الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عود ]

                                                          عود : في صفات الله - تعالى : المبدئ المعيد ؛ قال الأزهري : بدأ الله الخلق إحياء ثم يميتهم ثم يعيدهم أحياء كما كانوا . قال الله - عز وجل : وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده . وقال : إنه هو يبدئ ويعيد فهو - سبحانه وتعالى - الذي يعيد الخلق بعد الحياة إلى الممات في الدنيا وبعد الممات إلى الحياة يوم القيامة . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إن الله يحب النكل على النكل ، قيل : وما النكل على النكل ؟ قال : الرجل القوي المجرب المبدئ المعيد على الفرس القوي المجرب المبدئ المعيد ؛ قال أبو عبيد : وقوله المبدئ المعيد هو الذي قد أبدأ في غزوه وأعاد أي : غزا مرة بعد مرة ، وجرب الأمور طورا بعد طور ، وأعاد فيها وأبدأ ، والفرس المبدئ المعيد هو الذي قد ريض وأدب وذلل ، فهو طوع راكبه وفارسه ، يصرفه كيف شاء لطواعيته وذله ، وأنه لا يستصعب عليه ولا يمنعه ركابه ولا يجمح به ؛ وقيل : الفرس المبدئ المعيد الذي قد غزا عليه صاحبه مرة بعد أخرى ، وهذا كقولهم ليل نائم إذا نيم فيه وسر كاتم قد كتموه . وقال شمر : رجل معيد أي : حاذق ؛ قال كثير :


                                                          عوم المعيد إلى الرجا قذفت به في اللج داوية المكان جموم



                                                          والمعيد من الرجال : العالم بالأمور الذي ليس بغمر ؛ وأنشد :


                                                          كما يتبع العود المعيد السلائب



                                                          والعود ثاني البدء ؛ قال :


                                                          بدأتم فأحسنتم فأثنيت جاهدا     فإن عدتم أثنيت ، والعود أحمد



                                                          قال الجوهري : وعاد إليه يعود عودة وعودا : رجع . وفي المثل : العود أحمد ؛ وأنشد لمالك بن نويرة :


                                                          جزينا بني شيبان أمس بقرضهم     وجئنا بمثل البدء والعود أحمد


                                                          قال ابن بري : صواب إنشاده : وعدنا بمثل البدء ؛ قال : وكذلك هو في شعره ، ألا ترى إلى قوله في آخر البيت : والعود أحمد ؟ وقد عاد له بعدما كان أعرض عنه ؛ وعاد إليه وعليه عودا وعيادا وأعاده هو ، والله يبدئ الخلق ثم يعيده ، من ذلك . واستعاده إياه : سأله إعادته . قال سيبويه : وتقول رجع عوده على بدئه ؛ تريد أنه لم يقطع ذهابه حتى وصله برجوعه ، إنما أردت أنه رجع في حافرته أي : نقض مجيئه برجوعه ، وقد يكون أن يقطع مجيئه ثم يرجع فيقول : رجعت عودي على بدئي أي : رجعت كما جئت ، فالمجيء موصول به الرجوع ، فهو بدء والرجوع عود ؛ انتهى كلام سيبويه . وحكى بعضهم : رجع عودا على بدء من غير إضافة . ولك العود والعودة والعوادة أي : لك أن تعود في هذا الأمر ؛ كل هذه الثلاثة عن اللحياني . قال الأزهري : قال بعضهم : العود تثنية الأمر عودا بعد بدء . يقال : بدأ ثم عاد ، والعودة عودة مرة واحدة . وقوله - تعالى : كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة يقول : ليس بعثكم بأشد من ابتدائكم ، وقيل : معناه تعودون أشقياء وسعداء كما ابتدأ فطرتكم في سابق علمه ، وحين أمر بنفخ الروح فيهم وهم في أرحام أمهاتهم . وقوله - عز وجل : والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة قال الفراء : يصلح فيها في العربية ثم يعودون إلى ما قالوا وفيما قالوا ، يريد النكاح ، وكل صواب ؛ يريد يرجعون عما قالوا ، وفي نقض ما قالوا قال : ويجوز في العربية أن تقول : إن عاد لما فعل ، تريد إن فعله مرة أخرى . ويجوز : إن عاد لما فعل ، إن نقض ما فعل ، وهو كما تقول : حلف أن يضربك ، فيكون معناه : حلف لا يضربك وحلف ليضربنك ؛ وقال الأخفش في قوله : ثم يعودون لما قالوا إنا لا نفعله فيفعلونه يعني الظهار ، فإذا أعتق رقبة عاد لهذا المعنى الذي قال إنه علي حرام ففعله . وقال أبو العباس : المعنى في قوله : يعودون لما قالوا لتحليل ما حرموا فقد عادوا فيه . وروى الزجاج عن الأخفش أنه جعل لما قالوا من صلة فتحرير رقبة والمعنى عنده والذين يظاهرون ثم يعودون فتحرير رقبة لما قالوا ، قال : وهذا مذهب حسن . وقال الشافعي في قوله : والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة يقول : إذا ظاهر منها فهو تحريم كان أهل الجاهلية يفعلونه وحرم على المسلمين تحريم النساء بهذا اللفظ ، فإن أتبع المظاهر الظهار طلاقا ، فهو تحريم أهل الإسلام وسقطت عنه الكفارة ، وإن لم يتبع الظهار طلاقا فقد عاد لما حرم ولزمه الكفارة عقوبة لما قال ؛ قال : وكان تحريمه إياها بالظهار قولا فإذا لم يطلقها فقد عاد لما قال من التحريم ؛ وقال بعضهم : إذا أراد العود إليها والإقامة عليها ، مس أو لم يمس ، كفر . قال الليث : يقول هذا الأمر أعود عليك أي : أرفق بك وأنفع لأنه يعود عليك برفق ويسر . والعائدة : اسم ما عاد به عليك المفضل من صلة أو فضل ، وجمعه العوائد . قال ابن سيده : والعائدة المعروف والصلة يعاد به على الإنسان والعطف والمنفعة . والعوادة - بالضم : ما أعيد على الرجل من طعام يخص به بعدما يفرغ القوم ؛ قال الأزهري : إذا حذفت الهاء قلت عواد كما قالوا أكام ولماظ وقضام ؛ قال الجوهري : العواد - بالضم - ما أعيد من الطعام بعدما أكل منه مرة . وعواد : بمعنى عد مثل نزال وتراك . ويقال أيضا : عد إلينا فإن لك عندنا عوادا حسنا - بالفتح - أي : ما تحب ، وقيل : أي : برا ولطفا . وفلان ذو صفح وعائدة أي : ذو عفو وتعطف . والعواد : البر واللطف . ويقال للطريق الذي أعاد فيه السفر وأبدأ : معيد ؛ ومنه قول ابن مقبل يصف الإبل السائرة :

                                                          [ ص: 326 ]

                                                          يصبحن بالخبت يجتبن النعاف     على أصلاب هاد معيد لابس القتم



                                                          أراد بالهادي الطريق الذي يهتدى إليه ، وبالمعيد الذي لحب . والعادة : الديدن يعاد إليه ، معروفة وجمعها عاد وعادات وعيد ؛ الأخيرة عن كراع ، وليس بقوي ، إنما العيد ما عاد إليك من الشوق والمرض ونحوه وسنذكره . وتعود الشيء وعاده وعاوده معاودة وعوادا واعتاده واستعاده وأعاده أي : صار عادة له ؛ أنشد ابن الأعرابي :


                                                          لم تزل تلك عادة الله عندي     والفتى آلف لما يستعيد



                                                          وقال :


                                                          تعود صالح الأخلاق إني     رأيت المرء يألف ما استعادا



                                                          وقال أبو كبير الهذلي يصف الذئاب :


                                                          إلا عواسل كالمراط معيدة     بالليل مورد أيم متغضف



                                                          أي : وردت مرات فليس تنكر الورود . وعاود فلان ما كان فيه ، فهو معاود . وعاودته الحمى وعاوده بالمسألة أي : سأله مرة بعد أخرى ، وعود كلبه الصيد فتعوده ؛ وعوده الشيء : جعله يعتاده . والمعاود : المواظب ، وهو منه . قال الليث : يقال للرجل المواظب على أمر : معاود . وفي كلام بعضهم : الزموا تقى الله واستعيدوها أي : تعودوها . واستعدته الشيء فأعاده إذا سألته أن يفعله ثانيا . والمعاودة : الرجوع إلى الأمر الأول ؛ يقال للشجاع : بطل معاود لأنه لا يمل المراس . وتعاود القوم في الحرب وغيرها إذا عاد كل فريق إلى صاحبه . وبطل معاود : عائد . والمعاد : المصير والمرجع ، والآخرة : معاد الخلق . قال ابن سيده : والمعاد : الآخرة والحج . وقوله - تعالى : إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد يعني إلى مكة ، عدة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفتحها له ؛ وقال الفراء : إلى معاد حيث ولدت ؛ وقال ثعلب : معناه يردك إلى وطنك وبلدك ؛ وذكروا أن جبريل قال : يا محمد ، اشتقت إلى مولدك ووطنك ؟ قال : نعم ، فقال له : إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قال : والمعاد هاهنا إلى عادتك حيث ولدت وليس من العود ، وقد يكون أن يجعل قوله لرادك إلى معاد لمصيرك إلى أن تعود إلى مكة مفتوحة لك ، فيكون المعاد تعجبا إلى معاد أي معاد لما وعده من فتح مكة . وقال الحسن : ( معاد ) الآخرة ، وقال مجاهد : يحييه يوم البعث ، وقال ابن عباس : أي : إلى معدنك من الجنة ، وقال الليث : المعادة والمعاد كقولك لآل فلان معادة أي : مصيبة يغشاهم الناس في مناوح أو غيرها يتكلم به النساء ؛ يقال : خرجت إلى المعادة والمعاد والمأتم . والمعاد : كل شيء إليه المصير . قال : والآخرة معاد للناس ، وأكثر التفسير في قوله : لرادك إلى معاد لباعثك . وعلى هذا كلام الناس : اذكر المعاد أي : اذكر مبعثك في الآخرة ؛ قاله الزجاج . وقال ثعلب : المعاد المولد . قال : وقال بعضهم : إلى أصلك من بني هاشم ، وقالت طائفة وعليه العمل : إلى معاد أي : إلى الجنة . وفي الحديث : وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي أي : ما يعود إليه يوم القيامة ، وهو إما مصدر وإما ظرف . وفي حديث علي : والحكم الله والمعود إليه يوم القيامة أي : المعاد . قال ابن الأثير : هكذا جاء المعود على الأصل ، وهو مفعل من عاد يعود ، ومن حق أمثاله أن تقلب واوه ألفا كالمقام والمراح ، ولكنه استعمله على الأصل . تقول : عاد الشيء يعود عودا ومعادا أي : رجع ، وقد يرد بمعنى صار ؛ ومنه حديث معاذ . قال له النبي - صلى الله عليه وسلم : أعدت فتانا يا معاذ أي : صرت ؛ ومنه حديث خزيمة : عاد لها النقاد مجرنثما أي : صار ؛ ومنه حديث كعب : وددت أن هذا اللبن يعود قطرانا أي : يصير ، فقيل له : لم ذلك ؟ قال : تتبعت قريش أذناب الإبل وتركوا الجماعات . والمعاد والمعادة : المأتم يعاد إليه ؛ وأعاد فلان الصلاة يعيدها . وقال الليث : رأيت فلانا ما يبدئ وما يعيد أي : ما يتكلم ببادئة ، ولا عائدة . وفلان ما يعيد وما يبدئ إذا لم تكن له حيلة ؛ عن ابن الأعرابي ؛ وأنشد :


                                                          وكنت امرأ بالغور مني ضمانة     وأخرى بنجد ما تعيد وما تبدي

                                                          .

                                                          يقول : ليس لما أنا فيه من الوجد حيلة ولا جهة . والمعيد : المطيق للشيء يعاوده ؛ قال :


                                                          لا يستطيع جره الغوامض     إلا المعيدات به النواهض



                                                          وحكى الأزهري في تفسيره قال : يعني النوق التي استعادت النهض بالدلو . ويقال : هو معيد لهذا الشيء أي : مطيق له لأنه قد اعتاده ؛ وأما قول الأخطل :


                                                          يشول ابن اللبون إذا رآني     ويخشاني الضواضية المعيد



                                                          قال : أصل المعيد الجمل الذي ليس بعياياء وهو الذي لا يضرب حتى يخلط له ، والمعيد الذي لا يحتاج إلى ذلك . قال ابن سيده : والمعيد الجمل الذي قد ضرب في الإبل مرات كأنه أعاد ذلك مرة بعد أخرى . وعادني الشيء عودا واعتادني ، انتابني . واعتادني هم وحزن ؛ قال : والاعتياد في معنى التعود ، وهو من العادة . يقال : عودته فاعتاد وتعود . والعيد : ما يعتاد من نوب وشوق وهم ونحوه . وما اعتادك من الهم وغيره ، فهو عيد ؛ قال الشاعر :


                                                          والقلب يعتاده من حبها عيد



                                                          وقال يزيد بن الحكم الثقفي يمدح سليمان بن عبد الملك :


                                                          أمسى بأسماء هذا القلب معمودا     إذا أقول صحا يعتاده عيدا
                                                          كأنني يوم أمسي ما تكلمني     ذو بغية يبتغي ما ليس موجودا
                                                          كأن أحور من غزلان ذي بقر     أهدى لنا سنة العينين والجيدا



                                                          وكان أبو علي يرويه : شبه العينين والجيدا ، بالشين المعجمة وبالباء المعجمة بواحدة من تحتها أراد ، وشبه الجيد فحذف المضاف وأقام [ ص: 327 ] المضاف إليه مقامه ؛ وقد قيل إن أبا علي صحفه يقول في مدحه :


                                                          سميت باسم نبي أنت تشبهه     حلما وعلما سليمان بن داودا
                                                          أحمد به في الورى الماضين من ملك     وأنت أصبحت في الباقين موجودا
                                                          لا يعذل الناس في أن يشكروا ملكا     أولاهم في الأمور الحزم والجودا



                                                          وقال المفضل : عادني عيدي أي : عادتي ؛ وأنشد :


                                                          عاد قلبي من الطويلة عيد



                                                          أراد بالطويلة روضة بالصمان تكون ثلاثة أميال في مثلها ؛ وأما قول تأبط شرا :


                                                          يا عيد ما لك من شوق وإيراق     ومر طيف على الأهوال طراق



                                                          قال ابن الأنباري في قوله يا عيد ما لك : العيد ما يعتاده من الحزن والشوق ، وقوله ما لك من شوق أي : ما أعظمك من شوق ، ويروى : يا هيد ما لك ، والمعنى : يا هيد ما حالك وما شأنك . يقال : أتى فلان القوم فما قالوا له : هيد ما لك أي : ما سألوه عن حاله ؛ أراد : يا أيها المعتادني ما لك من شوق كقولك ما لك من فارس وأنت تتعجب من فروسيته وتمدحه ؛ ومنه قاتله الله من شاعر . والعيد : كل يوم فيه جمع ، واشتقاقه من عاد يعود كأنهم عادوا إليه ؛ وقيل : اشتقاقه من العادة لأنهم اعتادوه ، والجمع أعياد لزم البدل ، ولو لم يلزم لقيل : أعواد كريح وأرواح لأنه من عاد يعود . وعيد المسلمون : شهدوا عيدهم ؛ قال العجاج يصف الثور الوحشي :


                                                          واعتاد أرباضا لها آري     كما يعود العيد نصراني



                                                          فجعل العيد من عاد يعود ؛ قال : وتحولت الواو في العيد ياء لكسرة العين ، وتصغير عيد عييد تركوه على التغيير كما أنهم جمعوه أعيادا ولم يقولوا أعوادا ؛ قال الأزهري : والعيد عند العرب الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن ، وكان في الأصل العود فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها صارت ياء ، وقيل : قلبت الواو ياء ليفرقوا بين الاسم الحقيقي وبين المصدري . قال الجوهري : إنما جمع أعياد بالياء للزومها في الواحد ، ويقال للفرق بينه وبين أعواد الخشب . ابن الأعرابي : سمي العيد عيدا لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد . وعاد العليل يعوده عودا وعيادة وعيادا : زاره ؛ قال أبو ذؤيب :


                                                          ألا ليت شعري هل تنظر خالد     عيادي على الهجران أم هو يائس



                                                          قال ابن جني : وقد يجوز أن يكون أراد عيادتي فحذف الهاء لأجل الإضافة ، كما قالوا : ليت شعري ؛ ورجل عائد من قوم عود وعواد ، ورجل معود ومعوود ، الأخيرة شاذة ، وهي تميمية . وقال اللحياني : العوادة من عيادة المريض ، لم يزد على ذلك . وقوم عواد وعود ؛ الأخيرة اسم للجمع ؛ وقيل : إنما سمي بالمصدر . ونسوة عوائد وعود : وهن اللاتي يعدن المريض ، الواحدة عائدة . قال الفراء : يقال هؤلاء عود فلان وعواده مثل زوره وزواره ، وهم الذين يعودونه إذا اعتل . وفي حديث فاطمة بنت قيس : فإنها امرأة يكثر عوادها أي : زوارها . وكل من أتاك مرة بعد أخرى ، فهو عائد ، وإن اشتهر ذلك في عيادة المريض حتى صار كأنه مختص به . قال الليث : العود كل خشبة دقت ؛ وقيل : العود خشبة كل شجرة ، دق أو غلظ ، وقيل : هو ما جرى فيه الماء من الشجر وهو يكون للرطب واليابس ، والجمع أعواد وعيدان ؛ قال الأعشى :


                                                          فجروا على ما عودوا     ولكل عيدان عصاره



                                                          وهو من عود صدق أو سوء ، على المثل ، كقولهم من شجرة صالحة . وفي حديث حذيفة : تعرض الفتن على القلوب عرض الحصر عودا عودا ؛ قال ابن الأثير : هكذا الرواية - بالفتح - أي : مرة بعد مرة ، ويروى بالضم ، وهو واحد العيدان يعني ما ينسج به الحصر من طاقاته ، ويروى بالفتح مع ذال معجمة ، كأنه استعاذ من الفتن .

                                                          والعود : الخشبة المطراة يدخن بها ويستجمر بها ، غلب عليها الاسم لكرمه . وفي الحديث : عليكم بالعود الهندي ؛ قيل : هو القسط البحري ، وقيل : هو العود الذي يتبخر به . والعود ذو الأوتار الأربعة : الذي يضرب به غلب عليه أيضا ؛ كذلك قال ابن جني ، والجمع عيدان ؛ ومما اتفق لفظه واختلف معناه فلم يكن إيطاء قول بعض المولدين :


                                                          يا طيب لذة أيام لنا سلفت     وحسن بهجة أيام الصبا عودي
                                                          أيام أسحب ذيلا في مفارقها     إذا ترنم صوت الناي والعود
                                                          وقهوة من سلاف الدن صافية     كالمسك والعنبر الهندي والعود
                                                          تستل روحك في بر وفي لطف     إذا جرت منك مجرى الماء في العود



                                                          قوله أول وهلة عودي : طلب لها في العودة ، والعود الثاني : عود الغناء ، والعود الثالث : المندل وهو العود الذي يتطيب به ، والعود الرابع : الشجرة ، وهذا من قعاقع ابن سيده ؛ والأمر فيه أهون من الاستشهاد به أو تفسير معانيه وإنما ذكرناه على ما وجدناه . والعواد : متخذ العيدان . وأما ما ورد في حديث شريح : إنما القضاء جمر فادفع الجمر عنك بعودين ؛ فإنه أراد بالعودين الشاهدين ، يريد اتق النار بهما واجعلهما جنتك كما يدفع المصطلي الجمر عن مكانه بعود أو غيره لئلا يحترق ، فمثل الشاهدين بهما لأنه يدفع بهما الإثم والوبال عنه ، وقيل : أراد تثبت في الحكم واجتهد فيما يدفع عنك النار ما استطعت ؛ وقال شمر في قول الفرزدق :


                                                          ومن ورث العودين والخاتم الذي     له الملك والأرض الفضاء رحيبها



                                                          قال : العودان منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وعصاه ؛ وقد ورد ذكر العودين في الحديث وفسرا بذلك ؛ وقول الأسود بن يعفر :

                                                          [ ص: 328 ]

                                                          ولقد علمت سوى الذي نبأتني      : أن السبيل سبيل ذي الأعواد



                                                          قال المفضل : سبيل ذي الأعواد ، يريد الموت ، وعنى بالأعواد ما يحمل عليه الميت ؛ قال الأزهري : وذلك أن البوادي لا جنائز لهم فهم يضمون عودا إلى عود ويحملون الميت عليها إلى القبر . وذو الأعواد : الذي قرعت له العصا ، وقيل : هو رجل أسن فكان يحمل في محفة من عود . أبو عدنان : هذا أمر يعود الناس علي أي : يضريهم بظلمي . وقال : أكره تعود الناس علي فيضروا بظلمي أي : يعتادوه . وقال شمر : المتعيد الظلوم ؛ وأنشد ابن الأعرابي لطرفة :


                                                          فقال ألا ماذا ترون لشارب     شديد علينا سخطه متعيد



                                                          أي : ظلوم ؛ وقال جرير :


                                                          يرى المتعيدون علي دوني     أسود خفية الغلب الرقابا



                                                          وقال غيره : المتعيد الذي يتعيد عليه بوعده . وقال أبو عبد الرحمن : المتعيد المتجني في بيت جرير ؛ وقال ربيعة بن مقروم :


                                                          على الجهال والمتعيدينا



                                                          قال : والمتعيد الغضبان . وقال أبو سعيد : تعيد العائن على ما يتعين إذا تشهق عليه وتشدد ليبالغ في إصابته بعينه . وحكي عن أعرابي : هو لا يتعين عليه ولا يتعيد ؛ وأنشد ابن السكيت :


                                                          كأنها وفوقها المجلد     وقربة غرفية ومزود
                                                          غيرى على جاراتها تعيد



                                                          قال : المجلد حمل ثقيل فكأنها ، وفوقها هذا الحمل وقربة ومزود ، امرأة غيرى . تعيد أي : تندرئ بلسانها على ضراتها وتحرك يديها . والعود : الجمل المسن وفيه بقية ؛ وقال الجوهري : هو الذي جاوز في السن البازل والمخلف ، والجمع عودة ، قال الأزهري : ويقال في لغة عيدة وهي قبيحة . وفي المثل : إن جرجر العود فزده وقرا ، وفي المثل : زاحم بعود أو دع أي : استعن على حربك بأهل السن والمعرفة ، فإن رأي الشيخ خير من مشهد الغلام ، والأنثى عودة ، والجمع عياد ؛ وقد عاد عودا وعود وهو معود . قال الأزهري : وقد عود البعير تعويدا إذا مضت له ثلاث سنين بعد بزوله أو أربع ، قال : ولا يقال للناقة عودة ولا عودت ؛ قال : وسمعت بعض العرب يقول لفرس له أنثى عودة . وفي حديث حسان : قد آن لكم أن تبعثوا إلى هذا العود ؛ هو الجمل الكبير المسن المدرب فشبه نفسه به . وفي حديث معاوية : سأله رجل فقال : إنك لتمت برحم عودة ، فقال : بلها بعطائك حتى تقرب ، أي : برحم قديمة بعيدة النسب . والعود أيضا : الشاة المسن ، والأنثى كالأنثى . وفي الحديث : أنه - عليه الصلاة والسلام - دخل على جابر بن عبد الله منزله قال : فعمدت إلى عنز لي لأذبحها فثغت ، فقال - عليه السلام : يا جابر لا تقطع درا ولا نسلا ، فقلت : يا رسول الله إنما هي عودة علفناها البلح والرطب فسمنت ؛ حكاه الهروي في الغريبين . قال ابن الأثير : وعود البعير والشاة إذا أسنا ، وبعير عود وشاة عودة . قال ابن الأعرابي : عود الرجل تعويدا إذا أسن ؛ وأنشد :


                                                          فقلن قد أقصر أو قد عودا



                                                          أي : صار عودا كبيرا . قال الأزهري : ولا يقال عود لبعير أو شاة ، ويقال للشاة : عودة ولا يقال للنعجة عودة . قال : وناقة معود . وقال الأصمعي : جمل عود وناقة عودة وناقتان عودتان ، ثم عود في جمع العودة مثل هرة وهرر وعود وعودة مثل هر وهررة ، وفي النوادر : عود وعيدة ؛ وأما قول أبي النجم :


                                                          حتى إذا الليل تجلى أصحمه     وانجاب عن وجه أغر أدهمه
                                                          وتبع الأحمر عود يرجمه



                                                          فإنه أراد بالأحمر الصبح ، وأراد بالعود الشمس . والعود : الطريق القديم العادي ؛ قال بشير بن النكث :


                                                          عود على عود لأقوام أول     يموت بالترك ويحيا بالعمل



                                                          يريد بالعود الأول الجمل المسن ، وبالثاني الطريق أي : على طريق قديم ، وهكذا الطريق يموت إذا ترك ويحيا إذا سلك ؛ قال ابن بري : وأما قول الشاعر :


                                                          عود على عود على عود خلق



                                                          فالعود الأول رجل مسن ، والعود الثاني جمل مسن ، والعود الثالث طريق قديم . وسودد عود قديم على المثل ؛ قال الطرماح :


                                                          هل المجد إلا السودد العود والندى     ورأب الثأى والصبر عند المواطن



                                                          وعادني أن أجيئك أي : صرفني ، مقلوب من عداني ؛ حكاه يعقوب . وعاد فعل بمنزلة صار ؛ وقول ساعدة بن جؤية :


                                                          فقام ترعد كفاه بميبلة     قد عاد رهبا رذيا طائش القدم



                                                          لا يكون عاد هنا إلا بمعنى صار ، وليس يريد أنه عاود حالا كان عليها قبل ، وقد جاء عنهم هذا مجيئا واسعا ؛ أنشد أبو علي للعجاج :


                                                          وقصبا حني حتى كادا     يعود بعد أعظم أعوادا



                                                          أي : يصير . وعاد : قبيلة . قال ابن سيده : قضينا على ألفها أنها واو للكثرة وأنه ليس في الكلام " ع ي د " وأما عيد وأعياد فبدل لازم . وأما ما حكاه سيبويه من قول بعض العرب من أهل عاد بالإمالة فلا يدل ذلك أن ألفها من ياء لما قدمنا ، وإنما أمالوا لكسرة الدال . قال : ومن العرب من يدع صرف عاد ؛ وأنشد :


                                                          تمد عليه من يمين وأشمل     بحور له من عهد عاد وتبعا



                                                          جعلهما اسمين للقبيلتين . وبئر عادية والعادي الشيء القديم نسب إلى عاد ؛ قال كثير :


                                                          وما سال واد من تهامة طيب     به قلب عادية وكرور



                                                          وعاد : قبيلة وهم قوم هود - عليه السلام . قال الليث : وعاد الأولى هم عاد بن عاديا بن سام بن نوح الذين أهلكهم الله ؛ قال زهير :

                                                          [ ص: 329 ]

                                                          وأهلك لقمان بن عاد وعاديا



                                                          وأما عاد الأخيرة فهم بنو تميم ينزلون رمال عالج عصوا الله فمسخوا نسناسا ، لكل إنسان منهم يد ورجل من شق ؛ وما أدري ، أي عاد هو ، غير مصروف أي : أي خلق هو . والعيد : شجر جبلي ينبت عيدانا نحو الذراع أغبر ، لا ورق له ولا نور ، كثير اللحاء والعقد يضمد بلحائه الجرح الطري فيلتئم ، وإنما حملنا العيد على الواو لأن اشتقاق العيد الذي هو الموسم إنما هو من الواو فحملنا هذا عليه . وبنو العيد : حي تنسب إليه النوق العيدية ، والعيدية : نجائب منسوبة معروفة ؛ وقيل : العيدية منسوبة إلى عاد بن عاد ، وقيل : إلى عادي بن عاد إلا أنه على هذين الأخيرين نسب شاذ ، وقيل : العيدية تنسب إلى فحل منجب يقال له عيد كأنه ضرب في الإبل مرات ؛ قال ابن سيده : وهذا ليس بقوي ؛ وأنشد الجوهري لرذاذ الكلبي :


                                                          ظلت تجوب بها البلدان ناجية     عيدية أرهنت فيها الدنانير



                                                          وقال : هي نوق من كرام النجائب منسوبة إلى فحل منجب . قال شمر : والعيدية ضرب من الغنم ، وهي الأنثى من البرقان ، قال : والذكر خروف فلا يزال اسمه حتى يعق عقيقته ؛ قال الأزهري : لا أعرف العيدية في الغنم وأعرف جنسا من الإبل العقيلية يقال لها : العيدية ، قال : ولا أدري إلى أي شيء نسبت . وحكى الأزهري عن الأصمعي : العيدانة النخلة الطويلة ، والجمع العيدان ؛ قال لبيد :


                                                          وأناض العيدان والجبار



                                                          قال أبو عدنان : يقال عيدنت النخلة إذا صارت عيدانة ؛ وقال المسيب بن علس :


                                                          والأدم كالعيدان آزرها     تحت الأشاء مكمم جعل



                                                          قال الأزهري : من جعل العيدان فيعالا جعل النون أصلية والياء زائدة ، ودليله على ذلك قولهم عيدنت النخلة ، ومن جعله فعلان مثل سيحان من ساح يسيح جعل الياء أصلية والنون زائدة . قال الأصمعي : العيدانة شجرة صلبة قديمة لها عروق نافذة إلى الماء ، قال : ومنه هيمان وعيلان ؛ وأنشد :


                                                          تجاوبن في عيدانة مرجحنة     من السدر رواها المصيف مسيل



                                                          وقال :


                                                          بواسق النخل أبكارا وعيدانا



                                                          قال الجوهري : والعيدان - بالفتح - الطوال من النخل ، الواحدة عيدانة ، هذا إن كان فعلان ، فهو من هذا الباب ، وإن كان فيعالا ، فهو من باب النون وسنذكره في موضعه . والعود : اسم فرس مالك بن جشم . والعود أيضا : فرس أبي بن خلف . وعادياء : اسم رجل ؛ قال النمر بن تولب :


                                                          هلا سألت بعادياء وبيته     والخل والخمر الذي لم يمنع



                                                          قال : وإن كان تقديره فاعلاء ، فهو من باب المعتل ، يذكر في موضعه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية