الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        202 - الحديث السادس : عن أبي عبيد مولى ابن أزهر واسمه سعد بن عبيد - قال { : شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما : يوم فطركم من صيامكم ، واليوم الآخر : تأكلون فيه من نسككم . }

                                        [ ص: 419 ]

                                        التالي السابق


                                        [ ص: 419 ] مدلوله : المنع من صوم يومي العيد . ويقتضي ذلك عدم صحة صومهما بوجه من الوجوه . وعند الحنفية في الصحة مخالفة في بعض الوجوه . فقالوا : إذا نذر صوم يوم العيد وأيام التشريق : صح نذره . وخرج عن العهدة بصوم ذلك . وطريقهم فيه : أن الصوم له جهة عموم وجهة خصوص . فهو من حيث إنه صوم : يقع الامتثال به . ومن حيث إنه صوم عيد : يتعلق به النهي ، والخروج عن العهدة : يحصل بالجهة الأولى ، أعني كونه صوما . والمختار عند غيرهم : خلاف ذلك . وبطلان النذر ، وعدم صحة الصوم : والذي يدعى من الجهتين بينهما تلازم ههنا . ولا انفكاك . فيتمكن النهي من هذا الصوم . فلا يصح أن يكون قربة . فلا يصح نذره .

                                        بيانه : أن النهي ورد عن صوم يوم العيد . والناذر له معلق لنذره بما تعلق به النهي وهذا بخلاف الصلاة في الدار المغصوبة ، عند من يقول بصحتها . فإنه لم يحصل التلازم بين جهة العموم ، أعني كونها صلاة وبين جهة الخصوص أعني كونها حصولا في مكان مغصوب ، وأعني بعدم التلازم ههنا : عدمه في الشريعة . فإن الشرع وجه الأمر إلى مطلق الصلاة ، والنهي إلى مطلق الغصب . وتلازمهما واجتماعهما إنما هو في فعل المكلف ، لا في الشريعة . فلم يتعلق النهي شرعا بهذا الخصوص ، بخلاف صوم يوم العيد فإن النهي ورد عن خصوصه . فتلازمت جهة العموم وجهة الخصوص في الشريعة . وتعلق النهي بعين ما وقع في النذر . فلا يكون قربة .

                                        وتكلم أهل الأصول في قاعدة تقتضي النظر في هذه المسألة وهو أن النهي عند الأكثرين لا يدل على صحة المنهي عنه ، وقد نقلوا عن محمد بن الحسن : أنه يدل على صحة المنهي عنه ; لأن النهي لا بد فيه من إمكان المنهي عنه : إذ لا يقال للأعمى : لا تبصر ، وللإنسان : لا تطر ، فإذا هذا المنهي عنه - أعني صوم يوم العيد - ممكن ، وإذا أمكن ثبتت الصحة ، وهذا ضعيف ; لأن الصحة إنما تعتمد التصور ، والإمكان العقلي أو العادي ، والنهي يمنع التصور الشرعي ، فلا يتعارضان ، وكان محمد بن الحسن يصرف اللفظ في المنهي عنه إلى المعنى الشرعي . [ ص: 420 ]

                                        وفي الحديث دلالة على أن الخطيب يستحب له أن يذكر في خطبته ما يتعلق بوقته من الأحكام ، كذكر النهي عن صوم يوم العيد في خطبة العيد ، فإن الحاجة تمس إلى مثل ذلك ، وفيه إشعار وتلويح بأن علة الإفطار في يوم الأضحى : الأكل من النسك .

                                        وفيه دليل على جواز الأكل من النسك ، وقد فرق بعض الفقهاء بين الهدي والنسك . وأجاز الأكل إلا من جزاء الصيد ، وفدية الأذى ، ونذر المساكين ، وهدي التطوع إذا عطب قبل محله . وجعل الهدي كجزاء الصيد . وما وجب لنقص في حج أو عمرة .




                                        الخدمات العلمية