليلا

                                                          أراد : ولا ذاكر الله ، وأنشد الفراء أيضا :


                                                          رب ابن عم لسليمى مشمعل     طباخ ساعات الكرى زاد الكسل

                                                          ، وقيل : أراد لا أكونن ومدحتي . والعسيل : الريشة التي تقلع بها الغالية ، وجمعها عسل . وإنه لعسل من أعسال المال ، أي حسن الرعية له ، يقال : عسل مال ، كقولك : إزاء مال وخال مال ، أي مصلح مال ، والعسيل : قضيب الفيل ، وجمعه عسل . والعسل والعسلان : الخبب . وفي حديث عمر : أنه قال لعمرو بن معديكرب : كذب ، عليك العسل ، أي عليك بسرعة المشي ، هو من العسلان : مشي الذئب واهتزاز الرمح ، وعسل بالشيء عسولا . ويقال : بسلا له وعسلا ، وهو اللحي في الملام ، وعسلي اليهود : علامتهم . وابن عسلة : من شعرائهم ، قال ابن الأعرابي : وهو عبد المسيح بن عسلة . وعاسل بن غزية : من شعراء هذيل . وبنو عسل : قبيلة يزعمون أن أمهم السعلاة . وقال الأزهري في ترجمة عسم : قال : وذكر أعرابي أمة فقال : هي لنا وكل ضربة لها من عسلة ، قال : العسلة النسل .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية