الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عصب ]

                                                          عصب : العصب : عصب الإنسان والدابة . والأعصاب : أطناب المفاصل التي تلائم بينها وتشدها ، وليس بالعقب . يكون ذلك للإنسان وغيره ، كالإبل ، والبقر ، والغنم ، والنعم ، والظباء ، والشاء ، حكاه أبو حنيفة ، الواحدة عصبة . وسيأتي ذكر الفرق بين العصب والعقب .

                                                          وفي الحديث أنه قال لثوبان : اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج قال الخطابي في " المعالم " : إن لم تكن الثياب اليمانية فلا أدري ما هو ، وما أدري أن القلادة تكون منها . وقال أبو موسى : يحتمل عندي أن الرواية إنما هي العصب بفتح الصاد ، وهي أطناب مفاصل الحيوانات ، وهو شيء مدور ، فيحتمل أنهم كانوا يأخذون عصب بعض الحيوانات الطاهرة ، فيقطعونه ويجعلونه شبه الخرز ، فإذا يبس يتخذون منه القلائد ، فإذا جاز وأمكن أن يتخذ من عظام السلحفاة وغيرها الأسورة جاز وأمكن [ ص: 166 ] أن يتخذ من عصب أشباهها خرز تنظم منه القلائد ، قال : ثم ذكر لي بعض أهل اليمن أن العصب سن دابة بحرية تسمى فرس فرعون ، يتخذ منها الخرز وغير الخرز ، من نصاب سكين وغيره ، ويكون أبيض . ولحم عصب : صلب شديد كثير العصب . وعصب اللحم بالكسر ، أي كثر عصبه . وانعصب : اشتد . والعصب : الطي الشديد . وعصب الشيء يعصبه عصبا : طواه ولواه ، وقيل : شده . والعصاب والعصابة : ما عصب به . وعصب رأسه وعصبه تعصيبا : شده ، واسم ما شد به : العصابة . وتعصب ، أي شد العصابة . والعصابة : العمامة ، منه . والعمائم يقال لها العصائب ، قال الفرزدق :


                                                          وركب كأن الريح تطلب منهم لها سلبا من جذبها بالعصائب

                                                          ، أي : تنقض لي عمائمهم من شدتها ، فكأنها تسلبهم إياها ، وقد اعتصب بها . والعصابة : العمامة ، وكل ما يعصب به الرأس ، وقد اعتصب بالتاج والعمامة . والعصبة : هيئة الاعتصاب ، وكل ما عصب به كسر أو قرح ، من خرقة أو خبيبة ، فهو عصاب له . وفي الحديث : أنه رخص في المسح على العصائب والتساخين وهي كل ما عصبت به رأسك من عمامة أو منديل أو خرقة . والذي ورد في حديث بدر قال عتبة بن ربيعة : ارجعوا ولا تقاتلوا ، واعصبوها برأسي . قال ابن الأثير : يريد السبة التي تلحقهم بترك الحرب والجنوح إلى السلم ، فأضمرها اعتمادا على معرفة المخاطبين ، أي اقرنوا هذه الحال بي وانسبوها إلي وإن كانت ذميمة . وعصب الشجرة يعصبها عصبا : ضم ما تفرق منها بحبل ، ثم خبطها ليسقط ورقها . وروي عن جرير أنه خطب الناس بالكوفة فقال : لأعصبنكم عصب السلمة . السلمة : شجرة من العضاه ذات شوك ، وورقها القرظ الذي يدبغ به الأدم ، ويعسر خرط ورقها لكثرة شوكها ، فتعصب أغصانها بأن تجمع ويشد بعضها إلى بعض بحبل شدا شديدا ، ثم يهصرها الخابط إليه ، ويخبطها بعصاه ، فيتناثر ورقها للماشية ، ولمن أراد جمعه ، وقيل : إنما يفعل بها ذلك إذا أرادوا قطعها حتى يمكنهم الوصول إلى أصلها .

                                                          وأصل العصب : اللي ، ومنه عصب التيس والكبش وغيرهما من البهائم ، وهو أن تشد خصياه شدا شديدا حتى تندرا من غير أن تنزعا نزعا ، أو تسلا سلا ، يقال : عصبت التيس أعصبه فهو معصوب . ومن أمثال العرب : فلان لا تعصب سلماته ، يضرب مثلا للرجل الشديد العزيز الذي لا يقهر ولا يستذل ، ومنه قول الشاعر :


                                                          ولا سلماتي في بجيلة تعصب

                                                          وعصب الناقة يعصبها عصبا وعصابا : شد فخذيها ، أو أدنى منخريها بحبل لتدر . وناقة عصوب : لا تدر إلا على ذلك ، قال الشاعر :


                                                          فإن صعبت عليكم فاعصبوها     عصابا تستدر به شديدا

                                                          ، وقال أبو زيد : العصوب الناقة التي لا تدر حتى تعصب أداني منخريها بخيط ثم تثور ، ولا تحل حتى تحلب . وفي حديث عمر ومعاوية أن العصوب يرفق بها حالبها فتحلب العلبة . قال : العصوب الناقة التي لا تدر حتى يعصب فخذاها ، أي يشدا بالعصابة . والعصاب : ما عصبها به . وأعطى على العصب ، أي على القهر ، مثل بذلك ، قال الحطيئة :


                                                          تدرون إن شد العصاب عليكم     ونأبى إذا شد العصاب فلا ندر

                                                          ، ويقال للرجل إذا كان شديد أسر الخلق ، غير مسترخي اللحم : إنه لمعصوب ما حفضج . ورجل معصوب الخلق : شديد اكتناز اللحم ، عصب عصبا ، قال حسان :


                                                          دعوا التخاجؤ وامشوا مشية سجحا     إن الرجال ذوو عصب وتذكير

                                                          ، وجارية معصوبة : حسنة العصب أي اللي ، مجدولة الخلق ، ورجل معصوب : شديد . والعصوب من النساء : الزلاء الرسحاء - عن كراع .

                                                          قال أبو عبيدة : والعصوب ، والرسحاء ، والمسحاء ، والرصعاء ، والمصواء ، والمزلاق ، والمزلاج ، والمنداص . وتعصب بالشيء واعتصب : تقنع به ورضي . والمعصوب : الجائع الذي كادت أمعاؤه تيبس جوعا . وخص الجوهري هذيلا بهذه اللغة . وقد عصب يعصب عصوبا . وقيل : سمي معصوبا ; لأنه عصب بطنه بحجر من الجوع . وعصب القوم : جوعهم . ويقال للرجل الجائع يشتد عليه سخفة الجوع فيعصب بطنه بحجر : معصب ، ومنه قوله :


                                                          ففي هذا فنحن ليوث حرب     وفي هذا غيوث معصبينا

                                                          ، وفي حديث المغيرة : فإذا هو معصوب الصدر قيل : كان من عادتهم إذا جاع أحدهم أن يشد جوفه بعصابة ، وربما جعل تحتها حجرا . والمعصب : الذي عصبته السنون ، أي أكلت ماله . وعصبتهم السنون : أجاعتهم ، والمعصب : الذي يتعصب بالخرق من الجوع . وعصب الدهر ماله : أهلكه . ورجل معصب : فقير . وعصبهم الجهد ، وهو من قوله : يوم عصيب . وعصب الرجل : دعاه معصبا ، عن ابن الأعرابي ، وأنشد :


                                                          يدعى المعصب من قلت حلوبته     وهل يعصب ماضي الهم مقدام

                                                          ، ويقال : عصب الرجل بيته ، أي أقام في بيته لا يبرحه لازما له . ويقال : عصب القين صدع الزجاجة بضبة من فضة ، إذا لأمها محيطة به . والضبة : عصاب الصدع . ويقال لأمعاء الشاة إذا طويت وجمعت ثم جعلت في حوية من حوايا بطنها : عصب ، واحدها عصيب . والعصيب من أمعاء الشاء : ما لوي منها ، والجمع أعصبة وعصب . والعصيب : الرئة تعصب بالأمعاء فتشوى ، قال حميد بن ثور - وقيل : هو للصمة بن عبد الله القشيري - :

                                                          [ ص: 167 ]

                                                          أولئك لم يدرين ما سمك القرى     ولا عصب فيها رئات العمارس

                                                          ، والعصب : ضرب من برود اليمن ، سمي عصبا لأن غزله يعصب ، أي يدرج ثم يصبغ ثم يحاك ، وليس من برود الرقم ، ولا يجمع ، إنما يقال : برد عصب ، وبرود عصب ; لأنه مضاف إلى الفعل . وربما اكتفوا بأن يقولوا : عليه العصب ; لأن البرد عرف بذلك الاسم ، قال :


                                                          يبتذلن العصب والخز     ز معا والحبرات

                                                          ومنه قيل : للسحاب كاللطخ : عصب . وفي الحديث : المعتدة لا تلبس المصبغة إلا ثوب عصب العصب : برود يمنية يعصب غزلها ، أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج ، فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض ، لم يأخذه صبغ ، وقيل : هي برود مخططة . والعصب : الفتل . والعصاب : الغزال . فيكون النهي للمعتدة عما صبغ بعد النسج . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : أنه أراد أن ينهى عن عصب اليمن وقال : نبئت أنه يصبغ بالبول ، ثم قال : نهينا عن التعمق .

                                                          والعصب : غيم أحمر تراه في الأفق الغربي يظهر في سني الجدب ، قال الفرزدق :


                                                          إذا العصب أمسى في السماء كأنه     سدى أرجوان واستقلت عبورها

                                                          ، وهو العصابة أيضا ، قال أبو ذؤيب :


                                                          أعيني لا يبقى على الدهر فادر     بتيهورة تحت الطخاف العصائب

                                                          ، وقد عصب الأفق يعصب ، أي احمر . وعصبة الرجل : بنوه وقرابته لأبيه . والعصبة : الذين يرثون الرجل عن كلالة ، من غير والد ولا ولد . فأما في الفرائض فكل من لم تكن له فريضة مسماة فهو عصبة ، إن بقي شيء بعد الفرائض أخذ . قال الأزهري : عصبة الرجل أولياؤه الذكور من ورثته ، سموا عصبة لأنهم عصبوا بنسبه ، أي استكفوا به ، فالأب طرف ، والابن طرف ، والعم جانب ، والأخ جانب ، والجمع العصبات . والعرب تسمي قرابات الرجل أطرافه ، ولما أحاطت به هذه القرابات ، وعصبت بنسبه سموا عصبة . وكل شيء استدار بشيء فقد عصب به . والعمائم يقال لها : العصائب ، واحدتها عصابة ، من هذا قال : ولم أسمع للعصبة بواحد ، والقياس أن يكون عاصبا ، مثل طالب وطلبة وظالم وظلمة . ويقال : عصب القوم بفلان ، أي استكفوا حوله .

                                                          وعصبت الإبل بعطنها إذا استكفت به ، قال أبو النجم :


                                                          إذ عصبت بالعطن المغربل

                                                          يعني المدقق ترابه . والعصبة والعصابة : جماعة ما بين العشرة إلى الأربعين . وفي التنزيل العزيز : ونحن عصبة ، قال الأخفش : والعصبة والعصابة جماعة ليس لها واحد . قال الأزهري : وذكر ابن المظفر في كتابه حديثا : أنه يكون في آخر الزمان رجل يقال له : أمير العصب قال ابن الأثير : هو جمع عصبة . قال الأزهري : وجدت تصديق هذا الحديث ، في حديث مروي عن عقبة بن أوس ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : وجدت في بعض الكتب يوم اليرموك : أبو بكر الصديق أصبتم اسمه ، عمر الفاروق قرنا من حديد أصبتم اسمه ، عثمان ذو النورين كفلين من الرحمة ; لأنه يقتل مظلوما أصبتم اسمه ، قال : ثم يكون ملك الأرض المقدسة وابنه ، قال عقبة : قلت لعبد الله : سمهما ، قال : معاوية وابنه ، ثم يكون سفاح ، ثم يكون منصور ، ثم يكون جابر ، ثم مهدي ، ثم يكون الأمين ، ثم يكون سين ولام ، يعني صلاحا وعاقبة ، ثم يكون أمراء العصب : ستة منهم من ولد كعب بن لؤي ، ورجل من قحطان ، كلهم صالح لا يرى مثله . قال أيوب : فكان ابن سيرين إذا حدث بهذا الحديث قال : يكون على الناس ملوك بأعمالهم . قال الأزهري : هذا حديث عجيب وإسناده صحيح ، والله علام الغيوب .

                                                          وفي حديث الفتن قال : فإذا رأى الناس ذلك أتته أبدال الشام وعصائب العراق فيتبعونه . العصائب : جمع عصابة ، وهي ما بين العشرة إلى الأربعين . وفي حديث علي : الأبدال بالشام ، والنجباء بمصر ، والعصائب بالعراق أراد أن التجمع للحروب يكون بالعراق . وقيل : أراد جماعة من الزهاد ، سماهم بالعصائب ; لأنه قرنهم بالأبدال والنجباء . وكل جماعة رجال وخيل بفرسانها ، أو جماعة طير أو غيرها : عصبة وعصابة ، ومنه قول النابغة :


                                                          عصابة طير تهتدي بعصائب

                                                          واعتصبوا : صاروا عصبة ، قال أبو ذؤيب :


                                                          هبطن بطن رهاط واعتصبن كما     يسقي الجذوع خلال الدور نضاح

                                                          ، والتعصب : من العصبية . والعصبية : أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته ، والتألب معهم على من يناويهم ، ظالمين كانوا أم مظلومين . وقد تعصبوا عليهم إذا تجمعوا ، فإذا تجمعوا على فريق آخر ، قيل : تعصبوا . وفي الحديث : العصبي من يعين قومه على الظلم . العصبي هو الذي يغضب لعصبته ويحامي عنهم . والعصبة : الأقارب من جهة الأب ; لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم ، أي يحيطون به ويشتد بهم . وفي الحديث : ليس منا من دعا إلى عصبية أو قاتل عصبية . العصبية والتعصب : المحاماة والمدافعة . وتعصبنا له ومعه : نصرناه . وعصبة الرجل : قومه الذين يتعصبون له ، كأنه على حذف الزائد . وعصب القوم : خيارهم . وعصبوا به : اجتمعوا حوله ، قال ساعدة :


                                                          ولكن رأيت القوم قد عصبوا به     فلا شك أن قد كان ثم لحيم

                                                          ، واعصوصبوا : استجمعوا ، فإذا تجمعوا على فريق آخر ، قيل : تعصبوا . واعصوصبوا : استجمعوا وصاروا عصابة وعصائب . وكذلك إذا جدوا في السير . واعصوصبت الإبل وأعصبت : جدت في السير . واعصوصبت وعصبت وعصبت : اجتمعت . وفي الحديث : أنه كان في مسير ، فرفع صوته ، فلما سمعوا صوته اعصوصبوا أي : اجتمعوا وصاروا عصابة واحدة ، وجدوا في السير . واعصوصب [ ص: 168 ] الشر : اشتد كأنه من الأمر العصيب ، وهو الشديد . ويقال للرجل الذي سوده قومه : قد عصبوه ، فهو معصب وقد تعصب ، ومنه قول المخبل في الزبرقان :


                                                          رأيتك هريت العمامة بعدما     أراك زمانا حاسرا لم تعصب

                                                          ، وهو مأخوذ من العصابة وهي العمامة . وكانت التيجان للملوك ، والعمائم الحمر للسادة من العرب ، قال الأزهري : وكان يحمل إلى البادية من هراة عمائم حمر يلبسها أشرافهم . ورجل معصب ومعمم ، أي مسود ، قال عمرو بن كلثوم :


                                                          وسيد معشر قد عصبوه     بتاج الملك يحمي المحجزينا

                                                          ، فجعل الملك معصبا أيضا ; لأن التاج أحاط برأسه كالعصابة التي عصبت برأس لابسها . ويقال : اعتصب التاج على رأسه إذا استكف به ، ومنه قول قيس الرقيات :


                                                          يعتصب التاج فوق مفرقه على جبين كأنه الذهب

                                                          ، وفي الحديث : أنه شكا إلى سعد بن عبادة عبد الله بن أبي ، فقال : اعف عنه يا رسول الله ; فقد كان اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يعصبوه بالعصابة ، فلما جاء الله بالإسلام شرق لذلك يعصبوه ، أي يسودوه ويملكوه ، وكانوا يسمون السيد المطاع : معصبا ; لأنه يعصب بالتاج ، أو تعصب به أمور الناس ، أي ترد إليه وتدار به . والعمائم تيجان العرب ، وتسمى العصائب واحدتها عصابة . واعصوصب اليوم والشر : اشتد وتجمع . وفي التنزيل : هذا يوم عصيب ، قال الفراء : يوم عصيب وعصبصب : شديد ، وقيل : هو الشديد الحر ، وليلة عصيب كذلك . ولم يقولوا : عصبصبة . قال كراع : هو مشتق من قولك : عصبت الشيء إذا شددته ، وليس ذلك بمعروف ، أنشد ثعلب في صفة إبل سقيت :


                                                          يا رب يوم لك من أيامها     عصبصب الشمس إلى ظلامها

                                                          وقال الأزهري : هو مأخوذ من قولك : عصب القوم أمر يعصبهم عصبا ، إذا ضمهم واشتد عليهم ، قال ابن أحمر :


                                                          يا قوم ما قومي على نأيهم     إذ عصب الناس شمال وقر

                                                          ، وقوله : " ما قومي على نأيهم " تعجب من كرمهم . وقال : نعم القوم هم في المجاعة إذ عصب الناس شمال وقر ، أي أطاف بهم وشملهم بردها .

                                                          وقال أبو العلاء : يوم عصبصب بارد ذو سحاب كثير لا يظهر فيه من السماء شيء . وعصب الفم يعصب عصبا وعصوبا . اتسخت أسنانه من غبار أو شدة عطش ، أو خوف ، وقيل : يبس ريقه . وفوه عاصب ، وعصب الريق بفيه - بالفتح - يعصب عصبا وعصب : جف ويبس عليه ، قال ابن أحمر :


                                                          يصلي على من مات منا عريفنا     ويقرأ حتى يعصب الريق بالفم

                                                          ورجل عاصب : عصب الريق بفيه ، قال أشرس بن بشامة الحنظلي :


                                                          وإن لقحت أيدي الخصوم وجدتني     نصورا إذا ما استيبس الريق عاصبه

                                                          ، لقحت : ارتفعت ، شبه الأيدي بأذناب اللواقح من الإبل . وعصب الريق فاه يعصبه عصبا : أيبسه ، قال أبو محمد الفقعسي :


                                                          يعصب فاه الريق أي عصب     عصب الجباب بشفاه الوطب

                                                          الجباب : شبه الزبد في ألبان الإبل . وفي حديث بدر : لما فرغ منها أتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار أي : ركبه وعلق به ، من عصب الريق فاه إذا لصق به ، وروى بعض المحدثين أن جبريل جاء يوم بدر على فرس أنثى ، وقد عصم بثنيتيه الغبار . فإن لم يكن غلطا من المحدث فهي لغة في عصب ، والباء والميم يتعاقبان في حروف كثيرة ; لقرب مخرجيهما . يقال : ضربة لازب ولازم ، وسبد رأسه وسمده . وعصب الماء : لزمه ، عن ابن الأعرابي ، وأنشد :


                                                          وعصب الماء طوال كبد

                                                          وعصبت الإبل بالماء إذا دارت به ، قال الفراء : عصبت الإبل ، وعصبت بالكسر ، إذا اجتمعت . والعصبة والعصبة والعصبة - الأخيرة عن أبي حنيفة - : كل ذلك شجرة تلتوي على الشجر وتكون بينها ، ولها ورق ضعيف ، والجمع عصب وعصب ، قال :


                                                          إن سليمى علقت فؤادي     تنشب العصب فروع الوادي

                                                          ، وقال مرة : العصبة ما تعلق بالشجر فرقي فيه وعصب به ، قال : وسمعت بعض العرب يقول : العصبة هي اللبلاب . وفي حديث الزبير بن العوام لما أقبل نحو البصرة وسئل عن وجهه فقال :


                                                          علقتهم إني خلقت عصبه     قتادة تعلقت بنشبه

                                                          ، قال شمر : وبلغني أن بعض العرب قال :


                                                          غلبتهم إني خلقت عصبه     قتادة ملوية بنشبه

                                                          ، قال : والعصبة نبات يلتوي على الشجر ، وهو اللبلاب . والنشبة من الرجال : الذي إذا علق بشيء لم يكد يفارقه . ويقال للرجل الشديد المراس : قتادة لويت بعصبة . والمعنى : خلقت علقة لخصومي ، فوضع العصبة موضع العلقة ، ثم شبه نفسه في فرط تعلقه وتشبثه بهم بالقتادة إذا استظهرت في تعلقها واستمسكت بنشبة ، أي شيء شديد النشوب ، والباء التي في قوله : بنشبة ، للاستعانة ، كالتي في كتبت بالقلم ، وأما قول كثير :


                                                          بادي الربع والمعارف منها     غير رسم كعصبة الأغيال

                                                          ، فقد روي عن ابن الجراح أنه قال : العصبة هنة تلتف على القتادة ، لا تنزع عنها إلا بعد جهد ، وأنشد :

                                                          [ ص: 169 ]

                                                          تلبس حبها بدمي ولحمي     تلبس عصبة بفروع ضال

                                                          ، وعصب الغبار بالجبل وغيره : أطاف . والعصاب : الغزال ، قال رؤبة :


                                                          طي القسامي برود العصاب

                                                          القسامي : الذي يطوي الثياب في أول طيها ، حتى يكسرها على طيها . وعصب الشيء : قبض عليه . والعصاب : القبض ، أنشد ابن الأعرابي :


                                                          وكنا يا قريش إذا عصبنا     تجيء عصابنا بدم عبيط

                                                          ، عصابنا : قبضنا على من يغادي بالسيوف . والعصب في عروض الوافر : إسكان لام مفاعلتن ، ورد الجزء بذلك إلى مفاعيلن ، وإنما سمي عصبا ; لأنه عصب أن يتحرك ، أي قبض . وفي حديث علي - كرم الله وجهه - : فروا إلى الله ، وقوموا بما عصبه بكم ، أي بما افترضه عليكم وقرنه بكم من أوامره ونواهيه ، وفي حديث المهاجرين إلى المدينة : فنزلوا العصبة ، موضع بالمدينة عند قباء ، وضبطه بعضهم بفتح العين والصاد .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية