الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ غبر ]

                                                          غبر : غبر الشيء يغبر غبورا : مكث وذهب . وغبر الشيء يغبر أي بقي . والغابر : الباقي . والغابر : الماضي ، وهو من الأضداد ؛ قال الليث : وقد يجيء الغابر في النعت كالماضي . ورجل غابر وقوم غبر : غابرون . والغابر من الليل : ما بقي منه . وغبر كل شيء : بقيته ، والجمع أغبار ، وهو الغبر أيضا ، وقد غلب ذلك على بقية اللبن في الضرع وعلى بقية دم الحيض ؛ قال ابن حلزة :


                                                          لا تكسع الشول بأغبارها إنك لا تدري من الناتج

                                                          ويقال : بها غبر من لبن أي بالناقة . وغبر الحيض : بقاياه ؛ قال أبو كبير الهذلي واسمه عامر بن الحليس :


                                                          ومبرأ من كل غبر حيضة     وفساد مرضعة ، وداء مغيل

                                                          قوله : ومبرأ معطوف على قوله :


                                                          ولقد سريت على الظلام بمغشم

                                                          وغبر المرض : بقاياه ، وكذلك غبر الليل . وغبر الليل : آخره . وغبر الليل : بقاياه ، واحدها غبر . وفي حديث معاوية : بفنائه أعنز درهن غبر أي قليل . وغبر اللبن : بقيته وما غبر منه . وقوله في الحديث : إنه كان يحدر فيما غبر من السورة ؛ أي يسرع في قراءتها ؛ قال الأزهري : [ ص: 7 ] يحتمل الغابر هنا الوجهين ؛ يعني الماضي والباقي ، فإنه من الأضداد ، قال : والمعروف الكثير أن الغابر الباقي . قال : وقال غير واحد من الأئمة إنه يكون بمعنى الماضي ؛ ومنه الحديث : أنه اعتكف العشر الغوابر من شهر رمضان أي البواقي ، جمع غابر . وفي حديث ابن عمر : سئل عن جنب اغترف بكوز من حب فأصابت يده الماء ، فقال : غابره نجس أي باقيه . وفي الحديث : فلم يبق إلا غبرات من أهل الكتاب ، وفي رواية : غبر أهل الكتاب ؛ الغبر جمع غابر ، والغبرات جمع غبر . وفي حديث عمرو بن العاص : ما تأبطتني الإماء ولا حملتني البغايا في غبرات المآلي ؛ أراد أنه لم تتول الإماء تربيته ، والمآلي : خرق الحيض أي في بقاياها ؛ وتغبرت من المرأة ولدا . وتزوج رجل من العرب امرأة قد أسنت فقيل له في ذلك فقال : لعلي أتغبر منها ولدا ، فولدت له غبر مثال عمر ، وهو غبر بن غنم بن يشكر بن بكر بن وائل . وناقة مغبار : تغزر بعد ما تغزر اللواتي ينتجن معها . ونعت أعرابي ناقة فقال : إنها معشار مشكار مغبار ، فالمغبار ما ذكرناه آنفا ، والمشكار الغزيرة على قلة الحظ من المرعى ، والمعشار تقدم ذكره . ابن الأنباري : الغابر الباقي في الأشهر عندهم ، قال : وقد يقال للماضي غابر ؛ قال الأعشى في الغابر بمعنى الماضي :


                                                          عض بما أبقى المواسي له     من أمه ، في الزمن الغابر

                                                          أراد الماضي . قال الأزهري : والمعروف في كلام العرب أن الغابر الباقي . قال أبو عبيد : الغبرات البقايا ، واحدها غابر ، ثم يجمع غبرا ، ثم غبرات جمع الجمع . وقال غير واحد من أئمة اللغة : إن الغابر يكون بمعنى الماضي . وداهية الغبر ، بالتحريك : داهية عظيمة لا يهتدى لمثلها ؛ قال الحرمازي يمدح المنذر بن الجارود :


                                                          أنت لها منذر ، من بين البشر     داهية الدهر وصماء الغبر

                                                          يريد يا منذر . وقيل : داهية الغبر الذي يعاندك ثم يرجع إلى قولك . وحكى أبو زيد : ما غبرت إلا لطلب المراء . قال أبو عبيد : من أمثالهم في الدهاء والإرب : إنه لداهية الغبر ومعنى شعر المنذر يقول : إن ذكرت يقولون لا تسمعوها فإنها عظيمة ؛ وأنشد :


                                                          قد أزمت إن لم تغبر بغبر

                                                          قال : هو من قولهم جرح غبر . وداهية الغبر : بلية لا تكاد تذهب ، وقول الشاعر :


                                                          وعاصما سلمه من الغدر     من بعد إرهان بصماء الغبر

                                                          قال أبو الهيثم : يقول أنجاه من الهلاك بعد إشراف عليه . وإرهان الشيء : إثباته وإدامته . والغبر : البقاء . والغبر ، بغير هاء : التراب ؛ عن كراع . والغبرة والغبار : الرهج ، وقيل : الغبرة تردد الرهج فإذا ثار سمي غبارا . والغبرة : الغبار أيضا ؛ أنشد ابن الأعرابي :


                                                          بعيني لم تستأنسا يوم غبرة     ولم تردا أرض العراق فترمدا

                                                          وقوله أنشده ثعلب :


                                                          فرجت هاتيك الغبر     عنا ، وقد صابت بقر

                                                          قال ابن سيده : لم يفسره ، قال : وعندي أنه عنى غبر الجدب لأن الأرض تغبر إذا أجدبت ؛ قال : وعندي أن غبر هاهنا موضع . وفي الحديث : لو تعلمون ما يكون في هذه الأمة من الجوع الأغبر والموت الأحمر ؛ قال ابن الأثير : هذا من أحسن الاستعارات لأن الجوع أبدا يكون في السنين المجدبة ، وسنو الجدب تسمى غبرا لاغبرار آفاقها من قلة الأمطار وأرضيها من عدم النبات والاخضرار ، والموت الأحمر الشديد كأنه موت بالقتل وإراقة الدماء ؛ ومنه حديث عبد الله بن الصامت : يخرب البصرة الجوع الأغبر والموت الأحمر ؛ هو من ذلك . واغبر اليوم : اشتد غباره ؛ عن أبي علي . وأغبرت : أثرت الغبار ، وكذلك غبرت تغبيرا . وطلب فلانا فما شق غباره أي لم يدركه . وغبر الشيء : لطخه بالغبار . وتغبر : تلطخ به . واغبر الشيء : علاه الغبار . والغبرة : لطخ الغبار . والغبرة : لون الغبار ؛ وقد غبر واغبر اغبرارا ، وهو أغبر . والغبرة : اغبرار اللون يغبر للهم ونحوه . وقوله عز وجل : ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة ؛ ) قال : وقول العامة غبرة خطأ ، والغبرة لون الأغبر ، وهو شبيه بالغبار . والأغبر : الذئب للونه ؛ التهذيب : والمغبرة قوم يغبرون بذكر الله تعالى بدعاء وتضرع ، كما قال :


                                                          عبادك المغبره     رش علينا المغفره

                                                          قال الأزهري : وقد سموا ما يطربون فيه من الشعر في ذكر الله تغبيرا كأنهم إذا تناشدوه بالألحان طربوا فرقصوا وأرهجوا فسموا مغبرة لهذا المعنى . قال الأزهري : وروينا عن الشافعي ، رضي الله عنه ، ، أنه قال : أرى الزنادقة وضعوا هذا التغبير ليصدوا عن ذكر الله وقراءة القرآن . وقال الزجاج : سموا مغبرين لتزهيدهم الناس في الفانية ، وهي الدنيا ، وترغيبهم في الآخرة الباقية ، والمغبار من النخل : التي يعلوها الغبار عن أبي حنيفة . والغبراء : الأرض لغبرة لونها أو لما فيها من الغبار . وفي حديث أبي هريرة : بينا رجل في مفازة غبراء ؛ هي التي لا يهتدى للخروج منها . وجاء على غبراء الظهر وغبيراء الظهر ؛ يعني الأرض . وتركه على غبيراء الظهر أي ليس له شيء . التهذيب : يقال جاء فلان على غبيراء الظهر ، ورجع عوده على بدئه ، ورجع على أدراجه ورجع درجه الأول ، ونكص على عقبيه ، كل ذلك إذا رجع ولم يصب شيئا . وقال ابن أحمر : إذا رجع ولم يقدر على حاجته قيل : جاء على غبيراء الظهر كأنه رجع وعلى ظهره غبار الأرض . وقال زيد بن كثوة : يقال تركته على غبيراء الظهر إذا خاصمت رجلا فخصمته في كل شيء وغلبته على ما في يديه . والوطأة الغبراء : الجديدة وقيل : الدارسة وهو مثل الوطأة السوداء . والغبراء : الأرض في قوله ، صلى الله عليه وسلم : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر ؛ قال ابن الأثير : الخضراء السماء ، والغبراء الأرض ؛ أراد أنه متناه في الصدق إلى الغاية فجاء به على اتساع الكلام والمجاز . وعز أغبر : ذاهب دارس ؛ قال المخبل السعدي :


                                                          فأنزلهم دار الضياع ، فأصبحوا     على مقعد من موطن العز أغبرا

                                                          وسنة غبراء : جدبة ، وبنو غبراء : الفقراء ، وقيل : الغرباء ، وقيل : [ ص: 8 ] الصعاليك ، وقيل : هم القوم يجتمعون للشراب من غير تعارف ، قال طرفة :


                                                          رأيت بني غبراء لا ينكرونني     ولا أهل هذاك الطراف الممدد

                                                          وقيل : هم الذين يتناهدون في الأسفار . الجوهري : وبنو غبراء الذين في شعر طرفة المحاويج ، ولم يذكر الجوهري البيت ، وذكره ابن بري وغيره وهو :


                                                          رأيت بني غبراء لا ينكرونني

                                                          قال ابن بري : وإنما سمي الفقراء بني غبراء للصوقهم بالتراب ، كما قيل لهم المدقعون للصوقهم بالدقعاء ، وهي الأرض كأنهم لا حائل بينهم وبينها . وقوله : ولا أهل مرفوع بالعطف على الفاعل المضمر في ينكرونني ، ولم يحتج إلى تأكيد لطول الكلام بلا النافية ؛ ومثله قوله سبحانه وتعالى : ما أشركنا ولا آباؤنا . والطراف : خباء من أدم تتخذه الأغنياء ؛ يقول : إن الفقراء يعرفونني بإعطائي وبري ، والأغنياء يعرفونني بفضلي وجلالة قدري . وفي حديث أويس : أكون في غبر الناس أحب إلي ، وفي رواية : في غبراء الناس ، بالمد ، فالأول في غبر الناس أي أكون مع المتأخرين لا المتقدمين المشهورين ، وهو من الغابر الباقي ، والثاني في غبراء الناس بالمد أي في فقرائهم ؛ ومنه قيل للمحاويج بنو غبراء كأنهم نسبوا إلى الأرض والتراب ؛ وقال الشاعر :


                                                          وبنو غبراء فيها     يتعاطون الصحافا

                                                          يعني الشرب . والغبراء : اسم فرس قيس بن زهير العبسي . والغبراء : أنثى الحجل . والغبراء والغبيراء : نبات سهلي ، وقيل : الغبراء شجرته والغبيراء ثمرته ، وهي فاكهة ، وقيل : الغبيراء شجرته والغبراء ثمرته بقلب ذلك ، الواحد ، والجمع فيه سواء وأما هذا الثمر الذي يقال له الغبيراء فدخيل في كلام العرب ؛ قال أبو حنيفة : الغبيراء شجرة معروفة ، سميت غبيراء للون ورقها وثمرتها إذا بدت ثم تحمر حمرة شديدة ، قال : وليس هذا الاشتقاق بمعروف ، قال : ويقال لثمرتها الغبيراء ، قال : ولا تذكر إلا مصغرة . والغبيراء : السكركة ، وهو شراب يعمل من الذرة يتخذه الحبش وهو يسكر . وفي الحديث : إياكم والغبيراء فإنها خمر العالم . وقال ثعلب : هي خمر تعمل من الغبيراء هذا الثمر المعروف أي هي مثل الخمر التي يتعارفها جميع الناس لا فضل بينهما في التحريم . والغبراء من الأرض : الخمر . والغبراء والغبرة : أرض كثيرة الشجر . والغبر : الحقد كالغمر . وغبر العرق غبرا ، فهو غبر : انتقض ويقال : أصابه غبر في عرقه أي لا يكاد يبرأ ؛ قال الشاعر :


                                                          فهو لا يبرأ ما في صدره     مثل ما لا يبرأ العرق الغبر

                                                          بكسر الباء . وغبر الجرح ، بالكسر ، يغبر غبرا إذا اندمل على فساد ثم انتقض بعد البرء ؛ ومنه سمي العرق الغبر لأنه لا يزال ينتقض ، والناسور بالعربية هو العرق الغبر . قال : والغبر أن يبرأ ظاهر الجرح وباطنه دو ؛ وقال الأصمعي في قوله :


                                                          وقلبي منسمك المغبرا

                                                          قال : الغبر داء في باطن خف البعير . وقال المفضل : هو من الغبرة ، وقيل : الغبر فساد الجرح أنى كان ؛ أنشد ثعلب :


                                                          أعيا على الآسي بعيدا غبره

                                                          قال : معناه بعيدا فساده ؛ يعني أن فساده إنما هو في قعره وما غمض من جوانبه فهو لذلك بعيد لا قريب . وأغبر في طلب الشيء : انكمش وجد في طلبه . وأغبر الرجل في طلب الحاجة إذا جد في طلبها ؛ عن ابن السكيت . وفي حديث مجاشع : فخرجوا مغبرين هم ودوابهم ؛ المغبر : الطالب للشيء المنكمش فيه كأنه لحرصه وسرعته يثير الغبار ؛ ومنه حديث الحارث بن أبي مصعب : قدم رجل من أهل المدينة فرأيته مغبرا في جهازه . وأغبرت علينا السماء : جد وقع مطرها واشتد . والغبران : بسرتان أو ثلاث في قمع واحد ، ولا جمع للغبران من لفظه . أبو عبيد : الغبران رطبتان في قمع واحد مثل الصنوان نخلتان في أصل واحد قال : والجمع غبارين . وقال أبو حنيفة : الغبرانة ، بالهاء بلحات يخرجن في قمع واحد . ويقال : لهجوا ضيفكم وغبروه بمعنى واحد . والغبير : ضرب من التمر . والغبرور : عصيفير أغبر . والمغبور ، بضم الميم ؛ عن كراع : لغة في المغثور ، والثاء أعلى .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية