الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6449 ) مسألة : قال : ( وإذا تزوج امرأة ، ثم قال قبل الدخول : هي أختي من الرضاعة . انفسخ النكاح ، فإن صدقته المرأة ، فلا مهر لها ، وإن أكذبته ، فلها نصف المهر ) وجملته أن الزوج إذا أقر أن زوجته أخته من الرضاعة ، انفسخ نكاحه ، ويفرق بينهما . وبهذا قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : إذا قال : وهمت ، أو أخطأت . قبل قوله ; لأن قوله ذلك يتضمن أنه لم يكن بينهما نكاح ، ولو جحد النكاح ، ثم أقر به ، قبل ، كذلك هاهنا .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه أقر بما يتضمن تحريمها عليه ، فلم يقبل رجوعه عنه ، كما لو أقر بالطلاق ثم رجع ، أو أقر أن أمته أخته من النسب ، وما قاسوا عليه غير مسلم ، وهذا الكلام في الحكم ، فأما فيما بينه وبين ربه ، فينبني ذلك على علمه بصدقه ، فإن علم أن الأمر كما قال ، فهي محرمة عليه ، ولا نكاح بينهما ، وإن علم كذب نفسه فالنكاح باق بحاله ، وقوله كذب لا يحرمها عليه ; لأن المحرم حقيقة الرضاع ، لا القول . وإن شك في ذلك ، لم تزل عن اليقين بالشك . وقيل في حلها له إذا علم كذب نفسه روايتان . والصحيح ما قلناه ; لأن قوله ذلك إذا كان كذبا ، لم يثبت التحريم ، كما لو قال لها وهي أكبر منه : هي ابنتي من الرضاعة .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فإنه إن كان قبل الدخول ، وصدقته المرأة ، فلا شيء لها ; لأنهما اتفقا على أن النكاح فاسد من أصله ، لا يستحق فيه مهر ، فأشبه ما لو ثبت ذلك ببينة ، وإن أكذبته ، فالقول قولها ; لأن قوله غير مقبول عليها في إسقاط حقوقها ، فلزمه إقراره فيما هو حق له ، وهو تحريمها عليه ، وفسخ نكاحه ، ولم يقبل قوله فيما عليه من المهر . ( 6450 ) فصل : وإن قال : هي عمتي ، أو خالتي أو ابنة أخي أو أختي أو أمي من الرضاع . وأمكن صدقه ، فالحكم فيه كما لو قال : هي أختي . وإن لم يمكن صدقه ، مثل أن يقول لأصغر منه أو لمثله : هذه أمي . أو لأكبر منه أو لمثله : هذه ابنتي . لم تحرم عليه . وبهذا قال الشافعي .

                                                                                                                                            وقال أبو يوسف ومحمد : تحرم عليه ; لأنه أقر بما يحرمها عليه ، فوجب أن يقبل ، كما لو أمكن . ولنا ، أنه أقر بما تحقق كذبه فيه ، فأشبه ما لو قال : أرضعتني وإياها حواء . أو كما لو قال : هذه حواء . وما ذكروه منتقض بهذه الصور ، ويفارق ما إذا أمكن ، فإنه لا يتحقق كذبه ، والحكم في الإقرار بقرابة من النسب تحرمها عليه ، كالحكم في الإقرار بالرضاع ; لأنه في معناه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية