الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عطا ]

                                                          عطا : العطو : التناول ، يقال منه : عطوت أعطو . وفي حديث أبي هريرة : أربى الربا عطو الرجل عرض أخيه بغير حق أي : تناوله بالذم ونحوه . وفي حديث عائشة - رضي الله عنها : لا تعطوه الأيدي أي : لا تبلغه فتتناوله . وعطا الشيء وعطا إليه عطوا : تناوله ; قال الشاعر يصف ظبية :


                                                          وتعطو البرير إذا فاتها بجيد ترى الخد منه أسيلا

                                                          وظبي عطو : يتطاول إلى الشجر ليتناول منه ، وكذلك الجدي ، ورواه كراع ظبي عطو وجدي عطو ، كأنه وصفهما بالمصدر . وعطا بيده إلى الإناء : تناوله وهو محمول قبل أن يوضع على الأرض ; وقول بشر بن أبي خازم :


                                                          أو الأدم الموشحة العواطي     بأيديهن من سلم النعاف

                                                          يعني الظباء وهي تتطاول إذا رفعت أيديها لتتناول الشجر ، والإعطاء مأخوذ من هذا . قال الأزهري : وسمعت غير واحد من العرب يقول لراحلته إذا انفسح خطمه عن مخطمه : أعط فيعوج رأسه إلى راكبه فيعيد الخطم على مخطمه . ويقال : أعطى البعير إذا انقاد ولم يستصعب . والعطاء : نول للرجل السمح . والعطاء والعطية : اسم لما يعطى ، والجمع عطايا وأعطية ، وأعطيات جمع الجمع ; سيبويه : لم يكسر على فعل كراهية الإعلال ، ومن قال أزر لم يقل عطي لأن الأصل عندهم الحركة . ويقال : إنه لجزيل العطاء ، وهو اسم جامع ، فإذا أفرد قيل العطية ، وجمعها العطايا ، وأما الأعطية فهو جمع العطاء . يقال : ثلاثة أعطية ، ثم أعطيات جمع الجمع . وأعطاه مالا ، والاسم العطاء ، وأصله عطاو - بالواو - لأنه من عطوت ، إلا أن العرب تهمز الواو والياء إذا جاءتا بعد الألف ؛ لأن الهمزة أحمل للحركة منهما ، ولأنهم يستثقلون الوقف على الواو ، وكذلك الياء مثل الرداء وأصله رداي ، فإذا ألحقوا فيها الهاء فمنهم من يهمزها بناء على الواحد فيقول عطاءة ورداءة ، ومنهم من يردها إلى الأصل [ ص: 197 ] فيقول عطاوة ورداية ، وكذلك في التثنية عطاءان وعطاوان ورداءان وردايان ، قال ابن بري في قول الجوهري : إلا أن العرب تهمز الواو والياء إذا جاءتا بعد الألف لأن الهمزة أحمل للحركة منهما ، قال : هذا ليس سبب قلبها ، وإنما ذلك لكونها متطرفة بعد ألف زائدة ، وقال في قوله في تثنية رداء ردايان ، قال : هذا وهم منه ، وإنما هو رداوان بالواو ، فليست الهمزة ترد إلى أصلها كما ذكر ، وإنما تبدل منها واو في التثنية والنسب والجمع بالألف والتاء . ورجل معطاء : كثير العطاء ، والجمع معاط ، وأصله معاطيي ، استثقلوا الياءين وإن لم يكونا بعد ألف يليانها ، ولا يمتنع معاطي كأثافي ; هذا قول سيبويه . وقوم معاطي ومعاط ; قال الأخفش : هذا مثل قولهم : مفاتيح ومفاتح وأماني وأمان . وقولهم : ما أعطاه للمال كما قالوا ما أولاه للمعروف وما أكرمه لي ! وهذا شاذ لا يطرد لأن التعجب لا يدخل على أفعل ، وإنما يجوز من ذلك ما سمع من العرب ولا يقاس عليه . قال الجوهري : ورجل معطاء كثير العطاء ، وامرأة معطاء كذلك ، ومفعال يستوي فيه المذكر والمؤنث . والإعطاء والمعاطاة جميعا : المناولة ، وقد أعطاه الشيء . وعطوت الشيء : تناولته باليد . والمعاطاة : المناولة . وفي المثل : عاط بغير أنواط أي : يتناول ما لا مطمع فيه ولا متناول ، وقيل : يضرب مثلا لمن ينتحل علما لا يقوم به ; وقولالقطامي :


                                                          أكفرا بعد رد الموت عني     وبعد عطائك المائة الرتاعا

                                                          ليس على حذف الزيادة ، ألا ترى أن في عطاء ألف فعال الزائدة ، ولو كان على حذف الزيادة لقال : وبعد عطوك ليكون كوحده ؟ وعاطاه إياه معاطاة وعطاء ; قال :


                                                          مثل المناديل تعاطى الأشربا

                                                          أراد تعاطاها الأشرب فقلب . وتعاطى الشيء : تناوله . وتعاطوا الشيء : تناوله بعضهم من بعض وتنازعوه ، ولا يقال أعطى به ; فأما قول جرير :


                                                          ألا ربما لم نعط زيقا بحكمه     وأدى إلينا الحق والغل لازب

                                                          فإنما أراد لم نعطه حكمه ، فزاد الباء . وفلان يتعاطى كذا أي : يخوض فيه . وتعاطينا فعطوته أي : غلبته . الأزهري : الإعطاء المناولة . والمعاطاة : أن يستقبل رجل رجلا ومعه سيف فيقول أرني سيفك ، فيعطيه فيهزه هذا ساعة وهذا ساعة وهما في سوق أو مسجد ، وقد نهي عنه . واستعطى وتعطى : سأل العطاء . واستعطى الناس بكفه وفي كفه استعطاء : طلب إليهم وسألهم . وإذا أردت من زيد أن يعطيك شيئا تقول : هل أنت معطيه ؟ بياء مفتوحة مشددة ، وكذلك تقول للجماعة : هل أنتم معطيه ؟ لأن النون سقطت للإضافة ، وقلبت الواو ياء وأدغمت وفتحت ياءك لأن قبلها ساكنا ، وللاثنين هل أنتما معطيايه ، بفتح الياء فقس على ذلك . وإذا صغرت عطاء حذفت اللام فقلت عطي ، وكذلك كل اسم اجتمعت فيه ثلاث ياءات ، مثل علي وعدي ، حذفت منه اللام إذا لم يكن مبنيا على فعل ، فإن كان مبنيا على فعل ثبتت نحو محيي من حيا يحيي تحية ; قال ابن بري : إن المحيي في آخره ثلاث ياءات ولم تحذف واحدة منها حملا على فعله يحيي ، إلا أنك إذا نكرتها حذفتها للتنوين كما تحذفها من قاض . والتعاطي : تناول ما لا يحق ولا يجوز تناوله ، يقال : تعاطى فلان ظلمك . وتعاطى أمرا قبيحا وتعطاه ، كلاهما : ركبه . قال أبو زيد : فلان يتعاطى معالي الأمور ورفيعها . قال سيبويه : تعاطينا وتعطينا فتعاطينا ، من اثنين وتعطينا بمنزلة غلقت الأبواب ، وفرق بعضهم بينهما فقال : هو يتعاطى الرفعة ويتعطى القبيح ، وقيل : هما لغتان فيهما جميعا . وفي التنزيل : فتعاطى فعقر أي : فتعاطى الشقي عقر الناقة فبلغ ما أراد ، وقيل : بل تعاطيه جرأته ، وقيل : قام على أطراف أصابع رجليه ثم رفع يديه فضربها . وفي صفته - صلى الله عليه وسلم : فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد أي : أنه كان من أحسن الناس خلقا مع أصحابه ، ما لم ير حقا يتعرض له بإهمال أو إبطال أو إفساد ، فإذا رأى ذلك شمر وتغير حتى أنكره من عرفه ، كل ذلك لنصرة الحق . والتعاطي : التناول والجراءة على الشيء ، من عطا الشيء يعطوه إذا أخذه وتناوله . وعاطى الصبي أهله : عمل لهم وناولهم ما أرادوا . وهو يعاطيني ويعطيني بالتشديد ، أي : ينصفني ويخدمني . ويقال : عطيته وعاطيته أي : خدمته وقمت بأمره كقولك نعمته وناعمته تقول : من يعطيك أي من يتولى خدمتك ؟ ويقال للمرأة : هي تعاطي خلمها أي تناوله قبلها وريقها ; قال ذو الرمة :


                                                          تعاطيه أحيانا إذا جيد جودة     رضابا كطعم الزنجبيل المعسل

                                                          وفلان يعطو في الحمض : يضرب يده فيما ليس له . وقوس معطية : لينة ليست بكزة ولا ممتنعة على من يمد وترها ; قال أبو النجم :


                                                          وهتفى معطية طروحا

                                                          أراد بالهتفى قوسا لوترها رنين . وقوس عطوى ، على فعلى : مواتية سهلة بمعنى المعطية ، ويقال : هي التي عطفت فلم تنكسر ; قال ذو الرمة يصف صائدا :


                                                          له نبعة عطوى كأن رنينها     بألوى تعاطتها الأكف المواسح

                                                          أراد بالألوى الوتر . وقد سموا عطاء وعطية ، وقول البعيث يهجو جريرا :


                                                          أبوك عطاء ألأم الناس كلهم     فقبح من فحل وقبحت من نجل

                                                          إنما عنى عطية أباه ، واحتاج فوضع عطاء موضع عطية ، والنسبة إلى عطية عطوي ، وإلى عطاء عطائي .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية