الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 194 ] الثالثة : المكره ، قيل : إن بلغ به الإكراه إلى حد الإلجاء ، فليس بمكلف .

                وقال أصحابنا : هو مكلف مطلقا ، خلافا للمعتزلة .

                لنا : عاقل قادر يفهم ، فكلف كغيره . وإذا أكره على الإسلام فأسلم ، أو الصلاة فصلى ، قيل : أدى ما كلف به . ثم إن قصد التقية كان عاصيا ، وإلا كان مطيعا .

                التالي السابق


                قوله : " الثالثة " ، أي : المسألة الثالثة من مسائل شروط المكلف " المكره ، قيل : إن بلغ به الإكراه إلى حد الإلجاء ، فليس بمكلف ، وقال أصحابنا : هو مكلف مطلقا ، خلافا للمعتزلة " .

                قلت : حصل من هذه الجملة من حيث النقل ثلاثة أقوال :

                أحدها : أن يكون المكره مكلفا مطلقا .

                الثاني : أنه غير مكلف مطلقا .

                الثالث : إن بلغ به الإكراه إلى حد الإلجاء ، وهو أن لا يصح منه الترك ، كمن ألقي من شاهق على إنسان فقتله ، أو مال فأتلفه ، أو صائم ألقي مكتوفا في الماء فدخل الماء حلقه ونحوه لم يكلف ، وإلا كلف .

                وهذا التفصيل حكاه ابن عقيل في " الواضح " عن بعض القدرية ، وقد بعد عهدي به ، واختاره الآمدي .

                والإلجاء إلى الشيء : الاضطرار إليه .

                وإنما قلت : " المكره ، قيل : إن بلغ به " إلى آخره ، لأني أختار عدم تكليفه مطلقا ، كما ذكرت آخر المسألة ، وإنما حكيت في أولها ما علمته قيل فيها . [ ص: 195 ]

                قوله : " لنا " هذا شروع في الاستدلال على لسان أصحابنا ، أي : لنا ، أن المكره " عاقل قادر يفهم ، فكلف ، كغيره " أي : كغير المكره ، وحاصله ، أنه قياس للمكره على المختار ، بجامع العقل والقدرة .

                قوله : " وإذا أكره " إلى آخره . هذا دليل ثان ، وتقريره : أنه إذا أكره " على الإسلام فأسلم ، أو الصلاة فصلى ، قيل " يعني : في عرف الشرع وغيره : قد " أدى ما كلف به " فيسمى ما أداه مكرها تكليفا .

                قوله : ثم إن قصد التقية إلى آخره . هذا بمثابة تحقيق الدليل ، ودفع الشبهة عنه ، ومعناه أنه بوقوع الاصطلاح على قولنا : أدى ما كلف به ، حصل لنا المقصود من كونه مكلفا .

                أما كونه مطيعا في نفس الأمر أو غير مطيع ، فذاك أمر باطن فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى ، وليس كلامنا فيه ، وإنما كلامنا في الحكم بكونه مكلفا ظاهرا .

                أما كونه مطيعا أو عاصيا ، فنقول : إن قصد التقية بفعل ما أكره عليه ، يعني أنه إنما أسلم أو صلى اتقاء للقتل ، لا انقيادا بالباطن لأمر الشرع ، كان عاصيا في الباطن ، وإن لم يفعل ذلك تقية ، بل إيمانا وانقيادا صحيحا خالصا ، كان مطيعا ظاهرا وباطنا .




                الخدمات العلمية