الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عنق ]

                                                          عنق : العنق والعنق : وصلة ما بين الرأس والجسد ، يذكر ويؤنث . قال ابن بري : قولهم عنق هنعاء وعنق سطعاء يشهد بتأنيث العنق ، والتذكير أغلب . يقال : ضربت عنقه ، قاله الفراء وغيره ؛ وقال رؤبة يصف الآل والسراب :


                                                          تبدو لنا أعلامه بعد الغرق خارجة أعناقها من معتنق

                                                          ذكر السراب وانقماس الحبال فيه إلى أعاليها ، والمعتنق : مخرج أعناق الحبال من السراب ، أي : اعتنقت فأخرجت أعناقها ، وقد يخفف العنق فيقال عنق ، وقيل : من ثقل أنث ومن خفف ذكر ؛ قال سيبويه : عنق مخفف من عنق ، والجمع فيهما أعناق ، لم يجاوزوا هذا البناء . والعنق : طول العنق وغلظه ، عنق عنقا فهو أعنق ، والأنثى عنقاء بينة العنق . وحكى اللحياني : ما كان أعنق ولقد عنق عنقا يذهب إلى النقلة . ورجل معنق وامرأة معنقة : طويلا العنق . وهضبة معنقة وعنقاء : مرتفعة طويلة ؛ قال أبو كبير الهذلي :


                                                          عنقاء معنقة يكون أنيسها     ورق الحمام جميمها لم يؤكل

                                                          ابن شميل : معانيق الرمال حبال صغار بين أيدي الرمل ، الواحدة معنقة . وعانقه معانقة وعناقا : التزمه فأدنى عنقه من عنقه ، وقيل : المعانقة في المودة والاعتناق في الحرب ؛ قال :


                                                          يطعنهم وما ارتموا حتى إذا اطعنوا     ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا

                                                          وقد يجوز الافتعال في موضع المفاعلة ، فإذا خصصت بالفعل واحدا دون الآخر لم تقل إلا عانقه في الحالين ، قال الأزهري : وقد يجوز الاعتناق في المودة كالتعانق ، وكل في كل جائز . والعنيق : المعانق ؛ عن أبي حنيفة ؛ وأنشد :


                                                          وما راعني إلا زهاء معانقي     فأي عنيق بات لي لا أبا ليا

                                                          وفي حديث أم سلمة قالت : دخلت شاة فأخذت قرصا تحت دن لنا فقمت فأخذته من بين لحييها ، فقال : ما كان ينبغي لك أن تعنقيها .

                                                          أي : تأخذي بعنقها وتعصريها ، وقيل : التعنيق التخييب من العناق وهي الخيبة . وفي الحديث أنه قال لنساء عثمان بن مظعون لما مات : ابكين وإياكن وتعنق الشيطان ؛ هكذا جاء في مسند أحمد ، وجاء في غيره : ونعيق الشيطان ، فإن صحت الأولى فتكون من عنقه إذا أخذ بعنقه وعصر في حلقه ليصيح ، فجعل صياح النساء عند المصيبة مسببا عن الشيطان ؛ لأنه الحامل لهن عليه . وكلب أعنق : في عنقه بياض . والمعنقة : قلادة توضع في عنق الكلب ؛ وقد أعنقه : قلده إياها . وفي التهذيب : والمعنقة القلادة ، ولم يخصص . والمعنقة : دويبة . واعتنقت الدابة : وقعت في الوحل فأخرجت عنقها . والعانقاء : جحر مملوء ترابا رخوا يكون للأرنب واليربوع يدخل فيه عنقه إذا خاف . وتعنقت الأرنب بالعانقاء وتعنقتها كلاهما : دست عنقها فيه وربما غابت تحته ، وكذلك اليربوع ، وخص الأزهري به اليربوع فقال : العانقاء جحر من جحرة اليربوع يملؤه ترابا ، فإذا خاف اندس فيه إلى عنقه فيقال تعنق ، وقال المفضل : يقال لجحرة اليربوع الناعقاء والعانقاء والقاصعاء والنافقاء والراهطماء والداماء . ويقال : كان ذلك على عنق الدهر أي : على قديم الدهر . وعنق كل شيء : أوله . وعنق الصيف والشتاء : أولهما ومقدمتهما على المثل ، وكذلك عنق السن . قال ابن الأعرابي : قلت لأعرابي كم أتى عليك ؟ قال : أخذت بعنق الستين أي : أولها ، والجمع أعناق . وعنق الجبل : ما أشرف منه ، وقد تقدم ، والجمع كالجمع . والمعتنق : مخرج أعناق الحبال ؛ قال :


                                                          خارجة أعناقها من معتنق

                                                          وعنق الرحم : ما استدق منها مما يلي الفرج . والأعناق : الرؤساء . والعنق : الجماعة الكثيرة من الناس ، مذكر ، والجمع أعناق . وفي التنزيل : فظلت أعناقهم لها خاضعين أي : جماعاتهم ، على ما ذهب إليه أكثر المفسرين ، وقيل : أراد بالأعناق هنا الرقاب كقولك ذلت له رقاب القوم وأعناقهم ، وقد تقدم تفسير الخاضعين على التأويلين ، والله أعلم بما أراد . وجاء بالخبر على أصحاب الأعناق ؛ لأنه إذا خضع عنقه فقد خضع هو ، كما يقال قطع فلان إذا قطعت يده . وجاء القوم عنقا عنقا أي : طوائف ؛ قال الأزهري : إذا جاءوا فرقا ، كل جماعة منهم عنق ؛ قال الشاعر يخاطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه :


                                                          أبلغ أمير المؤمني     ن أخا العراق إذا أتيتا
                                                          أن العراق وأهله عنق     إليك فهيت هيتا

                                                          أراد أنهم أقبلوا إليك بجماعتهم ، وقيل : هم مائلون إليك ومنتظروك . ويقال : جاء القوم عنقا عنقا أي : رسلا رسلا وقطيعا قطيعا ؛ قال الأخطل :


                                                          وإذا المئون تواكلت أعناقها     فاحمل هناك على فتى حمال

                                                          قال ابن الأعرابي : أعناقها جماعاتها ، وقال غيره : ساداتها . وفي حديث يخرج عنق من النار .

                                                          أي : تخرج قطعة من النار . ابن شميل : إذا خرج من النهر ماء فجرى فقد خرج عنق . وفي الحديث : لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا .

                                                          أي : جماعات منهم ، وقيل : أراد بالأعناق الرؤساء والكبراء كما تقدم ، ويقال : هم عنق عليه كقولك هم إلب عليه ، وله عنق في الخير أي : سابقة . وقوله : المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة .

                                                          قال ثعلب : هو من قولهم له عنق في الخير أي : سابقة ، وقيل : إنهم أكثر الناس أعمالا ، وقيل : يغفر لهم مد صوتهم ، وقيل : يزادون على الناس ، وقال غيره : هو من طول الأعناق أي : الرقاب ؛ لأن الناس يومئذ في الكرب ، وهم في الروح والنشاط متطلعون مشرئبون لئن يؤذن لهم في دخول الجنة ؛ قال ابن الأثير : وقيل أراد أنهم يكونون يومئذ رؤساء سادة ، والعرب تصف السادة بطول الأعناق ، وروي أطول إعناقا بكسر الهمزة أي : أكثر إسراعا وأعجل إلى الجنة . وفي الحديث : لا يزال المؤمن معنقا صالحا [ ص: 306 ] ما لم يصب دما حراما .

                                                          أي : مسرعا في طاعته منبسطا في عمله ، وقيل : أراد يوم القيامة . والعنق : القطعة من المال . والعنق أيضا : القطعة من العمل ، خيرا كان أو شرا . والعنق من السير : المنبسط ، والعنيق كذلك . وسير عنق وعنيق : معروف ، وقد أعنقت الدابة ، فهي معنق ومعناق وعنيق ؛ واستعار أبو ذؤيب الإعناق للنجوم فقال :


                                                          بأطيب منها إذا ما النجو     م أعنقن مثل هوادي الصدر

                                                          وفي حديث معاذ وأبي موسى : أنهما كانا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ومعه أصحابه فأناخوا ليلة وتوسد كل رجل منهم بذراع راحلته ، قالا : فانتبهنا ولم نر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند راحلته فاتبعناه ؛ فأخبرنا عليه السلام أنه خير بين أن يدخل نصف أمته الجنة وبين الشفاعة ، وأنه اختار الشفاعة فانطلقنا معانيق إلى الناس نبشرهم ؛ قال شمر : قوله : معانيق ، أي : مسرعين يقال : أعنقت إليه أعنق إعناقا . وفي حديث أصحاب الغار : فانفرجت الصخرة فانطلقوا معانقين أي : مسرعين ، من عانق مثل أعنق إذا سارع وأسرع ، ويروى : فانطلقوا معانيق ؛ ورجل معنق وقوم معنقون ومعانيق ؛ قال القطامي :


                                                          طرقت جنوب رحالنا من مطرق     ما كنت أحسبها قريب المعنق

                                                          وقال ذو الرمة :


                                                          أشاقتك أخلاق الرسوم الدواثر     بأدعاص حوضى المعنقات النوادر

                                                          المعنقات : المتقدمات منها . والعنق والعنيق من السير : معروف ، وهما اسمان من أعنق إعناقا . وفي نوادر الأعراب : أعلقت وأعنقت . وبلاد معلقة ومعنقة : بعيدة . وقال أبو حاتم : المعانق هي مقرضات الأساقي لها أطواق في أعناقها ببياض . ويقال عنقت السحابة إذا خرجت من معظم الغيم تراها بيضاء لإشراق الشمس عليها ؛ وقال :


                                                          ما الشرب إلا نغبات فالصدر     في يوم غيم عنقت فيه الصبر

                                                          قال : والعنق ضرب من سير الدابة والإبل ، وهو سير مسبطر ؛ قال أبو النجم :


                                                          يا ناق سيري عنقا فسيحا     إلى سليمان فنستريحا

                                                          ونصب نستريح ؛ لأنه جواب الأمر بالفاء . وفرس معناق أي : جيد العنق . وقال ابن بري : يقال ناقة معناق تسير العنق ؛ قال الأعشى :


                                                          قد تجاوزتها وتحتي مروح     عنتريس نعابة معناق

                                                          وفي الحديث : أنه كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص . وفي الحديث : أنه بعث سرية فبعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني سليم فانتحى له عامر بن الطفيل فقتله ، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قتله قال : أعنق ليموت .

                                                          أي أن المنية أسرعت به وساقته إلى مصرعه . والمعنق : ما صلب وارتفع عن الأرض وحوله سهل ، وهو منقاد نحو ميل وأقل من ذلك ، والجمع معانيق ، توهموا فيه مفعالا لكثرة ما يأتيان معا نحو متئم ومتآم ومذكر ومذكار . والعنقاء : أكمة فوق جبل مشرف . والعناق : الحرة . والعناق : الأنثى من المعز ؛ أنشد ابن الأعرابي لقريط يصف الذئب :


                                                          حسبت بغام راحلتي عناقا     وما هي ويب غيرك بالعناق
                                                          فلو أني رميتك من قريب     لعاقك عن دعاء الذئب عاق

                                                          والجمع أعنق وعنق وعنوق . قال سيبويه : أما تكسيرهم إياه على أفعل فهو الغالب على هذا البناء من المؤنث ، وأما تكسيرهم له على فعول فلتكسيرهم إياه على أفعل ، إذ كانا يعتقبان على باب فعل . وقال الأزهري : العناق الأنثى من أولاد المعزى إذا أتت عليها سنة ، وجمعها عنوق ، وهذا جمع نادر ، وتقول في العدد الأقل : ثلاث أعنق وأربع أعنق ؛ قال الفرزدق :


                                                          دعدع بأعنقك القوائم إنني     في باذخ يا ابن المراغة عال

                                                          وقال أوس بن حجر في الجمع الكثير :


                                                          يصوع عنوقها أحوى زنيم     له ظأب كما صخب الغريم

                                                          وفي حديث الضحية : عندي عناق جذعة ؛ هي الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم له سنة . وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه : لو منعوني عناقا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ؛ قال ابن الأثير : فيه دليل على وجوب الصدقة في السخال وأن واحدة منها تجزئ عن الواجب في الأربعين منها إذا كانت كلها سخالا ولا يكلف صاحبها مسنة ؛ قال : وهو مذهب الشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا شيء في السخال ، وفيه دليل على أن حول النتاج حول الأمهات ، ولو كان يستأنف لها الحول لم يوجد السبيل إلى أخذ العناق . وفي حديث الشعبي : نحن في العنوق ولم نبلغ النوق ؛ قال ابن سيده : وفي المثل هذه العنوق بعد النوق ؛ يقول : مالك العنوق بعد النوق ، يضرب للذي يكون على حالة حسنة ثم يركب القبيح من الأمر ويدع حاله الأولى ، وينحط من علو إلى سفل ؛ قال الأزهري : يضرب مثلا للذي يحط عن مرتبته بعد الرفعة ، والمعنى أنه صار يرعى العنوق بعدما كان يرعى الإبل ، وراعي الشاء عند العرب مهين ذليل ، وراعي الإبل عزيز شريف ؛ وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          لا أذبح النازي الشبوب ولا     أسلخ يوم المقامة العنقا
                                                          لا آكل الغث في الشتاء ولا     أنصح ثوبي إذا هو انخرقا

                                                          وأنشد ابن السكيت :


                                                          أبوك الذي يكوي أنوف عنوقه     بأظفاره حتى أنس وأمحقا

                                                          وشاة معناق : تلد العنوق ؛ قال :


                                                          لهفي على شاة أبي السباق [ ص: 307 ]     عتيقة من غنم عتاق
                                                          مرغوسة مأمورة معناق

                                                          والعناق : شيء من دواب الأرض كالفهد ، وقيل : عناق الأرض دويبة أصغر من الفهد طويلة الظهر تصيد كل شيء حتى الطير ؛ قال الأزهري : عناق الأرض دابة فوق الكلب الصيني يصيد كما يصيد الفهد ، ويأكل اللحم وهو من السباع ؛ يقال : إنه ليس شيء من الدواب يؤبر أي : يعفي أثره إذا عدا غيره وغير الأرنب ، وجمعه عنوق أيضا ، والفرس تسميه سياه كوش ، قال : وقد رأيته بالبادية وهو أسود الرأس أبيض سائره . وفي حديث قتادة : عناق الأرض من الجوارح ؛ هي دابة وحشية أكبر من السنور وأصغر من الكلب . ويقال في المثل : لقي عناق الأرض ، وأذني عناق أي : داهية ؛ يريد أنها من الحيوان الذي يصطاد به إذا علم . والعناق : الداهية والخيبة ؛ قال :


                                                          أمن ترجيع قارية تركتم     سباياكم وأبتم بالعناق

                                                          القارية : طير أخضر تحبه الأعراب ، يشبهون الرجل السخي بها ؛ وذلك لأنه ينذر بالمطر ؛ وصفهم بالجبن فهو يقول : فزعتم لما سمعتم ترجيع هذا الطائر فتركتم سباياكم وأبتم بالخيبة . وقال علي بن حمزة : العناق في البيت المنكر أي : وأبتم بأمر منكر . وأذنا عناق ، وجاء بأذني عناق الأرض أي : بالكذب الفاحش أو بالخيبة ؛ وقال :


                                                          إذا تمطين على القياقي     لاقين منه أذني عناق

                                                          يعني الشدة أي : من الحادي أو من الجمل .

                                                          ابن الأعرابي : يقال منه لقيت أذني عناق أي : داهية وأمرا شديدا . وجاء فلان بأذني عناق إذا جاء بالكذب الفاحش . ويقال : رجع فلان بالعناق إذا رجع خائبا ، يوضع العناق موضع الخيبة . والعناق : النجم الأوسط من بنات نعش الكبرى . والعنقاء : الداهية ؛ قال :


                                                          يحملن عنقاء وعنقفيرا     وأم خشاف وخنشفيرا
                                                          والدلو والديلم والزفيرا

                                                          وكلهن دواه ، ونكر عنقاء وعنقفيرا ، وإنما هي العنقاء والعنقفير ، وقد يجوز أن تحذف منهما اللام وهما باقيان على تعريفهما . والعنقاء : طائر ضخم ليس بالعقاب ، وقيل : العنقاء المغرب كلمة لا أصل لها ، يقال : إنها طائر عظيم لا ترى إلا في الدهور ثم كثر ذلك حتى سموا الداهية عنقاء مغربا ومغربة ؛ قال :


                                                          ولولا سليمان الخليفة حلقت     به من يد الحجاج عنقاء مغرب

                                                          وقيل : سميت عنقاء ؛ لأنه كان في عنقها بياض كالطوق ، وقال كراع : العنقاء فيما يزعمون طائر يكون عند مغرب الشمس ، وقال الزجاج : العنقاء المغرب طائر لم يره أحد ، وقيل في قوله تعالى : طيرا أبابيل هي عنقاء مغربة . أبو عبيد : من أمثال العرب طارت بهم العنقاء المغرب ، ولم يفسره . قال ابن الكلبي : كان لأهل الرس نبي يقال له حنظلة بن صفوان ، وكان بأرضهم جبل يقال له دمخ ، مصعده في السماء ميل ، فكان ينتابه طائرة كأعظم ما يكون ، لها عنق طويل من أحسن الطير ، فيها من كل لون ، وكانت تقع منقضة فكانت تنقض على الطير فتأكلها ، فجاعت وانقضت على صبي فذهبت به ، فسميت عنقاء مغربا ؛ لأنها تغرب بكل ما أخذته ، ثم انقضت على جارية ترعرعت وضمتها إلى جناحين لها صغيرين سوى جناحيها الكبيرين ، ثم طارت بها ، فشكوا ذلك إلى نبيهم ، فدعا عليها فسلط الله عليها آفة فهلكت ، فضربتها العرب مثلا في أشعارها ، ويقال : ألوت به العنقاء المغرب ، وطارت به العنقاء . والعنقاء : العقاب ، وقيل : طائر لم يبق في أيدي الناس من صفتها غير اسمها . والعنقاء : لقب رجل من العرب ، واسمه ثعلبة بن عمرو . والعنقاء : اسم ملك ، والتأنيث عند الليث للفظ العنقاء . والتعانيق : موضع ؛ قال زهير :


                                                          صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو     وأقفر من سلمى التعانيق فالثقل

                                                          قال الأزهري : ورأيت بالدهناء شبه منارة عادية مبنية بالحجارة ، وكان القوم الذين كنت معهم يسمونها عناق ذي الرمة لذكره إياها في شعره فقال :


                                                          ولا تحسبي شجي بك البيد كلما     تلألأ بالغور النجوم الطوامس
                                                          مراعاتك الأحلال ما بين شارع     إلى حيث حادت عن عناق الأواعس

                                                          قال الأصمعي : العناق بالحمى وهو لغني وقيل : وادي العناق بالحمى في أرض غني ؛ قال الراعي :


                                                          تحملن من وادي العناق فثهمد

                                                          والأعنق : فحل من خيل العرب معروف ، إليه تنسب بنات أعنق من الخيل ؛ وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          تظل بنات أعنق مسرجات     لرؤيتها يرحن ويغتدينا

                                                          ويروى : مسرجات . قال أبو العباس : اختلفوا في أعنق فقال قائل : هو اسم فرس ، وقال آخرون : هو دهقان كثير المال من الدهاقين ، فمن جعله رجلا رواه مسرجات ، ومن جعله فرسا رواه مسرجات . وأعنقت الثريا إذا غابت ؛ وقال :


                                                          كأني حين أعنقت الثريا     سقيت الراح أو سما مدوفا

                                                          وأعنقت النجوم : إذا تقدمت للمغيب . والمعنق : السابق ، يقال : جاء الفرس معنقا ، ودابة معناق وقد أعنق ؛ وأما قول ابن أحمر :


                                                          في رأس خلقاء من عنقاء مشرفة     لا يبتغى دونها سهل ولا جبل

                                                          فإنه يصف جبلا ، يقول : لا ينبغي أن يكون فوقها سهل ولا جبل أحصن منها .

                                                          وقد عانقه إذا جعل يديه على عنقه وضمه إلى نفسه وتعانقا واعتنقا ، فهو عنيقه ؛ وقال :


                                                          وبات خيال طيفك لي عنيقا     إلى أن حيعل الداعي الفلاحا



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية