الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( والمغرب ) يدخل وقتها ( بالغروب ) لخبر جبريل : سميت بذلك لكونها تفعل عقب الغروب ، وأصل الغروب البعد ، يقال غرب بفتح الغين والراء إذا بعد ، والمراد تكامل غروبها فلا يحكم بخروج وقت العصر بغيبوبة البعض بل لا بد من الجميع ، ويخرج وقت الصبح بطلوع بعضها ، والفرق تنزيل رؤية البعض منزلة رؤية الجميع في الموضعين ، وإن شئت قلت راعينا اسم النهار بوجود البعض وهو يؤيد ما قاله كثيرون من اللغويين [ ص: 366 ] وغيرهم إن النهار أوله طلوع الشمس ، ويعرف الغروب في العمران بزوال الشعاع عن أعلى الحيطان وفي الجبال عن أعلاها وإقبال الظلام من المشرق ( ويبقى ) وقتها ( حتى يغيب الشفق الأحمر في القديم ) لخبر مسلم { وقت المغرب ما لم يغب الشفق } وسيأتي ترجيحه ، واحترز بالأحمر عن الأصفر والأبيض ، ولم يذكره في المحرر لانصراف الاسم لغة إليه إذ المعروف في اللغة كما ذكره الجوهري والأزهري وغيرهما أن الشفق هو الحمرة فهو في كلامه صفة كاشفة ( وفي الجديد ينقضي ) وقتها ( بمضي قدر ) زمن ( وضوء ) وغسل أو تيمم ( وستر عورة وأذان وإقامة وخمس ركعات ) لأن جبريل صلاها في اليومين في وقت واحد بخلاف غيرها .

                                                                                                                            ورد الاستدلال بذلك بأنه إنما بين الوقت المختار المسمى بوقت الفضيلة .

                                                                                                                            أما وقتها الجائز الذي هو محل النزاع فلم يتعرض له فيه ، وإنما استثنى قدر هذه الأمور للضرورة ، ومراده بالخمس المغرب وسننها التي بعدها ، وزاد الإمام ركعتين قبلها بناء على استحبابهما الآتي ، والاعتبار في جميع ذلك بالوسط المعتدل كما أطلقه الرافعي كالجمهور ، وهو المعتمد خلافا للقفال في اعتباره فعل نفسه لما يلزم عليه من اختلاف وقته باختلاف الناس ولا نظير له في بقية الأوقات ، ويعتبر أيضا مقدار زمن استنجاء وإزالة نجاسة من بدنه أو ثوبه وتحفظ دائم حدث ، وما يسن لها ولشروطها كتعمم وتقمص وتثليث وأكل لقم يكسر بها سورة الجوع كما في الشرحين والروضة ، وصوب في المجموع وغيره اعتبار الشبع لما [ ص: 367 ] في الصحيحين { إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم } وقد رده في الخادم وقال : إنه وجه خارج عن المذهب ، وإنه لا دليل له في الحديث إذ هو دليل على امتداد الوقت وهو إنما يفرع على قول التضييق . وأجاب القاضي أبو الطيب عن الحديث بأن عشاءهم كان شرب اللبن أو التمرات اليسيرة ، وذلك في معنى اللقم لغيرهم .

                                                                                                                            لا يقال : يلزم على الجديد امتناع جمع التقدم إذ من شرط صحته وقوع الصلاتين في وقت المتبوعة وقد حصر وقتها فيما ذكره .

                                                                                                                            لأنا نقول بعدم لزوم ذلك لأن الوقت يسع الصلاتين لا سيما في حالة تقدم الشرائط على الوقت واستجماعها فيه ، فإن فرض ضيقه عنهما لاشتغاله بالأسباب امتنع الجمع ، ولو غربت الشمس في بلد فصلى المغرب ثم سافر إلى بلد آخر فوجد الشمس لم تغرب فيه وجب عليه إعادة المغرب كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى واعلم أنه جاء في حديث مرفوع { أنها إذا طلعت من مغربها تسير إلى وسط السماء ثم ترجع ثم بعد ذلك تطلع من المشرق كعادتها } وبه يعلم أنه يدخل وقت الظهر برجوعها لأنه بمنزلة زوالها ، ووقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله ، والمغرب بغروبها . وفي الحديث { إن ليلة طلوعها من مغربها تطول بقدر ثلاث ليال } لكن ذلك لا يعرف إلا بعد مضيها لانبهامها على الناس ، فحينئذ قياس ما سيأتي في كلامنا بعد بيسير أنه يلزمه قضاء الخمس ، لأن الزائد ليلتان فيقدران عن يوم وليلة وواجبهما الخمس . واعلم أن المواقيت مختلفة باختلاف البلدان ارتفاعا ، فقد يكون زوال الشمس في بلد طلوعها ببلد آخر وعصرا بآخر ومغربا بآخر وعشاء بآخر ( ولو شرع ) فيها ( في الوقت ) على الجديد ( ومد حتى غاب الشفق جاز على الصحيح ) سواء أكان بقراءة أم ذكر بل أم سكوت فيما يظهر { لأنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بالأعراف في الركعتين كلتيهما } والثاني لا يجوز لوقوع بعضها خارج [ ص: 368 ] الوقت بناء على أن الصلاة إذا خرج بعضها عن الوقت تكون أو ما خرج عنه قضاء ، وحكم غير المغرب في جواز المد كالمغرب ، لأن الصديق رضي الله عنه طول مرة في صلاة الصبح ، فقيل له : كادت الشمس أن تطلع ، فقال : لو طلعت لم تجدنا غافلين .

                                                                                                                            ولا يكره ذلك على الأصح .

                                                                                                                            أما الجمعة فيمتنع تطويلها إلى ما بعد وقتها بلا خلاف . والفرق بينها وبين غيرها توقف صحتها على وقوع جميعها في وقتها بخلاف غيرها ، ويعلم مما يأتي أن محل الجواز حيث شرع فيها وفي وقتها ما يسع جميعها ، ولا فرق حينئذ بين أن يوقع منها ركعة في الوقت أو لا كما هو ظاهر كلام الأصحاب خلافا للإسنوي .

                                                                                                                            نعم يظهر أن إيقاع ركعة فيه شرط لتسميتها مؤداة وإلا فتكون قضاء لا إثم فيه ، وقول الشارح هنا من الخلاف المبني على الأصح في غير المغرب أنه لا يجوز تأخير بعضها عن وقتها : أي بلا مد كما في قوله ، والثاني المنع كما في غير المغرب : أي بلا مد أيضا ، فكلام المنهاج من الخلاف مبني على القول بعدم جواز ذلك في بقية الصلوات غير المغرب ، أما إذا جوزنا ذلك في غير المغرب جاز هنا قطعا .

                                                                                                                            وعبارة الروضة : ثم على الجديد لو شرع في المغرب في الوقت المضبوط فهل له استدامتها إلى انقضاء الوقت ؟ إن قلنا : الصلاة التي يقع بعضها في الوقت وبعضها بعده أداء وأنه يجوز تأخيرها إلى أن يخرج عن الوقت بعضها فله ذلك قطعا ، وإن لم نجوز ذلك في سائر الصلوات ففي المغرب وجهان : أحدهما يجوز مدها إلى مغيب الشفق ، والثاني منعه كغيرها ( قلت : القديم أظهر والله أعلم ) بل هو جديد أيضا كما قاله في المجموع لأن الشافعي رضي الله عنه علق القول به في الإملاء على صحة الحديث وهو من الكتب الجديدة ، ولهذا قال في الروضة إنه الصواب ، وفي شرح المهذب والتنقيح إنه الصحيح ، وقد صححه جماعات كثيرة من كبار أصحابنا المحدثين .

                                                                                                                            وأجاب في شرح المهذب عن حديث جبريل بما مر من أنه إنما بين فيه الأوقات المختارة ونحن نقول : إن وقتها المختار مضيق مساو لوقت الفضيلة ، وبأن حديث جبريل في أول الأمر لأنه ورد بمكة وأحاديث الامتداد بالمدينة فهي متأخرة يجب تقديمها ، وبأن حديث الامتداد [ ص: 369 ] أقوى من حديث جبريل لأن رواته أكثر ولأنه أصح إسنادا ولذا أخرجه مسلم في صحيحه دون حديث جبريل .

                                                                                                                            ولها خمسة أوقات : وقت فضيلة واختيار أول الوقت ، ووقت جواز ما لم يغب الشفق الأحمر ، ووقت عذر ، وقت العشاء لمن يجمع ، ووقت ضرورة ، ووقت حرمة .

                                                                                                                            وقول الإسنوي نقلا عن الترمذي ووقت كراهة وهو تأخيرها عن وقت الجديد ظاهر مراعاة للقول بخروج الوقت .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 366 ] قوله : ولم يذكره ) أي الأحمر ( قوله : صفة كاشفة ) الأولى أن يقال صفة مؤكدة ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            أقول : الأولى أن يقال صفة لازمة وهي التي لا تنفك عن الموصوف .

                                                                                                                            وأما الكاشفة فهي المبينة لحقيقة موصوفها وهي هنا ليست كذلك فبالتعبير بالكاشفة واللازمة يتميز حقيقة كل منهما عن الأخرى .

                                                                                                                            وأما المؤكدة فإنها تجامع كلا من اللازمة والكاشفة ( قوله : زمن وضوء ) المراد من الوضوء المفروض والمسنون : أي ما فرض منه وما سن منه بكماله ، لأن النقص منهي عنه نقله الناشري عن بعض أهل اليمن وهو ظاهر ا هـ سم على بهجة ( قوله : أو غسل ) الأولى وغسل وتيمم لأن الثلاثة تعتبر معا فيما لو عرضت الجنابة لمن في بدنه جراحة فإنه يجمع بين الوضوء والتيمم والغسل ( قوله : بالوسط المعتدل ) أي من غالب الناس على ما هو الظاهر مما ذكر .

                                                                                                                            وقال حج : الوسط المعتدل من فعل كل إنسان .

                                                                                                                            واعترضه سم بأنه يؤدي إلى اختلاف الوقت باختلاف الناس ( قوله : وإزالة نجاسة ) عبارة شرح البهجة : وإزالة خبث ، وكتب عليه سم : ينبغي اعتباره مغلظا لأنه قد يصيبه كما بحثه الإسنوي ، وقول سم ينبغي اعتباره مغلظا جزم به حج في شرحه هنا حيث قال : ويقدر مغلظا ، وعبارة الإرشاد : إلى مضي قدر أدائها بشروط وسنن ا هـ ، ومن السنن الأذان حتى في حق المرأة كما بحثه الإسنوي خلافا للأذرعي لأنه يندب إجابتها ا هـ بحروفه .

                                                                                                                            أقول : ومثل الأذان تجديد الوضوء أيضا كما يفيده قول الشارح : ومما يسن لها إلخ ( قوله : وتحفظ إلخ ) زاد في شرح البهجة : تحري القبلة ، وكتب عليه سم : وهل يعتبر مع ذلك زمن المضي إلى الجماعة فيه نظر .

                                                                                                                            وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في التعليقة : ويضاف إلى ما ذكروا قصد المسجد ا هـ ( قوله : وتقمص ) ولو للتجمل ( قوله : سورة الجوع ) بفتح أوله وسكون ثانيه من غير همز وبالضم أيضا : أي حدته .

                                                                                                                            قال في القاموس : سورة الخمر وغيرها حدتها كسوارها بالضم ا هـ [ ص: 367 ] وقال في المصباح : والجمع سورات بالسكون للتخفيف ا هـ . فقوله : للتخفيف يقتضي أنه اسم لا صفة ( قوله : وهو ) أي النووي في المجموع ( قوله : إذ من شرط إلخ ) قضيته أنه لا بد لصحة جمع التقديم من وقوع الثانية كاملة في وقت الأولى ، وفي المنهج وشرحه في باب صلاة المسافر ما نصه : ورابعها : أي شروط التقديم دوام سفره إلى عقده ثانية ، فلو أقام قبله فلا جمع لزوال السبب فتعين تأخير الثانية إلى وقتها ا هـ ، وعليه فيحتاج للفرق بين الوقت حيث لم يكتفوا فيه بإحرام الثانية في وقت المتبوعة وبين السفر حيث اكتفوا لصحة جمع التقديم بعقد الثانية في وقت الأولى ، ثم رأيت في باب صلاة المسافر في سم على منهج احتمالين عن والد الروياني : أحدهما يكفي ركعة ، والثاني أنه لا يشترط ذلك بل ما دون الركعة كاف في صحة الجمع ، وذكر أن م ر اعتمد هذا الثاني وهو المعتمد .

                                                                                                                            وفي حاشيته على حج عن شرح العباب ما حاصله اشتراط كون الثانية بتمامها في الوقت ، وذكر عن والده الجلال أنه رده واكتفى بإدراك ما دون الركعة ، قال : وسبقه إليه الروياني وأطال في تقريره ، وعليه فلا فرق بين الوقت والسفر وحينئذ فيسقط السؤال من أصله ( قوله : وقوع الصلاتين ) أي وقوع الأولى تامة ووقوع عقد الثانية على المعتمد ( قوله : إعادة المغرب ) أي وتقع الأولى نفلا مطلقا ( قوله فيقدران ) أي يحسبان ( قوله : باختلاف البلدان ) هو بضم الباء كما ضبطه بالقلم في الصحاح والمختار ، ويصرح به قول الأشموني في شرح قول الخلاصة : وفعلا اسما وفعيلا وفعل غير معل العين فعلان شمل نصها من أمثلة جمع الكثرة فعلان بضم الفاء وهو مقيس في اسم على فعل نحو بطن وبطنان وظهر وظهران أو فعيل نحو قضيب وقضبان ورغيف ورغفان ، أو فعل صحيح العين نحو ذكر وذكران وجمل وجملان ( قوله : ومد إلخ ) خرج مجرد الإتيان بالسنن بأن بقي من الوقت ما يسع جميع واجباتها دون سننها ، فإن الإتيان بالسنن حينئذ مندوب فليس خلاف الأولى كالمد ، وقد صرح في الأنوار بأنه لو أدرك آخر الوقت بحيث لو أدى الفريضة بسننها لفات [ ص: 368 ] الوقت ، ولو اقتصر على الأركان تقع في الوقت أن الأفضل أن يتم السنن ا هـ .

                                                                                                                            وظاهره أن الأفضل ذلك وإن لم يدرك ركعة في الوقت وهو قضية كلام البغوي المنقول عنه هذه المسألة كما بيناه آخر سجود السهو ، لكن قيده م ر بأن يدرك ركعة ا هـ سم على منهج ( قوله : قضاء ) أي على المرجوح فيها لما يأتي من أنه إذا وقع في الوقت ركعة فكلها أداء ( قوله : بلا خلاف ) ينبغي إلا في حق من لا تلزمه ا هـ سم على حج ، وعليه فتنقلب ظهرا بخروج الوقت ( قوله : وفي وقتها ما يسع جميعها ) هذا يخالف ما تقدم نقله عنه في كلام سم على حج من أنه يكفي لجواز المد إدراك ركعة في الوقت ; إلا أن يقال : ما تقدم مفروض فيما لو شرع فيها وقد بقي من الوقت ما يسع أركانها ، لكن اشتغاله بالسنن منع من إدراك ركعة في الوقت ( قوله : أي بلا مد ) خبر قوله وقول الشارح : وكأنه قال معناه بلا مد .

                                                                                                                            [ فرع ] شرع في المغرب مثلا وقد بقي من وقتها ما يسعها ومد إلى أن بقي من وقت العشاء ما يسع العشاء أو ركعة منها ، فهل يجب قطع المغرب وفعل العشاء مطلقا أو يفصل بين أن يكون أدرك من وقت المغرب قدر ركعة فلا يجب قطعها ، بل لا يجوز لأنها مؤداة وبين أن لا يكون أدرك من وقتها قدر ركعة فيجب قطعها لأنها حينئذ فائتة ، والفائتة يجب قطعها إذا خيف فوت الحاضرة على ما يأتي ؟ فيه نظر ، وظاهره حرمة المد إلى أن يبقى من وقت الثانية ما لا يسعها ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وقوله : فيه نظر لا يبعد إلحاقها بالفائتة في وجوب القطع إذا خاف فوت الحاضرة ، وإن أمكن الفرق بأن المغرب هنا أحرم بها في وقتها فاستحقت الإتمام فيعذر به وإن خاف فوت الحاضرة [ ص: 369 ] قوله : فضيلة واختيار ) عدهما واحدا لاتحادهما بالذات ولذا جعل أوقاتها خمسة ولك أن تجعلها ستة لاختلاف وقتي الفضيلة والاختيار بحسب المفهوم سم على منهج .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 364 - 366 ] قوله : وإقبال الظلام من المشرق ) راجع للمسألتين ( قوله : أو غسل أو تيمم ) صريح العطف بأو أنه يعتبر قدر واحد من المذكورات ، وكأن المراد أنه يعتبر واجبه منها فيغتفر قدره وإن كان قد أتى به قبل الوقت وعبر الشهاب حج بالواو ( قوله : ولا نظير له في بقية الأوقات ) هذا لازم لما ذكره عقب هذا أيضا ( قوله : ولشروطها إلى وتثليث ) وإنه مسنون للوضوء الذي هو شرط لها [ ص: 367 - 368 ] قوله : بلا مد ) هو خبر قول الشارح ( قوله : إلى انقضاء الوقت ) يعني غروب الشفق كما علم من المتن




                                                                                                                            الخدمات العلمية