الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6526 ) مسألة : قال : ( وإذا طلق الرجل زوجته طلاقا لا يملك فيه الرجعة ، فلا سكنى لها ، ولا نفقة ، إلا أن تكون حاملا ) وجملة الأمر ، أن الرجل إذا طلق امرأته طلاقا بائنا ، فإما أن يكون ثلاثا ، أو بخلع ، أو بانت بفسخ ، وكانت حاملا فلها النفقة والسكنى ، بإجماع أهل العلم ; لقول الله تعالى { : أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } وفي بعض أخبار فاطمة بنت قيس : { لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا } ولأن الحمل ولده ، فيلزمه الإنفاق عليه ، ولا يمكنه النفقة عليه ، إلا بالإنفاق عليها ، فوجب ، كما وجبت أجرة الرضاع وإن كانت حائلا ، فلا نفقة لها

                                                                                                                                            وفي السكنى روايتان : ; إحداهما : لها ذلك وهو قول عمر ، وابنه وابن مسعود ، وعائشة ، وفقهاء المدينة السبعة ومالك ، والشافعي ; للآية ، والرواية الثانية ، لا سكنى لها ، ولا نفقة وهي ظاهر المذهب ، وقول علي ، وابن عباس ، وجابر ، وعطاء ، وطاوس ، والحسن وعكرمة ، وميمون بن مهران ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وداود وقال أكثر الفقهاء العراقيين : لها السكنى والنفقة وبه قال ابن شبرمة ، وابن أبي ليلى ، والثوري ، والحسن بن صالح ، وأبو حنيفة وأصحابه ، والبتي ، والعنبري ; لأن ذلك يروى عن عمر ، وابن مسعود ولأنها مطلقة ، فوجبت لها النفقة والسكنى ، كالرجعية

                                                                                                                                            وردوا خبر فاطمة بنت قيس بما روي عن عمر ، أنه قال : لا ندع كتاب ربنا ، وسنة نبينا ، لقول امرأة وأنكرته عائشة ، وسعيد بن المسيب ، وتأولوه ولنا ، ما روت فاطمة بنت قيس ، { أن زوجها طلقها ألبتة وهو غائب ، فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطته ، فقال : والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : ليس لك عليه نفقة ولا سكنى فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك } متفق عليه وفي لفظ : { فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظري يا ابنة قيس إنما النفقة للمرأة على [ ص: 186 ] زوجها ما كانت له عليها الرجعة ، فإذا لم يكن له عليها الرجعة ، فلا نفقة ولا سكنى } رواه الإمام أحمد ، والأثرم ، والحميدي ، وغيرهم قال ابن عبد البر من طريق الحجة وما يلزم منها ، قول أحمد ابن حنبل ومن تابعه أصح وأحج ; لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصا صريحا ، فأي شيء يعارض هذا إلا مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي هو المبين عن الله مراده ؟ ولا شيء يدفع ذلك ومعلوم أنه أعلم بتأويل قول الله تعالى : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم }

                                                                                                                                            وأما قول عمر ، ومن وافقه ، فقد خالفه علي وابن عباس ، ومن وافقهما ، والحجة معهم ، ولو لم يخالفه أحد منهم ، لما قبل قوله المخالف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة على عمر وعلى غيره ، ولم يصح عن عمر أنه قال : لا ندع كتاب ربنا ، وسنة نبينا ، لقول امرأة فإن أحمد أنكره ، وقال : أما هذا فلا ، ولكن قال : لا نقبل في ديننا قول امرأة وهذا أمر يرده الإجماع على قبول قول المرأة في الرواية ، فأي حجة في شيء يخالفه الإجماع ، وترده السنة ، ويخالفه فيه علماء الصحابة قال إسماعيل بن إسحاق : نحن نعلم أن عمر لا يقول : لا ندع كتاب ربنا إلا لما هو موجود في كتاب الله والذي في الكتاب أن لها النفقة إذا كانت حاملا ، بقوله سبحانه : { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن }

                                                                                                                                            وأما غير ذوات الحمل فلا يدل الكتاب إلا على أنهن لا نفقة لهن ; لاشتراطه الحمل في الأمر بالإنفاق وقد روى أبو داود ، وغيره من الأئمة ، بإسنادهم عن ابن عباس ، قال { ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما يعني المتلاعنين وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت } ولأن هذه محرمة عليه تحريما لا تزيله الرجعة ، فلم يكن لها سكنى ولا نفقة ، كالملاعنة أو كالأجنبية ، وفارقت الرجعية في ذلك وأما الرجعية ، فلها السكنى والنفقة ; للآية والخبر والإجماع ، ولأنها زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية