الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عسا ]

                                                          عسا : عسا الشيخ يعسو عسوا وعسوا وعسيا ، مثل عتيا وعساء وعسوة وعسي عسى ، كله : كبر مثل عتي . ويقال للشيخ إذا ولى وكبر : عتا يعتو عتيا ، وعسا يعسو مثله ، ورأيت في حاشية أصل التهذيب للأزهري الذي نقلت منه حديثا متصل السند إلى ابن عباس قال : قد علمت السنة كلها غير أني لا أدري أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ من الكبر عتيا أو " عسيا " ، فما أدري أهذا من أصل الكتاب أم سطره بعض الأفاضل . وفي حديث قتادة بن النعمان : لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخا قد عسا أو عشا ، عسا بالسين المهملة أي كبر وأسن ، من عسا القضيب إذا يبس ، وبالمعجمة أي قل بصره وضعف . وعست يده تعسو عسوا : غلظت من عمل ، قال ابن سيده : وهذا هو الصواب في مصدر عسا . وعسا النبات عسوا : غلظ واشتد ، وفيه لغة أخرى عسي يعسى عسى وأنشد :

                                                          [ ص: 154 ]

                                                          يهوون عن أركان عز أدرما عن صامل عاس إذا ما اصلخمما

                                                          ، قال : والعساء مصدر عسا العود يعسو عساء ، والقساء مصدر قسا القلب يقسو قساء . وعسا الليل : اشتدت ظلمته ، قال :


                                                          وأظعن الليل إذا الليل عسا

                                                          والغين أعرف . والعاسي مثل العاتي : وهو الجافي . والعاسي : الشمراخ من شماريخ العذق في لغة بلحرث بن كعب .

                                                          الجوهري : وعسا الشيء يعسو عسوا وعساء - ممدود - أي يبس واشتد وصلب . والعسا - مقصورا - : البلح . والعسو : الشمع في بعض اللغات . وعسى : طمع وإشفاق ، وهو من الأفعال غير المتصرفة ، وقال الأزهري : عسى حرف من حروف المقاربة ، وفيه ترج وطمع ، قال الجوهري : لا يتصرف لأنه وقع بلفظ الماضي لما جاء في الحال ، تقول : عسى زيد أن يخرج ، وعست فلانة أن تخرج ، فزيد فاعل عسى وأن يخرج مفعولها ، وهو بمعنى الخروج إلا أن خبره لا يكون اسما ، لا يقال : عسى زيد منطلقا . قال ابن سيده : عسيت أن أفعل كذا ، وعسيت : قاربت ، والأولى أعلى ، قال سيبويه : لا يقال عسيت الفعل ولا عسيت للفعل ، قال : اعلم أنهم لا يستعملون عسى فعلك ، استغنوا بأن تفعل عن ذلك كما استغنى أكثر العرب بعسى عن أن يقولوا عسيا وعسوا ، وبلو أنه ذاهب عن لو ذهابه ، ومع هذا أنهم لم يستعملوا المصدر في هذا الباب كما لم يستعملوا الاسم الذي في موضعه يفعل في عسى وكاد ، يعني أنهم لا يقولون عسى فاعلا ولا كاد فاعلا ، فترك هذا من كلامهم للاستغناء بالشيء عن الشيء ، وقال سيبويه : عسى أن تفعل كقولك دنا أن تفعل ، وقالوا : عسى الغوير أبؤسا ، أي كان الغوير أبؤسا حكاه سيبويه .

                                                          قال الجوهري : أما قولهم عسى الغوير أبؤسا ، فشاذ نادر ، وضع أبؤسا موضع الخبر ، وقد يأتي في الأمثال ما لا يأتي في غيرها ، وربما شبهوا عسى بكاد واستعملوا الفعل بعده بغير أن فقالوا : عسى زيد ينطلق ، قال سماعة بن أسول النعامي :


                                                          عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر     بمنهمر جون الرباب سكوب

                                                          ، هكذا أنشده الجوهري ، قال ابن بري : وصواب إنشاده :

                                                          عن بلاد ابن قارب

                                                          وقال : كذا أنشده سيبويه ، وبعده :


                                                          هجف تحف الريح فوق سباله     له من لويات العكوم نصيب

                                                          ، وحكى الأزهري عن الليث : عسى تجري مجرى لعل ، تقول : عسيت وعسيتما وعسيتم وعست المرأة وعستا وعسين ، يتكلم بها على فعل ماض ، وأميت ما سواه من وجوه فعله ، لا يقال : يعسى ولا مفعول له ولا فاعل . وعسى في القرآن من الله جل ثناؤه واجب ، وهو من العباد ظن ، كقوله تعالى : فعسى الله أن يأتي بالفتح ، وقد أتى الله به ، قال الجوهري : إلا في قوله عسى ربه إن طلقكن أن يبدله قال أبو عبيدة : عسى من الله إيجاب ، فجاءت على إحدى اللغتين ; لأن عسى في كلامهم رجاء ويقين ، قال ابن سيده : وقيل : عسى كلمة تكون للشك واليقين ، قال الأزهري : وقد قال ابن مقبل فجعله يقينا أنشده أبو عبيد :


                                                          ظني بهم كعسى وهم بتنوفة     يتنازعون جوائز الأمثال

                                                          ، أي : ظني بهم يقين .

                                                          قال ابن بري : هذا قول أبي عبيدة ، وأما الأصمعي فقال : ظني بهم كعسى ، أي ليس بثبت كعسى ، يريد أن الظن هنا وإن كان بمعنى اليقين فهو كعسى في كونها بمعنى الطمع والرجاء ، وجوائز الأمثال ما جاز من الشعر وسار . وهو عسي أن يفعل كذا ، وعس ، أي خليق . قال ابن الأعرابي : ولا يقال عسى ، وما أعساه وأعس به وأعس بأن يفعل ذلك ، كقولك أحر به ، وعلى هذا وجه الفارسي قراءة نافع : " فهل عسيتم " ، بكسر السين قال : لأنهم قد قالوا : هو عس بذلك وما أعساه وأعس به ، فقوله عس يقوي عسيتم ، ألا ترى أن عس كحر وشج ؟ وقد جاء فعل وفعل في نحو ورى الزند ووري ، فكذلك عسيتم وعسيتم ، فإن أسند الفعل إلى ظاهر فقياس عسيتم أن يقول فيه : عسي زيد ، مثل رضي زيد ، وإن لم يقله فسائغ له أن يأخذ باللغتين فيستعمل إحداهما في موضع دون الأخرى كما فعل ذلك في غيرها .

                                                          وقال الأزهري : قال النحويون : يقال : عسى ولا يقال : عسي . وقال الله عز وجل : فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض اتفق القراء أجمعون على فتح السين من قوله : عسيتم إلا ما جاء عن نافع أنه كان يقرأ فهل عسيتم بكسر السين ، وكان يقرأ : عسى ربكم أن يهلك عدوكم فدل موافقته القراء على عسى على أن الصواب في قوله : عسيتم فتح السين . قال الجوهري : ويقال عسيت أن أفعل ذلك وعسيت ، بالفتح والكسر ، وقرئ بهما فهل عسيتم وعسيتم . وحكى اللحياني عن الكسائي : بالعسى أن يفعل ، قال : ولم أسمعهم يصرفونها مصرف أخواتها ، يعني بأخواتها حرى وبالحرى وما شاكلها . وهذا الأمر معساة منه ، أي مخلقة . وإنه لمعساة أن يفعل ذاك : كقولك محراة ، يكون للمذكر والمؤنث والاثنين والجمع بلفظ واحد . والمعسية : الناقة التي يشك فيها ، أبها لبن أم لا ، والجمع المعسيات ، قال الشاعر :


                                                          إذا المعسيات منعن الصبو     ح خب جريك بالمحصن

                                                          ، جريه : وكيله ورسوله ، وقيل : الجري الخادم ، والمحصن ما أحصن وادخر من الطعام للجدب ، وأما ما أنشدهأبو العباس :


                                                          ألم ترني تركت أبا يزيد     وصاحبه كمعساء الجواري
                                                          بلا خبط ولا نبك ولكن     يدا بيد فها عيثي جعار

                                                          ، قال : هذا رجل طعن رجلا ثم قال : تركته كمعساء الجواري يسيل الدم عليه كالمرأة التي لم تأخذ الحشوة في حيضها فدمها يسيل .

                                                          [ ص: 155 ] والمعساء من الجواري : المراهقة التي يظن من رآها أنها قد توضأت . وحكى الأزهري عن ابن كيسان قال : اعلم أن جمع المقصور كله إذا كان بالواو والنون والياء فإن آخره يسقط ; لسكونه وسكون واو الجمع وياء الجمع ، ويبقى ما قبل الألف على فتحه ، من ذلك : الأدنون جمع أدنى ، والمصطفون والموسون والعيسون ، وفي النصب والخفض الأدنين والمصطفين . والأعساء : الأرزان الصلبة ، واحدها عاس . وروى ابن الأثير في كتابه في الحديث : أفضل الصدقة المنيحة ، تغدو بعساء وتروح بعساء ، وقال : قال الخطابي : قال الحميدي : العساء العس ، قال : ولم أسمعه إلا في هذا الحديث . قال : والحميدي من أهل اللسان ، قال : ورواه أبو خيثمة ثم قال : " بعساس " كان أجود . وعلى هذا يكون جمع العس أبدل الهمزة من السين ، وقال الزمخشري : العساء والعساس جمع عس . وأبو العسا : رجل ، قال الأزهري : كان خلاد صاحب شرطة البصرة يكنى أبا العسا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية