الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ علا ]

                                                          علا : علو كل شيء وعلوه وعلوه وعلاوته وعاليه وعاليته : أرفعه ، يتعدى إليه الفعل بحرف وبغير حرف كقولك قعدت علوه وفي علوه . قال ابن السكيت : سفل الدار وعلوها وسفلها وعلوها ، وعلا الشيء علوا فهو علي ، وعلي وتعلى ؛ وقال بعض الرجاز :


                                                          وإن تقل يا ليته استبلا


                                                          من مرض أحرضه وبلا


                                                          تقل لأنفيه ولا تعلى

                                                          وفي حديث ابن عباس : فإذا هو يتعلى عني . أي : يترفع علي . وعلاه علوا واستعلاه واعلولاه ، وعلا به وأعلاه وعلاه وعالاه وعالى به ؛ قال :


                                                          كالثقل إذ عالى به المعلي

                                                          [ ص: 268 ] ويقال : علا فلان الجبل إذا رقيه يعلوه علوا ، وعلا فلان فلانا إذا قهره . والعلي : الرفيع . وتعالى : ترفع ؛ وقول أبي ذؤيب :


                                                              علوناهم بالمشرفي وعريت
                                                          نصال السيوف تعتلي بالأماثل

                                                          تعتلي : تعتمد ، وعداه بالباء ؛ لأنه في معنى تذهب بهم . وأخذه من عل ومن عل ؛ قال سيبويه : حركوه كما حركوا أول حين قالوا ابدأ بهذا أول ، وقالوا : من علا وعلو ، ومن عال ومعال ؛ قال أعشى باهلة :

                                                          إني أتتني لسان لا أسر بها من علو لا عجب منها ولا سخر ويروى : من علو وعلو . أي : أتاني خبر من أعلى ؛ وأنشد يعقوب لدكين بن رجاء في أتيته من عال :


                                                          ينجيه من مثل حمام الأغلال


                                                          وقع يد عجلى ورجل شملال


                                                          ظمأى النسا من تحت ريا من عال

                                                          يعني فرسا ؛ وقال ذو الرمة في من معال :


                                                          فرج عنه حلق الأغلال


                                                          جذب العرى وجرية الجبال


                                                          ونغضان الرحل من معال

                                                          أراد فرج عن جنين الناقة حلق الأغلال - يعني : حلق الرحم - سيرنا ، وقيل : رمى به من عل الجبل أي : من فوقه ؛ وقول العجلي :


                                                          أقب من تحت عريض من علي

                                                          إنما هو محذوف المضاف إليه لأنه معرفة وفي موضع المبني على الضم ، ألا تراه قابل به ما هذه حاله ، وهو قوله : من تحت ، وينبغي أن تكتب علي في هذا الموضع بالياء ، وهو فعل في معنى فاعل ، أي : أقب من تحته ، عريض من عاليه : بمعنى أعلاه . والعالي والسافل : بمنزلة الأعلى والأسفل ؛ قال :


                                                          ما هو إلا الموت يغلي غاليه


                                                          مختلطا سافله بعاليه


                                                          لابد يوما أنني ملاقيه

                                                          وقولهم : جئت من عل أي : من أعلى كذا . قال ابن السكيت : يقال أتيته من عل ، بضم اللام ، وأتيته من علو ، بضم اللام وسكون الواو ، وأتيته من علي بياء ساكنة ، وأتيته من علو ، بسكون اللام وضم الواو ، ومن علو ومن علو .

                                                          قال الجوهري : ويقال أتيته من عل الدار بكسر اللام أي : من عال ؛ قال امرؤ القيس :


                                                          مكر مفر مقبل مدبر     معا كجلمود صخر حطه السيل من عل

                                                          وأتيته من علا ؛ قال أبو النجم :

                                                          باتت تنوش الحوض نوشا من علا نوشا به تقطع أجواز الفلا وأتيته من عل بضم اللام ؛ أنشد يعقوب لعدي بن زيد :

                                                          في كناس ظاهر يستره من عل الشفان هداب الفنن وأما قول أوس :

                                                          فملك بالليط الذي تحت قشرها كغرقئ بيض كنه القيض من علو فإن الواو زائدة ، وهي لإطلاق القافية ولا يجوز مثله في الكلام .

                                                          وقال الفراء في قوله تعالى : عاليهم ثياب سندس خضر قرئ عاليهم بفتح الياء ، وعاليهم بسكونها ، قال : فمن فتحها جعلها كالصفة فوقهم ، قال : والعرب تقول قومك داخل الدار ، فينصبون داخل لأنه محل ، فعاليهم من ذلك ، وقال الزجاج : لا نعرف عالي في الظروف ، قال : ولعل الفراء سمع ب " عالي " في الظروف ، قال : ولو كان ظرفا لم يجز إسكان الياء ، ولكنه نصبه على الحال من شيئين : أحدهما من الهاء والميم في قوله تعالى : يطوف عليهم ثم قال : عاليهم ثياب سندس أي : في حال علو الثياب إياهم ، قال : ويجوز أن يكون حالا من الولدان ، قال : والنصب في هذا بين ، قال : ومن قرأ عاليهم فرفعه بالابتداء والخبر ثياب سندس ، قال : وقد قرئ عاليتهم ، بالنصب ، وعاليتهم ، بالرفع ، والقراءة بهما لا تجوز لخلافهما المصحف ، وقرئ : عليهم ثياب سندس ، وتفسير نصب عاليتهم ورفعها كتفسير عاليهم وعاليهم . والمستعلي من الحروف سبعة وهي : الخاء والغين والقاف والضاد والصاد والطاء والظاء ، وما عدا هذه الحروف فمنخفض ، ومعنى الاستعلاء أن تتصعد في الحنك الأعلى ، فأربعة منها مع استعلائها إطباق ، وأما الخاء والغين والقاف فلا إطباق مع استعلائها . والعلاء : الرفعة . والعلاء : اسم سمي بذلك ، وهو معرفة بالوضع دون اللام ، وإنما أقرت اللام بعد النقل ، وكونه علما مراعاة لمذهب الوصف فيها قبل النقل ، ويدل على تعرفه بالوضع قولهم أبو عمرو بن العلاء ، فطرحهم التنوين من عمرو إنما هو لأن ابنا مضاف إلى العلم ، فجرى مجرى قولك أبو عمرو بن بكر ، ولو كان العلاء معرفا باللام لوجب ثبوت التنوين كما تثبته مع ما تعرف باللام ، نحو جاءني أبو عمرو ابن الغلام وأبو زيد ابن الرجل ، وقد ذهب علاء وعلوا . وعلا النهار واعتلى واستعلى : ارتفع .

                                                          والعلو : العظمة والتجبر . وقال الحسن البصري ومسلم البطين في قوله تعالى : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا قال : العلو التكبر في الأرض ، وقال الحسن : الفساد المعاصي ، وقال مسلم : الفساد أخذ المال بغير حق ، وقال تعالى : إن فرعون علا في الأرض جاء في التفسير أن معناه طغى في الأرض . يقال : علا فلان في الأرض إذا استكبر وطغى . وقوله تعالى : ولتعلن علوا كبيرا معناه لتبغن ولتتعظمن . ويقال لكل متجبر : قد علا وتعظم . والله عز وجل هو العلي المتعالي العالي الأعلى ذو العلا والعلاء والمعالي ، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وهو الأعلى سبحانه بمعنى العالي ، وتفسير تعالى : جل ونبا عن كل ثناء فهو أعظم وأجل وأعلى مما يثنى عليه لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ قال الأزهري : وتفسير هذه الصفات لله سبحانه يقرب بعضها من بعض ، فالعلي الشريف [ ص: 269 ] فعيل من علا يعلو ، وهو بمعنى العالي ، وهو الذي ليس فوقه شيء .

                                                          ويقال : هو الذي علا الخلق فقهرهم بقدرته . وأما المتعالي : فهو الذي جل عن إفك المفترين وتنزه عن وساوس المتحيرين ، وقد يكون المتعالي بمعنى العالي . والأعلى : هو الله الذي هو أعلى من كل عال واسمه الأعلى أي : صفته أعلى الصفات ، والعلاء : الشرف ، وذو العلا : صاحب الصفات العلا ، والعلا : جمع العليا أي : جمع الصفة العليا والكلمة العليا ، ويكون العلى جمع الاسم الأعلى ، وصفة الله العليا شهادة أن لا إله إلا الله ، فهذه أعلى الصفات ، ولا يوصف بها غير الله وحده لا شريك له ، ولم يزل الله عليا عاليا متعاليا ، تعالى الله عن إلحاد الملحدين ، وهو العلي العظيم . وعلا في الجبل والمكان وعلى الدابة وكل شيء وعلاه علوا واستعلاه واعتلاه مثله ، وتعلى أي : علا في مهلة . وعلي بالكسر في المكارم والرفعة والشرف يعلى علاء ، ويقال أيضا : علا بالفتح يعلى ؛ قال رؤبة فجمع بين اللغتين :


                                                          لما علا كعبك لي عليت     دفعك دأداني وقد جويت

                                                          قال ابن سيده : كذا أنشده يعقوب وأبو عبيد :

                                                          علا كعبك لي ؛ ووجهه     عندي علا كعبك بي

                                                          أي : أعلاني ؛ لأن الهمزة والباء يتعاقبان ، وحكى اللحياني علا في هذا المعنى . ويقال : فلان تعلو عنه العين بمعنى تنبو عنه العين ، وإذا نبا الشيء عن الشيء ولم يلصق به فقد علا عنه . وفي الحديث : تعلو عنه العين أي : تنبو عنه ولا تلصق به ؛ ومنه حديث النجاشي : وكانوا بهم أعلى عينا أي : أبصر بهم وأعلم بحالهم . وفي حديث قيلة : لا يزال كعبك عاليا أي : لا تزالين شريفة مرتفعة على من يعاديك . وفي حديث حمنة بنت جحش : كانت تجلس في المركن ثم تخرج وهي عالية الدم . أي : يعلو دمها الماء . واعل على الوسادة ، أي : اقعد عليها . وأعل عنها ، أي : انزل عنها ؛ أنشد أبو بكر الإيادي لامرأة من العرب عنن عنها زوجها :


                                                          فقدتك من بعل علام تدكني بصدرك     لا تغني فتيلا ولا تعلي

                                                          أي : لا تنزل وأنت عاجز عن الإيلاج .

                                                          وعال عني وأعل عني : تنح .

                                                          وعال عنا أي : اطلب حاجتك عند غيرنا فإنا نحن لا نقدر لك عليها ، كأنك تقول : تنح عنا إلى من سوانا . وفي حديث ابن مسعود : فلما وضعت رجلي على مذمر أبي جهل قال : أعل عنج . أي : تنح عني ، وأراد بعنج : عني ، وهي لغة قوم يقلبون الياء في الوقف جيما . وعال علي أي : احمل ؛ وقول أمية بن أبي الصلت :


                                                          سلع ما ومثله عشر     ما عائل ما وعالت البيقورا

                                                          أي أن السنة الجدبة أثقلت البقر بما حملت من السلع والعشر .

                                                          ورجل عالي الكعب : شريف ثابت الشرف عالي الذكر . وفي حديث أحد : قال أبو سفيان لما انهزم المسلمون وظهروا عليهم : اعل هبل ، فقال عمر رضي الله عنه : الله أعلى وأجل ، فقال لعمر : أنعمت ، فعال عنها .

                                                          كان الرجل من قريش إذا أراد ابتداء أمر عمد إلى سهمين فكتب على أحدهما نعم ، وعلى الآخر لا ، ثم يتقدم إلى الصنم ويجيل سهامه ، فإن خرج سهم نعم أقدم ، وإن خرج سهم لا امتنع ، وكان أبو سفيان لما أراد الخروج إلى أحد استفتى هبل فخرج له سهم الإنعام ، فذلك قوله لعمر رضي الله عنه : أنعمت فعال أي : تجاف عنها ، ولا تذكرها بسوء ، يعني آلهتهم . وفي حديث : اليد العليا خير من اليد السفلى .

                                                          العليا المتعففة ، والسفلى السائلة ؛ روي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما وروي عنه أنها المنفقة ، وقيل : العليا المعطية والسفلى الآخذة ، وقيل : السفلى المانعة . والمعلاة : كسب الشرف ؛ قال الأزهري : المعلاة مكسب الشرف ، وجمعها المعالي .

                                                          قال ابن بري : ويقال في واحدة المعالي : معلوة . ورجل علي أي : شريف ، وجمعه علية . يقال : فلان من علية الناس أي : من أشرافهم وجلتهم لا من سفلتهم ، أبدلوا من الواو ياء لضعف حجز اللام الساكنة ، ومثله صبي وصبية ، وهو جمع رجل علي أي : شريف رفيع . وفلان من علية قومه وعليهم وعليهم أي : في الشرف والكثرة . قال ابن بري : ويقال رجل علي أي : صلب ؛ قال الشاعر :


                                                          وكل علي قص أسفل ذيله فشمر     عن ساق وأوظفة عجر

                                                          ويقال : فرس علي .

                                                          والعلية والعلية جميعا : الغرفة ، على بناء حرية ، قال : وهي في التصريف فعولة ، والجمع العلالي ؛ قال الجوهري : هي فعيلة مثل مريقة ، وأصله عليوة ، فأبدلت الواو ياء وأدغمت ؛ لأن هذه الواو إذا سكن ما قبلها صحت ، كما ينسب إلى الدلو دلوي ، قال : وبعضهم يقول : هي العلية بالكسر على فعيلة ، وبعضهم يجعلها من المضاعف ، قال : وليس في الكلام فعيلة . وقال الأصمعي : العلي جمع الغرف ، واحدتها علية ؛ قال العجاج :


                                                          وبيعة لسورها علي

                                                          وقال أبو حاتم : العلالي من البيوت واحدتها علية ، قال : ووزن علية فعيلة ، العين شديدة . قال الأزهري : وعلية أكثر من علية . وفي حديث عمر رضي الله عنه : فارتقى علية . هو من ذلك ، بضم العين وكسرها . وعلا به وأعلاه وعلاه : جعله عاليا .

                                                          والعالية : أعلى القناة ، وأسفلها السافلة ، وجمعها العوالي ، وقيل : العالية القناة المستقيمة ، وقيل : هو النصف الذي يلي السنان ، وقيل : عالية الرمح رأسه ؛ وبه فسر السكري قول أبي ذؤيب :

                                                          أقبا الكشوح أبيضان كلاهما كعالية الخطي واري الأزاند أي : كل واحد منهما كرأس الرمح في مضيه . وفي حديث ابن عمر : أخذت بعالية رمح ، قال : وهي ما يلي السنان من القناة .

                                                          وعوالي الرماح : أسنتها ، واحدتها عالية ؛ ومنه قول الخنساء حين خطبها دريد بن الصمة : أترونني تاركة بني عمي كأنهم عوالي الرماح ومرتثة شيخ بني جشم . شبهتهم بعوالي الرماح لطراءة شبابهم وبريق سحنائهم وحسن وجوههم ، وقيل : عالية الرمح ما دخل في السنان إلى ثلثه ، والعالية : ما فوق أرض نجد إلى أرض تهامة وإلى ما وراء مكة ، وهي الحجاز وما والاها ، وفي الحديث ذكر العالية والعوالي في [ ص: 270 ] غير موضع من الحديث ، وهي أماكن بأعلى أراضي المدينة وأدناها من المدينة على أربعة أميال ، وأبعدها من جهة نجد ثمانية ، والنسب إليها عالي على القياس ، وعلوي نادر على غير قياس ؛ وأنشد ثعلب :


                                                          أأن هب علوي يعلل فتية     بنخلة وهنا فاض منك المدامع

                                                          وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما : وجاء أعرابي علوي جاف . وعالوا : أتوا العالية .

                                                          قال الأزهري : عالية الحجاز أعلاها بلدا وأشرفها موضعا ، وهي بلاد واسعة ، وإذا نسبوا إليها قيل علوي ، والأنثى علوية .

                                                          ويقال : عالى الرجل وأعلى إذا أتى عالية الحجاز ونجد ؛ قال بشر بن أبي خازم :

                                                          معالية لا هم إلا محجر وحرة ليلى السهل منها فلوبها وحرة ليلى وحرة شوران وحرة بني سليم في عالية الحجاز ، وعلى السطح عليا وعليا . وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه : ظلما وعليا . كل هذا عن اللحياني .

                                                          وعلى : حرف جر ، ومعناه استعلاء الشيء ، تقول : هذا على ظهر الجبل وعلى رأسه ، ويكون أيضا أن يطوي مستعليا كقولك : مر الماء عليه وأمررت يدي عليه ، وأما مررت على فلان فجرى هذا كالمثل . وعلينا أمير كقولك : عليه مال ؛ لأنه شيء اعتلاه ، وهذا كالمثل كما يثبت الشيء على المكان كذلك يثبت هذا عليه ، فقد يتسع هذا في الكلام ، ولا يريد سيبويه بقوله : عليه مال ؛ لأنه شيء اعتلاه أن اعتلاه من لفظ على ، إنما أراد أنها في معناها وليست من لفظها ، وكيف يظن ب سيبويه ذلك ، وعلى من ع ل ي واعتلاه من ع ل و ؟ وقد تأتي على بمعنى في ؛ قال أبو كبير الهذلي :


                                                          ولقد سريت على الظلام بمغشم     جلد من الفتيان غير مهبل

                                                          أي : في الظلام . ويجيء على في الكلام وهو اسم ، ولا يكون إلا ظرفا ، ويدلك على أنه اسم قول بعض العرب نهض من عليه ؛ قال مزاحم العقيلي :


                                                          غدت من عليه بعدما تم ظمؤها     تصل وعن قيض بزيزاء مجهل

                                                          وهو بمعنى عند ؛ وهذا البيت معناه غدت من عنده . وقوله في الحديث : فإذا انقطع من عليها رجع إليه الإيمان .

                                                          أي : من فوقها ، وقيل من عندها . وقالوا : رميت على القوس ورميت عنها ، ولا يقال رميت بها ؛ قال :


                                                          أرمي عليها وهي فرع أجمع

                                                          وفي الحديث : من صام الدهر ضيقت عليه جهنم .

                                                          قال ابن الأثير : حمل بعضهم هذا الحديث على ظاهره وجعله عقوبة لصائم الدهر ، كأنه كره صوم الدهر ، ويشهد لذلك منعه عبد الله بن عمرو عن صوم الدهر وكراهيته له ، وفيه بعد ؛ لأن صوم الدهر بالجملة قربة ، وقد صامه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله فما يستحق فاعله تضييق جهنم عليه ؛ وذهب آخرون إلى أن على هنا بمعنى عن . أي : ضيقت عنه فلا يدخلها ، وعن وعلى يتداخلان ؛ ومنه حديث أبي سفيان : لولا أن يأثروا علي الكذب لكذبت .

                                                          أي : يرووا عني . وقالوا : ثبت عليه مال أي : كثر ، وكذلك يقال : عليه مال ، يريدون ذلك المعنى ، ولا يقال له مال إلا من العين كما لا يقال عليه مال إلا من غير العين .

                                                          قال ابن جني : وقد يستعمل على في الأفعال الشاقة المستثقلة ، تقول : قد سرنا عشرا وبقيت علينا ليلتان ، وقد حفظت القرآن وبقيت علي منه سورتان ، وقد صمنا عشرين من الشهر وبقيت علينا عشر ، كذلك يقال في الاعتداد على الإنسان بذنوبه وقبح أفعاله ، وإنما اطردت على في هذه الأفعال من حيث كانت على في الأصل للاستعلاء والتفرع ، فلما كانت هذه الأحوال كلفا ، ومشاق تخفض الإنسان وتضعه وتعلوه وتتفرعه حتى يخنع لها ويخضع لما يتسداه منها ، كان ذلك من مواضع على ، ألا تراهم يقولون هذا لك وهذا عليك ، فتستعمل اللام فيما تؤثره وعلى فيما تكرهه ؟ وقالت الخنساء :


                                                          سأحمل نفسي على آلة     فإما عليها وإما لها وعليك

                                                          : من أسماء الفعل المغرى به ، تقول عليك زيدا أي : خذه ، وعليك بزيد كذلك ؛ قال الجوهري : لما كثر استعماله صار بمنزلة هلم ، وإن كان أصله الارتفاع ، وفسر ثعلب معنى قوله عليك بزيد فقال : لم يجئ بالفعل وجاء بالصفة فصارت كالكناية عن الفعل ، فكأنك إذا قلت عليك بزيد قلت افعل بزيد مثل ما تكني عن ضربت فتقول فعلت به . وفي الحديث : عليكم بكذا أي : افعلوه ، وهو اسم للفعل بمعنى خذ ، يقال : عليك زيدا وعليك بزيد أي : خذه . قال ابن جني : ليس زيدا من قولك عليك زيدا منصوبا بخذ الذي دلت عليه عليك ، إنما هو منصوب بنفس عليك من حيث كان اسما لفعل متعد . قال الأزهري : على لها معان والقراء كلهم يفخمونها ؛ لأنها حرف أداة .

                                                          قال أبو العباس في قوله تعالى : على رجل منكم جاء في التفسير : مع رجل منكم كما تقول جاءني الخير على وجهك ومع وجهك . وفي حديث زكاة الفطر : على كل حر وعبد صاع .

                                                          قال : على بمعنى مع ؛ لأن العبد لا تجب عليه الفطرة وإنما تجب على سيده . قال ابن كيسان : عليك ودونك وعندك إذا جعلن أخبارا فعن الأسماء ، كقولك : عليك ثوب وعندك مال ودونك مال ، ويجعلن إغراء فتجرى مجرى الفعل فينصبن الأسماء ، كقولك : عليك زيدا ودونك وعندك خالدا أي : الزمه وخذه ، وأما الصفات سواهن فيرفعن إذا جعلت أخبارا ولا يغرى بها . ويقولون : عليه دين ، ورأيته على أوفاز كأنه يريد النهوض . وتجيء على بمعنى عن ؛ قال الله عز وجل : إذا اكتالوا على الناس يستوفون معناه إذا اكتالوا عنهم . قال الجوهري : على لها ثلاثة مواضع ؛ قال المبرد : هي لفظة مشتركة للاسم والفعل والحرف لا أن الاسم هو الحرف أو الفعل ، ولكن يتفق الاسم والحرف في اللفظ ، ألا ترى أنك تقول على زيد ثوب ، فعلى هذه حرف ، وتقول علا زيدا ثوب ، فعلا هذه فعل من علا يعلو ؛ قالطرفة :

                                                          [ ص: 271 ] وتساقى القوم كأسا مرة وعلا الخيل دماء كالشقر ويروى : على الخيل .

                                                          قال سيبويه : ألف علا زيدا ثوب منقلبة من واو ، إلا أنها تقلب مع المضمر ياء ، تقول عليك ، وبعض العرب يتركها على حالها ؛ قال الراجز :


                                                          أي قلوص راكب تراها     فاشدد بمثني حقب حقواها
                                                          نادية وناديا أباها طاروا     علاهن فطر علاها

                                                          ويقال : هي بلغة بلحارث بن كعب .

                                                          قال ابن بري : أنشده أبو زيد :


                                                          ناجية وناجيا أباها

                                                          قال : وكذلك أنشده الجوهري في ترجمة نجا .

                                                          وقال أبو حاتم : سألت أبا عبيدة عن هذا الشعر فقال لي : انقط عليه ، هذا من قول المفضل . وعلى : حرف خافض ، وقد تكون اسما يدخل عليه حرف ؛ قال يزيد بن الطثرية :


                                                          غدت من عليه تنقض الطل بعدما     رأت حاجب الشمس استوى فترفعا

                                                          أي : غدت من فوقه ؛ لأن حرف الجر لا يدخل على حرف الجر ، وقولهم : كان كذا على عهد فلان . أي : في عهده ، وقد يوضع موضع من كقوله تعالى : إذا اكتالوا على الناس يستوفون أي : من الناس . وتقول : علي زيدا وعلي بزيد ؛ معناه أعطني زيدا ؛ قال ابن بري : وتكون على بمعنى الباء ؛ قال أبو ذؤيب :


                                                              وكأنهن ربابة وكأنه يسر
                                                          يفيض على القداح ويصدع

                                                          أي : بالقداح . وعلى : صفة من الصفات ، وللعرب فيها لغتان : كنت على السطح وكنت أعلى السطح ؛ قال الزجاج في قوله عليهم وإليهم : الأصل علاهم وإلاهم كما تقول إلى زيد وعلى زيد ، إلا أن الألف غيرت مع المضمر فأبدلت ياء لتفصل بين الألف التي في آخر المتمكنة وبين الألف في آخر غير المتمكنة التي الإضافة لازمة لها ، ألا ترى أن على ولدى وإلى لا تنفرد من الإضافة ؟ ولذلك قالت العرب في كلا في حال النصب والجر : رأيت كليهما وكليكما ومررت بكليهما ، ففصلت بين الإضافة إلى المظهر والمضمر لما كانت كلا لا تنفرد ، ولا تكون كلاما إلا بالإضافة .

                                                          والعلاوة : أعلى الرأس ، وقيل : أعلى العنق . يقال : ضربت علاوته أي : رأسه وعنقه . والعلاوة أيضا : رأس الإنسان ما دام في عنقه .

                                                          والعلاوة : ما يحمل على البعير وغيره ، وهو ما وضع بين العدلين ، وقيل : علاوة كل شيء ما زاد عليه .

                                                          يقال : أعطاه ألفا ودينارا علاوة ، وأعطاه ألفين وخمسمائة علاوة ، وجمع العلاوة علاوى مثل هراوة وهراوى .

                                                          وفي حديث معاوية : قال للبيد الشاعر : كم عطاؤك ؟ فقال : ألفان وخمسمائة فقال : ما بال العلاوة بين الفودين ؟ العلاوة : ما عولي فوق الحمل وزيد عليه ، والفودان : العدلان .

                                                          ويقال : عل علاواك على الأحمال وعالها .

                                                          والعلاوة : كل ما عليت به على البعير بعد تمام الوقر أو علقته عليه نحو السقاء والسفود ، والجمع العلاوى مثل إداوة وأداوى . والعلياء : رأس الجبل ، وفي التهذيب : رأس كل جبل مشرف ، وقيل : كل ما علا من الشيء ؛ قال زهير :


                                                          تبصر خليلي هل ترى من ظعائن     تحملن بالعلياء من فوق جرثم

                                                          والعلياء : السماء اسم لها ، وليس بصفة ، وأصله الواو إلا أنه شذ . والسماوات العلى : جمع السماء العليا ، والثنايا العليا والثنايا السفلى .

                                                          يقال للجماعة : عليا وسفلى ، لتأنيث الجماعة ؛ ومنه قوله تعالى : لنريك من آياتنا الكبرى ولم يقل الكبر ، وهو بمنزلة الأسماء الحسنى ، وبمنزلة قوله تعالى : ولي فيها مآرب أخرى . والعلياء : كل مكان مشرف وفي شعر العباس يمدح النبي صلى الله عليه وسلم :


                                                          حتى احتوى بيتك المهيمن     من خندف علياء تحتها النطق

                                                          قال : علياء اسم المكان المرتفع كاليفاع ، وليست بتأنيث الأعلى ؛ لأنها جاءت منكرة ، وفعلاء أفعل يلزمها التعريف .

                                                          والعليا : اسم للمكان العالي ، وللفعلة العالية على المثل ، صارت الواو فيها ياء ؛ لأن فعلى إذا كانت اسما من ذوات الواو أبدلت واوه ياء ، كما أبدلوا الواو مكان الياء في فعلى إذا كانت اسما فأدخلوها عليها في فعلى لتتكافآ في التغير ؛ قال ابن سيده : هذا قول سيبويه . ويقال : نزل فلان بعالية الوادي وسافلته ، فعاليته حيث ينحدر الماء منه ، وسافلته حيث ينصب إليه .

                                                          وعلا حاجته واستعلاها : ظهر عليها ، وعلا قرنه واستعلاه كذلك .

                                                          ورجل علو للرجال على مثال عدو ؛ عن ابن الأعرابي ، ولم يستثنها يعقوب في الأشياء التي حصرها كحسو وفسو ، وكل من قهر رجلا أو عدوا فإنه يقال علاه واعتلاه واستعلاه ، واستعلى عليه ، واستعلى على الناس : غلبهم وقهرهم وعلاهم .

                                                          قال الله عز وجل : وقد أفلح اليوم من استعلى قال الليث : الفرس إذا بلغ الغاية في الرهان يقال قد استعلى على الغاية . وعلوت الرجل : غلبته ، وعلوته بالسيف : ضربته . والعلو : ارتفاع أصل البناء . وقالوا في النداء : تعال أي : اعل ، ولا يستعمل في غير الأمر .

                                                          والتعالي : الارتفاع .

                                                          قال الأزهري : تقول العرب في النداء للرجل تعال بفتح اللام ، وللاثنين تعاليا ، وللرجال تعالوا ، وللمرأة تعالي ، وللنساء تعالين ، ولا يبالون أين يكون المدعو في مكان أعلى من مكان الداعي أو مكان دونه ، ولا يجوز أن يقال منه تعاليت ، ولا ينهى عنه . وتقول : تعاليت وإلى أي شيء أتعالى . وعلا بالأمر : اضطلع به واستقل ؛ قال كعب بن سعد الغنوي يخاطب ابنه علي بن كعب ، وقيل هو لعلي بن عدي الغنوي المعروف بابن الغدير :

                                                          اعمد لما تعلو فما لك بالذي لا تستطيع من الأمور يدان هكذا أورده الجوهري ؛ قال ابن بري : صوابه فاعمد بالفاء ؛ لأن قبله :

                                                          وإذا رأيت المرء يشعب أمره شعب العصا ويلج في العصيان يقول : إذا رأيت المرء يسعى في فساد حاله ويلج في عصيانك ومخالفة أمرك فيما يفسد حاله فدعه واعمد لما تستقل به من الأمر وتضطلع [ ص: 272 ] به ، إذ لا قوة لك على من لا يوافقك . وعلا الفرس : ركبه . وأعلى عنه : نزل . وعلى المتاع عن الدابة : أنزله ، ولا يقال أعلاه في هذا المعنى إلا مستكرها .

                                                          وعالوا نعيه : أظهروه ؛ عن ابن الأعرابي ، قال : ولا يقال أعلوه ولا علوه .

                                                          ابن الأعرابي : تعلى فلان إذا هجم على قوم بغير إذن ، وكذلك دمق ودمر . ويقال : عاليته على الحمار وعليته عليه ؛ وأنشد ابن السكيت :


                                                          عاليت أنساعي وجلب الكور     على سراة رائح ممطور

                                                          وقال :

                                                          فإلا تجللها يعالوك فوقها وكيف توقى ظهر ما أنت راكبه أي : يعلوك فوقها ؛ وقال رؤبة :


                                                          وإن هوى العاثر قلنا دعدعا     له وعالينا بتنعيش لعا

                                                          أبو سعيد : علوت على فلان الريح . أي : كنت في علاوتها .

                                                          ويقال : لا تعل الريح على الصيد فيراح ريحك وينفر . ويقال : كن في علاوة الريح وسفالتها ، فعلاوتها أن تكون فوق الصيد ، وسفالتها أن تكون تحت الصيد لئلا يجد الوحش رائحتك .

                                                          ويقال : أتيت الناقة من قبل مستعلاها أي : من قبل إنسيها .

                                                          والمعلى بفتح اللام : القدح السابع في الميسر ، وهو أفضلها ، إذا فاز حاز سبعة أنصباء من الجزور .

                                                          وقال اللحياني : وله سبعة قروض وله غنم سبعة أنصباء إن فاز ، وعليه غرم سبعة أنصباء إن لم يفز . والعلاة : الصخرة ، وقيل : صخرة يجعل لها إطار من الأخثاء ومن اللبن والرماد ثم يطبخ فيها الأقط ، وتجمع علا ؛ وأنشد أبو عبيد :


                                                          وقالوا عليكم عاصما     نستغث به رويدك حتى
                                                          يصفق البهم عاصم     وحتى ترى أن العلاة
                                                          تمدها جخادية والرائحات الرواسم

                                                          يريد : أن تلك العلاة يزيد فيها جخادية ، وهي قربة ملأى لبنا أو غرارة ملأى تمرا أو حنطة ، يصب منها في العلاة للتأقيط ، فذلك مدها فيها . قال الجوهري : والعلاة حجر يجعل عليه الأقط ؛ قال مبشر بن هذيل الشمجي :


                                                          لا ينفع الشاوي فيها شاته     ولا حماراه ولا علاته

                                                          والعلاة : الزبرة التي يضرب عليها الحداد الحديد . والعلاة : السندان .

                                                          وفي حديث عطاء في مهبط آدم : هبط بالعلاة .

                                                          وهي السندان ، والجمع العلا . ويقال للناقة : علاة ، تشبه بها في صلابتها ، يقال : ناقة علاة الخلق ؛ قال الشاعر :

                                                          ومتلف بين موماة بمهلكة جاوزتها بعلاة الخلق عليان أي : طويلة جسيمة . وذكر ابن بري عن الفراء أنه قال : ناقة عليان بكسر العين وذكر أبو علي أنه يقال : رجل عليان وعليان ، وأصل الياء واو انقلبت ياء كما قالوا صبية وصبيان ؛ وعليه قول الأجلح :


                                                          تقدمها كل علاة عليان

                                                          ويقال : رجل عليان مثل عطشان ، وكذلك المرأة ، يستوي فيه المذكر والمؤنث . وفي التنزيل : وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد قيل في تفسيره : أنزل العلاة والمر . وعلى الحبل : أعاده إلى موضعه من البكرة يعليه ، ويقال للرجل الذي يرد حبل المستقي بالبكرة إلى موضعه منها إذا مرس المعلي والرشاء المعلى . وقال أبو عمرو : التعلية أن ينتأ بعض الطي أسفل البئر فينزل رجل في البئر يعلي الدلو عن الحجر الناتئ ؛ وأنشد لعدي :


                                                          كهوي الدلو نزاها المعل

                                                          أراد المعلي وقال :


                                                          لو أن سلمى أبصرت مطلي     تمتح أو تدلج أو تعلي

                                                          وقيل : المعلي الذي يرفع الدلو مملوءة إلى فوق يعين المستقي بذلك . وعلوان الكتاب : سمته كعنوانه ، وقد عليته ، هذا أقيس .

                                                          ويقال : علونته علونة وعلوانا وعنونته عنونة وعنوانا . قال أبو زيد : علوان كل شيء ما علا منه ، وهو العنوان ؛ وأنشد :


                                                          وحاجة دون أخرى قد سمحت     بها جعلتها للذي أخفيت عنوانا

                                                          أي : أظهرت حاجة وكتمت أخرى ، وهي التي أريغ فصارت هذه عنوانا لما أردت .

                                                          قال الأزهري : العرب تبدل اللام من النون في حروف كثيرة مثل لعلك ولعنك ، وعتله إلى السجن وعتنه ، وكأن علوان الكتاب اللام فيه مبدلة من النون ، وقد مضى تفسيره .

                                                          ورجل عليان وعليان : ضخم طويل ، والأنثى بالهاء . وناقة عليان : طويلة جسيمة ؛ عن ابن الأعرابي ؛ وأنشد :


                                                          أنشد من خوارة عليان     مضبورة الكاهل كالبنيان

                                                          وقال اللحياني : ناقة علاة وعلية وعليان مرتفعة السير لا ترى أبدا إلا أمام الركاب .

                                                          والعليان : الطويل من الضباع ، وقيل : الذكر من الضباع ، قال الأزهري : هذا تصحيف وإنما يقال لذكر الضباع عثيان بالثاء فصحفه الليث وجعل بدل الثاء لاما ، وقد تقدم ذكره . وبعير عليان : ضخم ؛ وقال اللحياني : هو القديم الضخم . وصوت عليان : جهير ؛ عنه أيضا ، والياء في كل ذلك منقلبة عن واو لقرب الكسرة وخفاء اللام بمشابهتها النون مع السكون . والعلاية : موضع ؛ قال أبو ذؤيب :


                                                          فما أم خشف بالعلاية فارد تنوش     البرير حيث نال اهتصارها

                                                          قال ابن جني : الياء في العلاية بدل عن واو ، وذلك أنا لا نعرف في الكلام تصريف ع ل ي ، إنما هو ع ل و ، فكأنه في الأصل علاوة ، إلا أنه غير إلى الياء من حيث كان علما ، والأعلام مما يكثر فيها التغيير والخلاف كموهب وحيوة ومحبب ، وقد قالوا : الشكاية ، فهذه نظير العلاية ، إلا أن هذا ليس بعلم . وفي الحديث ذكر العلا بالضم والقصر : هو موضع من ناحية وادي القرى نزله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى تبوك وبه مسجد . واعتلى الشيء : قوي عليه وعلاه ؛ قال :

                                                          [ ص: 273 ]

                                                          إني إذا ما لم تصلني خلتي     وتباعدت مني اعتليت بعادها

                                                          أي : علوت بعادها ببعاد أشد منه ؛ وقوله أنشده ابن الأعرابي لبعض ولد بلال بن جرير :


                                                          لعمرك إني يوم فيد لمعتل بما     ساء أعدائي على كثرة الزجر

                                                          فسره فقال : معتل عال قادر قاهر . والعلي : الصلب الشديد القوي . وعالية تميم : هم بنو عمرو بن تميم ، وهم بنو الهجيم والعنبر ومازن . وعليا مضر : أعلاها ، وهم قريش وقيس . والعلية من الإبل والمعتلية والمستعلية : القوية على حملها . وللناقة حالبان : أحدهما يمسك العلبة من الجانب الأيمن ، والآخر يحلب من الجانب الأيسر ، فالذي يحلب يسمى المعلي والمستعلي ، والذي يمسك يسمى البائن ؛ قال الأزهري : المستعلي هو الذي يقوم على يسار الحلوبة ، والبائن الذي يقوم على يمينها ، والمستعلي يأخذ العلبة بيده اليسرى ويحلب باليمنى ؛ وقال الكميت في المستعلي والبائن :

                                                          يبشر مستعليا بائن من الحالبين بأن لا غرارا والمستعلي الذي يحلبها من شقها الأيسر ، والبائن من الأيمن . قال الجوهري : المعلي بكسر اللام الذي يأتي الحلوبة من قبل يمينها . والعلاة أيضا : شبيه بالعلبة يجعل حواليها الخثي ، يحلب بها . وناقة علاة : عالية مشرفة ؛ قال :


                                                          حرف علنداة علاة ضمعج

                                                          ويقال : علية حلية أي : حلوة المنظر والسير علية فائقة . والعلاة : فرس عمرو بن جبلة ، صفة غالبة .

                                                          وعولي السمن والشحم في كل ذي سمن : صنع حتى ارتفع في الصنعة ؛ عن اللحياني ؛ وأنشد غيره قول طرفة :


                                                          لها عضدان عولي النحض فيهما     كأنهما بابا منيف ممرد

                                                          وحكى اللحياني عن العامرية : كان لي أخ هني علي أي : يتأنث للنساء . وعلي : اسم ، فإما أن يكون من القوة ، وإما أن يكون من علا يعلو . وعليون : جماعة علي في السماء السابعة إليه يصعد بأرواح المؤمنين . وقوله تعالى : كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين أي : في أعلى الأمكنة . يقول القائل : كيف جمعت عليون بالنون وهذا من جمع الرجال ؟ قال : والعرب إذا جمعت جمعا لا يذهبون فيه إلى أن له بناء من واحد واثنين ، وقالوا في المذكر والمؤنث بالنون من ذلك عليون ، وهو شيء فوق شيء غير معروف واحده ولا اثناه . قال : وسمعت العرب تقول أطعمنا مرقة مرقين ؛ تريد اللحمان إذا طبخت بماء واحد ؛ وأنشد :

                                                          قد رويت إلا دهيدهينا قليصات وأبيكرينا فجمع بالنون ؛ لأنه أراد العدد الذي لا يحد آخره ؛ وكذلك قول الشاعر :


                                                          فأصبحت المذاهب قد أذاعت     بها الإعصار بعد الوابلينا

                                                          أراد المطر بعد المطر غير محدود ، وكذلك عليون ارتفاع بعد ارتفاع .

                                                          قال أبو إسحاق في قوله جل وعز : لفي عليين أي : في أعلى الأمكنة وما أدراك ما عليون قال : وإعراب هذا الاسم كإعراب الجمع ؛ لأنه على لفظ الجمع كما تقول هذه قنسرون ورأيت قنسرين ، وعليون السماء السابعة ؛ قال الأزهري : ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليين كما تراءون الكوكب الدري في أفق السماء .

                                                          قال ابن الأثير : عليون اسم للسماء السابعة ، وقيل : هو اسم لديوان الملائكة الحفظة يرفع إليه أعمال الصالحين من العباد ، وقيل : أراد أعلى الأمكنة وأشرف المراتب وأقربها من الله في الدار الآخرة ، ويعرب بالحروف والحركات كقنسرين وأشباهها ، على أنه جمع أو واحد ؛ قال أبو سعيد : هذه كلمة معروفة عند العرب أن يقولوا لأهل الشرف في الدنيا والثروة والغنى : أهل عليين ، فإذا كانوا متضعين قالوا سفليون . والعليون في كلام العرب : الذين ينزلون أعالي البلاد ، فإذا كانوا ينزلون أسافلها فهم سفليون . ويقال : هذه الكلمة تستعلي لساني إذا كانت تعتره وتجري عليه كثيرا . وتقول العرب : ذهب الرجل علاء وعلوا ولم يذهب سفلا إذا ارتفع . وتعلت المرأة : طهرت من نفاسها . وفي حديث سبيعة : أنها لما تعلت من نفاسها أي : خرجت من نفاسها وسلمت ، وقيل : تشوفت لخطابها ، ويروى : تعالت أي : ارتفعت وظهرت ، قال : ويجوز أن يكون من قولهم تعلى الرجل من علته إذا برأ ؛ ومنه قول الشاعر :


                                                          ولا ذات بعل من نفاس تعلت

                                                          وتعلى المريض من علته : أفاق منها . ويعلى : اسم ؛ فأما قوله :


                                                          قد عجبت مني ومن يعيليا     لما رأتني خلقا مقلوليا

                                                          فإنه أراد من يعيلي فرده إلى أصله بأن حرك الياء ضرورة ، وأصل الياءات الحركة ، وإنما لم ينون ؛ لأنه لا ينصرف . قال الجوهري : ويعيلي مصغر : اسم رجل ، قال ابن بري : صوابه يعيل ، وإذا نسب الرجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قالوا علوي ، وإذا نسبوا إلى بني علي وهم قبيلة من كنانة قالوا هؤلاء العليون ؛ وروي عن ابن الأعرابي في قوله :


                                                          بنو علي كلهم سواء

                                                          قال : بنو علي من بني العبلات من بني أمية الأصغر ، كان ولي من بعد طلحة الطلحات ؛ لأن أمهم عبلة بنت حادل من البراجم ، وهي أم ولد ابن أمية الأصغر . وعلوان ومعلى : اسمان ، والنسب إلى معلى معلوي . وتعلى : اسم امرأة . وأخذ مالي علوة أي : عنوة ؛ حكاها اللحياني عن الرؤاسي . وحكى أيضا أنه يقال للكثير المال : اعل به أي : ابق بعده ، قال ابن سيده : وعندي أنه دعاء له بالبقاء ؛ وقول طفيل الغنوي :


                                                          ونحن منعنا يوم حرس نساءكم     غداة دعانا عامر غير معتل

                                                          إنما أراد مؤتلي ، فحول الهمزة عينا . يقال : فلان غير مؤتل في الأمر وغير معتل أي : غير مقصر . والمعتلي : فرس عقبة بن مدلج .

                                                          والمعلي [ ص: 274 ] أيضا : اسم فرس الأشعر الشاعر . وعلوى : اسم فرس سليك . وعلوى : اسم فرس خفاف بن ندبة ، وهي التي يقول فيها :


                                                          وقفت له علوى وقد خام صحبتي     لأبني مجدا أو لأثأر هالكا

                                                          وقيل : علوى فرس خفاف بن عمير . قال الأزهري : وعلوى اسم فرس كانت من سوابق خيل العرب .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية