الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          555 - مسألة : صلاة الكسوف على وجوه - : أحدها - أن تصلي ركعتين كسائر التطوع ، وهذا في كسوف الشمس ، وفي كسوف القمر أيضا - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث هو ابن سعيد التنوري - ثنا يونس هو ابن عبيد - عن الحسن عن أبي بكرة قال : { خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يجر رداءه ، حتى انتهى إلى المسجد ، فثاب الناس فصلى بهم ركعتين ، فانجلت الشمس ، فقال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، وإنهما لا يخسفان لموت أحد ، وإذا كان ذلك فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم ، وذلك أن ابنا للنبي صلى الله عليه وسلم مات ، يقال له : إبراهيم ، فقال ناس في ذلك }

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي ثنا يزيد هو ابن زريع ثنا يونس هو ابن عبيد - عن الحسن عن أبي بكرة { كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس ، فقام إلى المسجد يجر رداءه من العجلة ، فقام إليه الناس ، فصلى ركعتين كما يصلون ، فلما انجلت خطبنا ، فقال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته [ ص: 312 ] فإذا رأيتم كسوف أحدهما فصلوا حتى ينجلي } .

                                                                                                                                                                                          وروينا نحو هذا أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص يوم مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن فيه تطويل الركوع والسجود والقيام .

                                                                                                                                                                                          فأخذ بهذا طائفة من السلف - : منهم عبد الله بن الزبير : صلى في الكسوف ركعتين كسائر الصلوات : فإن قيل : قد خطأه أخوه عروة ؟

                                                                                                                                                                                          قلنا : عروة أحق بالخطأ ; لأن عبد الله صاحب ، وعروة ليس بصاحب وعبد الله عمل بعلم ، وأنكر عروة ما لم يعلم .

                                                                                                                                                                                          وبهذا يقول أبو حنيفة .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا الوجه يصلى لكسوف الشمس ، ولكسوف القمر في جماعة ، ولو صلى ذلك عند كل آية تظهر - من زلزلة أو نحوها - لكان حسنا ، لأنه فعل خير وإن شاء صلى ركعتين ويسلم ، ثم ركعتين ويسلم ، هكذا حتى ينجلي الكسوف في الشمس والقمر ، والآيات كما ذكرنا حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني ثنا الحارث بن عمير البصري عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير قال : { كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين ويسأل عنها حتى انجلت } .

                                                                                                                                                                                          وروينا أيضا قوله عليه السلام { فصلوا حتى تنجلي } عن أبي بكرة ، كما ذكرنا آنفا .

                                                                                                                                                                                          وعن المغيرة بن شعبة ، وعن ابن عمر ، وأبي مسعود ، بأسانيد في غاية الصحة ، وهذا اللفظ يقتضي ما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                          وهذا قول طائفة من السلف - : روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري والربيع بن صبيح .

                                                                                                                                                                                          وقال سفيان : عن [ ص: 313 ] المغيرة عن إبراهيم النخعي وقال الربيع : عن الحسن ثم اتفق الحسن وإبراهيم قالا جميعا في الكسوف : صلى ركعتين ركعتين ، وإن شاء ذكر الله تعالى ودعا بعد أن يكبر قائما ، فإذا انجلى الكسوف قرأ وركع ركعتين - هذا في الشمس والقمر والآيات أيضا - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن الجريري عن حيان بن عمير أبي العلاء { عن عبد الرحمن بن سمرة - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال : كنت أرمي بأسهم لي في المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كسفت الشمس ، فنبذتها ، وقلت : والله لأنظرن إلى ما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس ، قال : فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع يديه ، فجعل يسبح ويحمد ويهلل ، ويكبر ، ويدعو حتى حسر عنها ، فلما حسر عنها قرأ سورتين وصلى ركعتين } .

                                                                                                                                                                                          وإن شاء لكسوف الشمس خاصة إن كسفت بعد صلاة الفجر إلى أن يصلي الظهر - : صلى ركعتين كما قدمنا .

                                                                                                                                                                                          وإن كسفت من بعد صلاة الظهر إلى أخذها في الغروب : صلى أربع ركعات ، كصلاة الظهر ، أو العصر وفي كسوف القمر خاصة : إن كسف بعد صلاة المغرب إلى أن تصلي العشاء الآخرة : صلى ثلاث ركعات كصلاة المغرب .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 314 ] وإن كسف بعد صلاة العتمة إلى الصبح : صلى أربعا : كصلاة العتمة - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار ثنا عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي - ثنا خالد هو الحذاء عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير قال : { انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يجر ثوبه فزعا ، حتى أتى المسجد ، فلم يزل يصلي بنا حتى انجلت فلما انجلت قال : إن ناسا يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء ، وليس كذلك ، إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، ولكنهما آيتان من آيات الله تعالى ، وإن الله إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له فإذا رأيتم ذلك فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة } .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : إن أبا قلابة قد روى هذا الحديث عن رجل عن قبيصة العامري ؟ قلنا : نعم ، فكان ماذا ؟ وأبو قلابة قد أدرك النعمان فروى هذا الخبر عنه .

                                                                                                                                                                                          ورواه أيضا عن آخر فحدث بكلتا روايتيه ، ولا وجه للتعلل بمثل هذا أصلا ولا معنى له ؟ وإن شاء في كسوف الشمس خاصة : صلى ركعتين ، في كل ركعة ركعتان ، يقرأ ثم يركع ثم يرفع ، فيقرأ .

                                                                                                                                                                                          ثم يركع ثم يرفع فيقول : " سمع الله لمن حمده " ثم يسجد سجدتين . ثم يقوم فيركع أخرى ، في كل ركعة ركعتان ، كما وصفنا ، ثم يسجد سجدتين ، ثم يجلس ويتشهد ويسلم .

                                                                                                                                                                                          وهو قول مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأبي ثور ؟ حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك بن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس قال : [ ص: 315 ] { انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام قياما طويلا نحوا من قراءة سورة البقرة ، ثم ركع ركوعا طويلا ، ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ، ثم سجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ، ثم سجد ثم انصرف } .

                                                                                                                                                                                          وذكر باقي الخبر ؟

                                                                                                                                                                                          وروينا أيضا مثله عن عائشة رضي الله عنها وإن شاء صلى في كسوف الشمس خاصة ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات ، يقرأ ثم يركع ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقول : " سمع الله لمن حمده " ثم يسجد سجدتين : ثم يقوم فيركع أيضا ركعة فيها ثلاث ركعات كما ذكرنا ، ثم يرفع ثم يسجد ، ثم يجلس ويتشهد ويسلم ؟ .

                                                                                                                                                                                          وقد روينا ما يظن فيه هذا الفعل عن ابن عباس - : روينا من طريق حماد بن سلمة : أنا قتادة عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس : أنه صلى في زلزلة بالبصرة ، قام بالناس فكبر أربعا ثم قرأ ثم كبر وركع ، ثم رفع رأسه فكبر أربعا ، ثم قرأ ما شاء الله أن يقرأ ، ثم كبر فركع .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق معمر عن قتادة وعاصم الأحول كلاهما عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس أنه صلى بالبصرة في الزلزلة فأطال القنوت ، ثم ركع ثم رفع رأسه فأطال القنوت ، ثم ركع ثم رفع رأسه فأطال القنوت ، ثم ركع ، ثم سجد ، ثم صلى الثانية كذلك ، فصار ثلاث ركعات في أربع سجدات . وقال : هكذا صلاة الآيات ؟

                                                                                                                                                                                          قال قتادة : صلى حذيفة بالمدائن بأصحابه مثل صلاة ابن عباس في الآيات ثلاث ركعات ثم سجد سجدتين ، وفعل في الأخرى مثل ذلك ؟ [ ص: 316 ] ومن طريق وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة أم المؤمنين قالت : صلاة الآيات ست ركعات في أربع سجدات وإن شاء صلى في كسوف الشمس خاصة ركعتين في كل ركعة أربع ركعات ، يقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقول : " سمع الله لمن حمده " ثم يسجد سجدتين ، ثم يفعل في الثانية كذلك أيضا سواء بسواء ، ثم يجلس ويتشهد ويسلم

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا إسماعيل ابن علية عن سفيان الثوري عن حبيب هو ابن أبي ثابت - عن طاوس عن ابن عباس قال : { صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كسفت الشمس ثماني ركعات في أربع سجدات } وعن علي رضي الله عنه مثل ذلك

                                                                                                                                                                                          وبه إلى مسلم : ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري ثنا حبيب هو ابن أبي ثابت - عن طاوس عن ابن عباس { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في كسوف ، قرأ ثم ركع ، ثم قرأ ثم ركع ، ثم قرأ ثم ركع ، ثم قرأ ثم ركع ، ثم سجد ، قال : والأخرى مثلها } .

                                                                                                                                                                                          وهو قول علي كما ذكرنا ؟ وقد فعله أيضا ابن عباس ، وحبيب بن أبي ثابت روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أن سليمان الأحول أخبره أن طاوسا أخبره - أن ابن عباس : صلى إذ كسفت الشمس - على ظهر صفة زمزم - ركعتين في كل ركعة أربع ركعات .

                                                                                                                                                                                          وعن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت : أنه صلى في كسوف الشمس ركعتين ، في كل ركعة أربع ركعات ، كما روى .

                                                                                                                                                                                          وإن شاء صلى في كسوف الشمس خاصة ركعتين ، في كل ركعة خمس ركعات ، يقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع ثم يسجد سجدتين ثم الثانية كذلك أيضا ثم يجلس [ ص: 317 ] ويتشهد ويسلم ؟

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - ثنا معاذ بن هشام الدستوائي حدثني أبي عن قتادة في صلاة الآيات عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن عائشة أم المؤمنين { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ست ركعات في أربع سجدات } .

                                                                                                                                                                                          ورويناه أيضا مبينا في كسوف الشمس بصفة العمل كذلك من طريق أبي بن كعب .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع عن المبارك بن فضالة عن الحسن البصري : أن علي بن أبي طالب صلى في كسوف عشر ركعات في أربع سجدات ؟ قال أبو محمد : كل هذا في غاية الصحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمن عمل به من صاحب أو تابع ؟ وروي عن العلاء بن زياد العدوي - وهو من كبار التابعين أن صفة صلاة الكسوف : أن يقرأ ثم يركع فإن لم تنجل ركع ثم رفع ، فقرأ هكذا أبدا حتى تنجلي ، فإذا انجلت سجد ثم ركع الثانية .

                                                                                                                                                                                          وعن إسحاق بن راهويه نحو هذا ؟ قال أبو محمد : لا يحل الاقتصار على بعض هذه الآثار دون بعض ; لأنها كلها سنن ، ولا يحل النهي عن شيء من السنن ؟

                                                                                                                                                                                          فأما مالك : فإنه في اختياره بعض ما روي من طريق ابن عباس ، وعائشة رضي الله عنهما وتقليد أصحابه له في ذلك - : هادمون أصلا لهم كبيرا ، وهو أن الثابت عن عائشة ، وابن عباس خلاف ما رويا مما اختاره مالك كما أوردنا آنفا .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 318 ] ومن أصلهم أن الصاحب إذا صح عنه خلاف ما روى كان ذلك دليلا على نسخه ; لأنه لا يترك ما روى إلا لأن عنده علما بسنة هي أولى من التي ترك ، وهذا مما تناقضوا فيه ؟ وأما أبو حنيفة ومن قلده : فإنهم عارضوا سائر ما روي بأن قالوا : لم نجد في الأصول صفة شيء من هذه الأعمال ؟ قال أبو محمد : وهذا ضلال يؤدي إلى الانسلاخ من الإسلام ؟ لأنهم مصرحون بأن لا يؤخذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ، ولا يطاع له أمر - : إلا حتى يوجد في سائر الديانة حكم آخر مثل هذا الذي خالفوا ، ومع هذا فهو حمق من القول .

                                                                                                                                                                                          وليت شعري من أين وجب أن لا تؤخذ لله شريعة إلا حتى توجد أخرى مثلها وإلا فلا ؟ وما ندري هذا يجب ، لا بدين ولا بعقل ، ولا برأي سديد ، ولا بقول متقدم ، وما هم بأولى من آخر ، قال : بل لا آخذ بها حتى أجد لها نظيرين أو من ثالث قال : لا حتى أجد لها ثلاث نظائر ؟ والزيادة ممكنة لمن لا دين له ولا عقل ولا حياء ثم نقضوا هذا فجوزوا صلاة الخوف كما جوزوها ، ولم يجدوا لها في الأصول نظيرا ، في أن يقف المأموم في الصلاة بعد دخوله فيها مختارا للوقوف ، لا يصلي بصلاة إمامه ، ولا يتم ما بقي عليه ؟ وجوزوا البناء في الحدث ، ولم يجدوا في الأصول لها نظيرا ، أن يكون في صلاته بلا طهارة ، ثم لا يعمل عمل صلاته ، ولا هو خارج عنها ، والقوم لا يبالون بما قالوا ؟ وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يجهر في صلاة الكسوف وقال من احتج لهم : لو جهر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعرف بما قرأ ؟ قال أبو محمد : هذا احتجاج فاسد ، وقد عرف ما قرأ ؟

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن مهران هو الرازي - ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن نمر عبد الرحمن - سمع ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت : { جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف بقراءته } .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 319 ] حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا العباس بن الوليد بن يزيد أخبرني أبي ثنا الأوزاعي أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ قراءة طويلة فجهر بها } في صفتها لصلاة الكسوف ؟

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : قطع عائشة ، وعروة ، والزهري ، والأوزاعي بأنه عليه السلام جهر فيها - : أولى من ظنون هؤلاء الكاذبة .

                                                                                                                                                                                          وقد روينا من طريق أبي بن كعب { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في أول ركعة من صلاة الكسوف سورة من الطول } .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : إن سمرة روى فقال : { إنه عليه السلام صلى في الكسوف لا نسمع له صوتا } ؟ [ ص: 320 ] قلنا : هذا لا يصح ; لأنه لم يروه إلا ثعلبة بن عباد العبدي ، وهو مجهول ، ثم لو صح لم تكن لهم فيه حجة ، لأنه ليس فيه أنه عليه السلام لم يجهر وإنما فيه { لا نسمع له صوتا } وصدق سمرة في أنه لم يسمعه ، ولو كان بحيث يسمعه لسمعه كما سمعته عائشة رضي الله عنها التي كانت قريبا من القبلة في حجرتها ، وكلاهما صادق

                                                                                                                                                                                          ثم لو كان فيه " لم يجهر " لكان خبر عائشة زائدا على ما في خبر سمرة ، والزائد أولى ، أو لكان كلا الأمرين جائزا لا يبطل أحدهما الآخر ، فكيف وليس فيه شيء من هذا ؟

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : ولا نعلم اختيار المالكيين روي عمله عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ببيان اقتصاره على ذلك العمل ؟ فإن قيل : كيف تكون هذه الأعمال صحاحا كلها وإنما صلاها عليه السلام مرة واحدة إذ مات إبراهيم ؟ قلنا : هذا هو الكذب والقول بالجهل - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عبدة بن عبد الرحيم أنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف - في صفة زمزم - أربع ركعات وأربع سجدات } . فهذه صلاة كسوف كانت بمكة سوى التي كانت بالمدينة ، وما رووا قط عن أحد " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل الكسوف إلا مرة " . [ ص: 321 ] وكسوف الشمس يكون متواترا ، بين كل كسوفين خمسة أشهر قمرية ، فأي نكرة في أن يصلي عليه السلام فيه عشرات من المرات في نبوته ؟ صورة المراصد الفلكية لكسوف الشمس [ ص: 322 ] وأما اقتصارنا على ما وصفنا في صلاة كسوف القمر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى } فلا يجوز أن تكون صلاة إلا مثنى مثنى ، إلا صلاة جاء نص جلي صحيح بأنها أقل من مثنى أو أكثر من مثنى ، كما جاء في كسوف الشمس ، فيوقف عند ذلك ولا تضرب الشرائع بعضها ببعض ، بل كلها حق ؟ وإنما قلنا بصلاة الكسوف القمري ، والآيات في جماعة ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين } . ويصليها : النساء ، والمنفرد ، والمسافرون ، كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية