الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عقق ]

                                                          عقق : عقه يعقه عقا ، فهو معقوق وعقيق : شقه . والعقيق : واد بالحجاز كأنه عق أي : شق ، غلبت الصفة عليه غلبة الاسم ولزمته الألف واللام ، لأنه جعل الشيء بعينه على ما ذهب إليه الخليل في الأسماء الأعلام التي أصلها الصفة كالحارث والعباس . والعقيقان : بلدان في بلاد بني عامر من ناحية اليمن ، فإذا رأيت هذه اللفظة مثناة فإنما يعنى بها ذانك البلدان ، وإذا رأيتها مفردة فقد يجوز أن يعنى بها العقيق الذي هو واد بالحجاز ، وأن يعنى بها أحد هذين البلدين لأن مثل هذا قد يفرد كأبانين ; قال امرؤ القيس فأفرد اللفظ به :


                                                          كأن أبانا في أفانين ودقه كبير أناس في بجاد مزمل

                                                          قال ابن سيده : وإن كانت التثنية في مثل هذا أكثر من الإفراد ، أعني فيما تقع عليه التثنية من أسماء المواضع لتساويهما في الثبات والخصب والقحط ، وأنه لا يشار إلى أحدهما دون الآخر ، ولهذا ثبت فيه [ ص: 230 ] التعريف في حال تثنيته ولم يجعل كزيدين ، فقالوا هذان أبانان بينين ، ونظير هذا إفرادهم لفظ عرفات ، فأما ثبات الألف واللام في العقيقين فعلى حد ثباتهما في العقيق ، وفي بلاد العرب مواضع كثيرة تسمى العقيق ; قال أبو منصور : ويقال لكل ما شقه ماء السيل في الأرض فأنهره ووسعه عقيق ، والجمع أعقة وعقائق ، وفي بلاد العرب أربعة أعقة ، وهي أودية شقتها السيول ، عادية : فمنها عقيق عارض اليمامة وهو واد واسع مما يلي العرمة تتدفق فيه شعاب العارض وفيه عيون عذبة الماء ، ومنها عقيق بناحية المدينة فيه عيون ونخيل . وفي الحديث : أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان العقيق ؟ قال ابن الأثير : هو واد من أودية المدينة مسيل للماء وهو الذي ورد ذكره في الحديث أنه واد مبارك ، ومنها عقيق آخر يدفق ماؤه في غورى تهامة ، وهو الذي ذكره الشافعي فقال : ولو أهلوا من العقيق كان أحب إلي ; وفي الحديث : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل العراق بطن العقيق ; قال أبو منصور : أراد العقيق الذي بالقرب من ذات عرق قبلها بمرحلة أو مرحلتين وهو الذي ذكره الشافعي في المناسك ، ومنها عقيق القنان تجري إليه مياه قلل نجد وجباله ; وأما قول الفرزدق :


                                                          قفي ودعينا يا هنيد فإنني     أرى الحي قد شاموا العقيق اليمانيا

                                                          فإن بعضهم قال : أراد شاموا البرق من ناحية اليمن . والعق : حفر في الأرض مستطيل سمي بالمصدر . والعقة : حفرة عميقة في الأرض ، وجمعها عقات . وانعق الوادي : عمق . والعقائق : النهاء والغدران في الأخاديد المنعقة ; حكاه أبو حنيفة ; وأنشد لكثير بن عبد الرحمن الخزاعي يصف امرأة :


                                                          إذا خرجت من بيتها راق عينها     معوذه وأعجبتها العقائق

                                                          يعني أن هذه المرأة إذا خرجت من بيتها راقها معوذ النبت حول بيتها ، والمعوذ من النبت : ما ينبت في أصل شجر أو حجر يستره ، وقيل : العقائق هي الرمال الحمر . ويقال : عقت الريح المزن تعقه عقا إذا استدرته كأنها تشقه شقا ; قال الهذلي يصف غيثا :


                                                          حار وعقت مزنه الريح وان     قار به العرض ولم يشمل

                                                          حار : تحير وتردد واستدرته ريح الجنوب ولم تهب به الشمال فتقشعه ، وانقار به العرض أي : كأن عرض السحاب انقار به أي : وقعت منه قطعة ، وأصله من قرت جيب القميص فانقار ، وقرت عينه إذا قلعتها . وسحابة معقوقة إذا عقت فانعقت أي : تبعجت بالماء . وسحابة عقاقة إذا دفعت ماءها وقد عقت ; قال عبد بني الحسحاس يصف غيثا :


                                                          فمر على الأنهاء فانثج مزنه     فعق طويلا يسكب الماء ساجيا

                                                          واعتقت السحابة بمعنى ; قال أبو وجزة :


                                                          واعتق منبعج بالوبل مبقور

                                                          ويقال للمعتذر إذا أفرط في اعتذاره : قد اعتق اعتقاقا . ويقال : سحابة عقاقة منشقة بالماء . وروى شمر أن المعقر بن حمار البارقي قال لبنته وهي تقوده وقد كف بصره وسمع صوت رعد : أي بنية ما ترين ؟ قالت : أرى سحابة سحماء عقاقة ، كأنها حولاء ناقة ، ذات هيدب دان ، وسير وان ! قال : أي بنية وائلي إلى قفلة فإنها لا تنبت إلا بمنجاة من السيل ; شبه السحابة بحولاء الناقة في تشققها بالماء كتشقق الحولاء ، وهو الذي يخرج منه الولد ، والقفلة الشجرة اليابسة ; كذلك حكاه ابن الأعرابي بفتح الفاء ، وأسكنها سائر أهل اللغة . وفي نوادر الأعراب : اهتلب السيف من غمده وامترقه واعتقه واختلطه إذا استله ; قال الجرجاني : الأصل اخترطه ، وكأن اللام مبدل منه وفيه نظر . وعق والده يعقه عقا وعقوقا ومعقة : شق عصا طاعته . وعق والديه : قطعهما ولم يصل رحمه منهما ، وقد يعم بلفظ العقوق جميع الرحم ، فالفعل كالفعل والمصدر كالمصدر . ورجل عقق وعقق وعق : عاق ; أنشد ابن الأعرابي للزفيان :


                                                          أنا أبو المقدام عقا فظا     بمن أعادي ملطسا ملظا
                                                          أكظه حتى يموت كظا     ثمت أعلي رأسه الملوظا
                                                          صاعقة من لهب تلظى

                                                          والجمع عققة مثل كفرة ، وقيل : أراد بالعق المر من الماء العقاق ، وهو القعاع ، الملوظ : سوط أو عصا يلزمها رأسه ; كذا حكاه ابن الأعرابي ، والصحيح الملوظ ، وإنما شدد ضرورة . والمعقة : العقوق ; قال النابغة :


                                                          أحلام عاد وأجساد مطهرة     من المعقة والآفات والأثم

                                                          وأعق فلان إذا جاء بالعقوق . وفي المثل : أعق من ضب ; قال ابن الأعرابي : إنما يريد به الأنثى ، وعقوقها أنها تأكل أولادها ; عن غير ابن الأعرابي ; وقال ابن السكيت في قول الأعشى :


                                                          فإني وما كلفتوني بجهلكم     ويعلم ربي من أعق وأحوبا

                                                          قال : أعق جاء بالعقوق ، وأحوب جاء بالحوب . وفي الحديث : قال أبو سفيان بن حرب لحمزة سيد الشهداء - رضي الله عنه - يوم أحد حين مر به ، وهو مقتول : ذق عقق أي : ذق جزاء فعلك يا عاق ، وذق القتل كما قتلت من قتلت يوم بدر من قومك ، يعني كفار قريش ، وعقق : معدول عن عاق للمبالغة كغدر من غادر وفسق من فاسق . والعقق : البعداء من الأعداء . والعقق أيضا : قاطعو الأرحام . ويقال : عاققت فلانا أعاقه عقاقا إذا خالفته . قال ابن بري : عق والده يعق عقوقا ومعقة ; قال هنا : وعقاق مبنية على الكسر مثل حذام ورقاش ; قالت عمرة بنت دريد ترثيه :


                                                          لعمرك ما خشيت على دريد     ببطن سميرة جيش العناق
                                                          جزى عنا الإله بني سليم     وعقتهم بما فعلوا عقاق

                                                          وفي الحديث : أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن عقوق الأمهات ، وهو ضد البر ، [ ص: 231 ] وأصله من العق الشق والقطع ، وإنما خص الأمهات وإن كان عقوق الآباء وغيرهم من ذوي الحقوق عظيما لأن لعقوق الأمهات مزية في القبح . وفي حديث الكبائر : وعد منها عقوق الوالدين . وفي الحديث : مثلكم ومثل عائشة مثل العين في الرأس تؤذي صاحبها ، ولا يستطيع أن يعقها إلا بالذي هو خير لها ; هو مستعار من عقوق الوالدين . وعق البرق وانعق : انشق . والانعقاق : تشقق البرق ، والتبوج : تكشف البرق ، وعقيقته : شعاعه ; ومنه قيل للسيف كالعقيقة ، وقيل : العقيقة والعقق البرق إذا رأيته في وسط السحاب كأنه سيف مسلول . وعقيقة البرق : ما انعق منه أي : تسرب في السحاب ، يقال منه : انعق البرق ، وبه سمي السيف ; قال عنترة :


                                                          وسيفي كالعقيقة فهو كمعي     سلاحي لا أفل ولا فطارا

                                                          وانعق الغبار : انشق وسطع ; قال رؤبة :


                                                          إذا العجاج المستطار انعقا

                                                          وانعق الثوب : انشق ; عن ثعلب . والعقيقة : الشعر الذي يولد به الطفل لأنه يشق الجلد ; قال امرؤ القيس :


                                                          يا هند لا تنكحي بوهة     عليه عقيقته أحسبا

                                                          وكذلك الوبر لذي الوبر . والعقة : كالعقيقة ، وقيل : العقة في الناس والحمر خاصة ولم تسمع في غيرهما كما قال أبو عبيدة ; قال رؤبة :


                                                          طير عنها اللس حولي العقق

                                                          ويقال للشعر الذي يخرج على رأس المولود في بطن أمه عقيقة لأنها تحلق ، وجعل الزمخشري الشعر أصلا والشاة المذبوحة مشتقة منه . وفي الحديث : إن انفرقت عقيقته فرق أي : شعره ، سمي عقيقة تشبيها بشعر المولود . وأعقت الحامل : نبتت عقيقة ولدها في بطنها . وأعقت الفرس والأتان ، فهي معق وعقوق : وذلك إذا نبتت العقيقة في بطنها على الولد الذي حملته ; وأنشد لرؤبة :


                                                          قد عتق الأجدع بعد رق     بقارح أو زولة معق

                                                          وأنشد أيضا في لغة من يقول أعقت فهي عقوق وجمعها عقق :


                                                          سرا وقد أون تأوين العقق

                                                          أون : شربن حتى انتفخت بطونهن فصار كل حمار منهن كالأتان العقوق ، وهي التي تكامل حملها وقرب ولادها ، ويروى أون على وزن فعلن يريد بذلك الجماعة من الحمير ، ويروى أون على وزن فعل ، يريد الواحد منها . والعقاق - بالفتح : الحمل ، وكذلك العقق ; قال عدي بن زيد :


                                                          وتركن العير يدمى نحره     ونحوصا سمحجا فيها عقق

                                                          وقال أبو عمرو : أظهرت الأتان عقاقا - بفتح العين - إذا تبين حملها ، ويقال للجنين عقاق ; وقال :


                                                          جوانح يمزعن مزع الظبا     ء لم يتركن لبطن عقاقا

                                                          أي : جنينا ; هكذا قال الشافعي : العقاق ، بهذا المعنى في آخر كتاب الصرف ، وأما الأصمعي فإنه يقول : العقاق مصدر العقوق ، وكان أبو عمرو يقول : عقت فهي عقوق . وأعقت فهي معق ، واللغة الفصيحة أعقت فهي عقوق . وعق عن ابنه يعق ويعق : حلق عقيقته أو ذبح عنه شاة ، وفي التهذيب : يوم أسبوعه ، فقيده بالسابع ، واسم تلك الشاة العقيقة . وفي الحديث : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : في العقيقة عن الغلام شاتان مثلان ، وعن الجارية شاة ; وفيه : أنه عق عن الحسن والحسين - رضوان الله عليهما - وروي عنه أنه قال : مع الغلام عقيقته فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى . وفي الحديث : الغلام مرتهن بعقيقته ; قيل : معناه أن أباه يحرم شفاعة ولده إذا لم يعق عنه ، وأصل العقيقة الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد ، وإنما سميت تلك الشاة التي تذبح في تلك الحال عقيقة لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح ، ولهذا قال في الحديث : أميطوا عنه الأذى ، يعني بالأذى ذلك الشعر الذي يحلق عنه ، وهذا من الأشياء التي ربما سميت باسم غيرها إذا كانت معها أو من سببها فسميت الشاة عقيقة لعقيقة الشعر . وفي الحديث : أنه سئل عن العقيقة فقال : لا أحب العقوق ، ليس فيه توهين لأمر العقيقة ولا إسقاط لها ، وإنما كره الاسم وأحب أن تسمى بأحسن منه كالنسيكة والذبيحة ، جريا على عادته في تغيير الاسم القبيح . والعقيقة : صوف الجذع ، والجنيبة : صوف الثني ; قال أبو عبيد : وكذلك كل مولود من البهائم فإن الشعر الذي يكون عليه حين يولد عقيقة وعقيق وعقة ، بالكسر ; وأنشد لابن الرقاع يصف العير :


                                                          تحسرت عقة عنه فأنسلها     واجتاب أخرى جديدا بعدما ابتقلا
                                                          مولع بسواد في أسافله     منه احتذى وبلون مثله اكتحلا

                                                          فجعل العقيقة الشعر لا الشاة ، يقول : لما تربع وأكل بقول الربيع أنسل الشعر المولود معه وأنبت الآخر ، فاجتابه أي : اكتساه ، قال أبو منصور : ويقال لذلك الشعر عقيق ، بغير هاء ; ومنه قول الشماخ :


                                                          أطار عقيقه عنه نسالا     وأدمج دمج ذي شطن بديع

                                                          أراد شعره الذي يولد عليه أنه أنسله عنه . قال : والعق في الأصل الشق والقطع ، وسميت الشعرة التي يخرج المولود من بطن أمه وهي عليه عقيقة ; لأنها إن كانت على رأس الإنسي حلقت فقطعت ، وإن كانت على البهيمة فإنها تنسلها ، وقيل للذبيحة عقيقة لأنها تذبح فيشق حلقومها ومريئها وودجاها قطعا كما سميت ذبيحة بالذبح ، وهو الشق . ويقال للصبي إذا نشأ مع حي حتى شب وقوي فيهم . عقت تميمته في بني فلان ، والأصل في ذلك أن الصبي ما دام طفلا تعلق أمه عليه التمائم ، وهي الخرز ، تعوذه من العين ، فإذا كبر قطعت عنه ; ومنه قول الشاعر :


                                                          بلاد بها عق الشباب تميمتي     وأول أرض مس جلدي ترابها

                                                          وقال أبو عبيدة : عقيقة الصبي غرلته إذا ختن . والعقوق من البهائم : الحامل ، وقيل : هي من الحافر خاصة ، والجمع عقق وعقاق ، وقد [ ص: 232 ] أعقت ، وهي معق وعقوق ، فمعق على القياس وعقوق على غير القياس ، ولا يقال معق إلا في لغة رديئة ، وهو من النوادر . وفرس عقوق إذا انعق بطنها واتسع للولد ; وكل انشقاق فهو انعقاق ; وكل شق وخرق في الرمل وغيره فهو عق ، ومنه قيل للبرق إذا انشق عقيقة . وقال أبو حاتم في الأضداد : زعم بعض شيوخنا أن الفرس الحامل يقال لها عقوق ويقال أيضا للحائل عقوق ; وفي الحديث : أتاه رجل معه فرس عقوق أي : حائل ، قال : وأظن هذا على التفاؤل كأنهم أرادوا أنها ستحمل إن شاء الله . وفي الحديث : من أطرق مسلما فعقت له فرسه كان كأجر كذا ; عقت أي : حملت . والإعقاق بعد الإقصاص فالإقصاص في الخيل والحمر أول الحمل ثم الإعقاق بعد ذلك . والعقيقة : المزادة . والعقيقة : النهر . والعقيقة : العصابة ساعة تشق من الثوب . والعقيقة : نواة رخوة كالعجوة تؤكل . ونوى العقوق : نوى هش لين رخو الممضغة تأكله العجوز أو تلوكه تعلفه الناقة العقوق إلطافا لها ، فلذلك أضيف إليها ، وهو من كلام أهل البصرة ولا تعرفه الأعراب في باديتها . وفي المثل : أعز من الأبلق العقوق ; يضرب لما لا يكون ، وذلك أن الأبلق من صفات الذكور ، والعقوق الحامل ، والذكر لا يكون حاملا ، وإذا طلب الإنسان فوق ما يستحق قالوا : طلب الأبلق العقوق ، فكأنه طلب أمرا لا يكون أبدا ; ويقال : إن رجلا سأل معاوية أن يزوجه أمه هندا فقال : أمرها إليها وقد قعدت عن الولد وأبت أن تتزوج ، فقال : فولني مكان كذا ، فقال معاوية متمثلا :


                                                          طلب الأبلق العقوق فلما     لم ينله أراد بيض الأنوق

                                                          والأنوق : طائر يبيض في قنن الجبال ، فبيضه في حرز إلا أنه مما لا يطمع فيه ، فمعناه أنه طلب ما لا يكون ، فلما لم يجد ذلك طلب ما يطمع في الوصول إليه ، وهو مع ذلك بعيد . ومن أمثال العرب السائرة في الرجل يسأل ما لا يكون وما لا يقدر عليه : كلفتني الأبلق العقوق ، ومثله : كلفتني بيض الأنوق ; وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          فلو قبلوني بالعقوق أتيتهم     بألف أؤديه من المال أقرعا

                                                          يقول : لو أتيتهم بالأبلق العقوق ما قبلوني ، وقال ثعلب : لو قبلوني بالأبيض العقوق لأتيتهم بألف ، وقيل : العقوق موضع ; وأنشد ابن السكيت هذا البيت الذي أنشده ابن الأعرابي وقال : يريد ألف بعير . والعقيقة : سهم الاعتذار ; قالت الأعراب : إن أصل هذا أن يقتل رجل من القبيلة ، فيطالب القاتل بدمه ، فتجتمع جماعة من الرؤساء إلى أولياء القتيل ويعرضون عليهم الدية ويسألون العفو عن الدم ، فإن كان وليه قويا حميا أبى أخذ الدية ، وإن كان ضعيفا شاور أهل قبيلته فيقول للطالبين : إن بيننا وبين خالقنا علامة للأمر والنهي ، فيقول لهم الآخرون : ما علامتكم ؟ فيقولون : نأخذ سهما فنركبه على قوس ثم نرمي به نحو السماء فإن رجع إلينا ملطخا بالدم فقد نهينا عن أخذ الدية ، ولم يرضوا إلا بالقود ، وإن رجع نقيا كما صعد فقد أمرنا بأخذ الدية ، وصالحوا ، قال : فما رجع هذا السهم قط إلا نقيا ، ولكن لهم بهذا عذر عند جهالهم ; وقال شاعر من أهل القتيل ، وقيل من هذيل ، وقال ابن بري : هو للأشعر الجعفي وكان غائبا عن هذا الصلح :


                                                          عقوا بسهم ثم قالوا صالحوا     يا ليتني في القوم إذ مسحوا اللحى

                                                          قال : وعلامة الصلح مسح اللحى ; قال أبو منصور : وأنشد الشافعي للمتنخل الهذلي :


                                                          عقوا بسهم ولم يشعر به أحد     ثم استفاؤوا وقالوا حبذا الوضح

                                                          أخبر أنهم آثروا إبل الدية وألبانها على دم قاتل صاحبهم ، والوضح هاهنا اللبن ، ويروى : عقوا بسهم - بفتح القاف - وهو من باب المعتل . وعق بالسهم : رمى به نحو السماء . وماء عق مثل قع وعقاق : شديد المرارة ، الواحد والجمع فيه سواء . وأعقت الأرض الماء : أمرته ; وقول الجعدي :


                                                          بحرك بحر الجود ما أعقه     ربك والمحروم من لم يسقه

                                                          معناه ما أمره ، وأما ابن الأعرابي فقال : أراد ما أقعه من الماء القع وهو المر أو الملح فقلب ، وأراه لم يعرف ماء عقا لأنه لو عرفه لحمل الفعل عليه ولم يحتج إلى القلب . ويقال : ماء قعاع وعقاق إذا كان مرا غليظا ، وقد أقعه الله وأعقه . والعقيق : خرز أحمر يتخذ منه الفصوص ، الواحدة عقيقة ; ورأيت في حاشية بعض نسخ التهذيب الموثوق بها : قال أبو القاسم : سئل إبراهيم الحربي عن الحديث : " لا تختموا بالعقيق " فقال : هذا تصحيف إنما هو " لا تخيموا بالعقيق " أي : لا تقيموا به لأنه كان خرابا . والعقة : التي يلعب بها الصبيان . وعقعق الطائر بصوته : جاء وذهب . والعقعق : طائر معروف من ذلك وصوته العقعقة . قال ابن بري : وروى ثعلب عن إسحاق الموصلي أن العقعق يقال له الشججى . وفي حديث النخعي : يقتل المحرم العقعق ; قال ابن الأثير : هو طائر معروف ذو لونين أبيض وأسود طويل الذنب ، قال : وإنما أجاز قتله لأنه نوع من الغربان . وعقة : بطن من النمر بن قاسط ; قال الأخطل :


                                                          وموقع أثر السفار بخطمه     من سود عقة أو بني الجوال

                                                          الموقع : الذي أثر القتب في ظهره ، وبنو الجوال : في بني تغلب . ويقال للدلو إذا طلعت من البئر ملأى : قد عقت عقا ، ومن العرب من يقول : عقت تعقية ، وأصلها عققت ، فلما اجتمعت ثلاث قافات قلبوا إحداها ياء كما قالوا تظنيت من الظن ; وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          عقت كما عقت دلوف العقبان

                                                          شبه الدلو وهي تشق هواء البئر طالعة بسرعة بالعقاب تدلف في طيرانها نحو الصيد . وعقان النخيل والكروم : ما يخرج من أصولها ، وإذا لم تقطع العقان فسدت الأصول . وقد أعقت النخلة والكرمة : أخرجت عقانها . وفي ترجمة قعع : القعقعة والعقعقة حركة القرطاس والثوب الجديد .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية