الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 324 ] معرفة الثقات والضعفاء


979 . واعن بعلم الجرح والتعديل فإنه المرقاة للتفضيل      980 . بين الصحيح والسقيم واحذر
من غرض ، فالجرح أي خطر      981 . ومع ذا فالنصح حق ولقد
أحسن يحيى في جوابه وسد      982 . لأن يكونوا خصماء لي أحب
من كون خصمي المصطفى إذ لم أذب      983 . وربما رد كلام الجارح
كالنسئي في أحمد بن صالح      984 . فربما كان لجرح مخرج
غطى عليه السخط حين يحرج

التالي السابق


أي واجعل من عنايتك معرفة الثقات والضعفاء ، فهو من أجل أنواع الحديث ، فإنه المرقاة إلى التفرقة بين صحيح الحديث وسقيمه ، وفيه لأئمة الحديث تصانيف ، منها ما أفرد في الضعفاء ، وصنف فيه البخاري ، والنسائي ، والعقيلي ، والساجي ، وابن حبان ، والدارقطني ، والأزدي ، وابن عدي ; ولكنه ذكر في كتابه الكامل كل من تكلم فيه ، وإن كان ثقة ، وتبعه على ذلك الذهبي في الميزان ، إلا أنه لم يذكر أحدا من الصحابة والأئمة المتبوعين ، وفاته جماعة ، ذيلت عليه ذيلا في مجلد. [ ص: 325 ] ومنها ما أفرد في الثقات ، وصنف فيه ابن حبان ، وابن شاهين ، ومن المتأخرين صاحبنا شمس الدين محمد بن أيبك السروجي ، ولم يكمله ، عندي منه بخطه الأحمدون في مجلد ومنها ما جمع بين الثقات والضعفاء ، كـ تاريخ البخاري ، وتاريخ أبي بكر بن أبي خيثمة ، وهو كثير الفوائد ، وطبقات ابن سعد ، وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، والتمييز للنسائي ، وغيرها.وليحذر المتصدي لذلك من الغرض في جانبي التوثيق ، والتجريح ، فالمقام خطر ولقد أحسن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد ، حيث يقول أعراض المسلمين حفرة من حفر النار ، وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدثون والحكام ، ومع كون الجرح خطرا ، فلا بد منه للنصيحة في الدين ، وقيل إن أبا تراب النخشبي ، قال لأحمد بن حنبل لا تغتب العلماء ، فقال له أحمد ويحك هذا نصيحة ، ليس هذا غيبة انتهى.وقد أوجب الله تعالى الكشف والتبيين عند خبر الفاسق ، بقوله تعالى إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجرح بئس أخو العشيرة [ ص: 326 ] إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة ، وقال في التعديل إن عبد الله رجل صالح ، إلى غير ذلك من صحيح الأخبار وقد تكلم في الرجال جماعة من الصحابة والتابعين ، فمن بعدهم ، ذكرهم الخطيب ، وأما قول صالح جزرة أول من تكلم في الرجال شعبة ثم تبعه يحيى بن سعيد القطان ، ثم بعده أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وهؤلاء فإنه يريد أول من تصدى لذلك ، وإلا فقد تكلم في ذلك قبل شعبة ولقد أحسن يحيى بن سعيد القطان ، إذ قال له أبو بكر بن خلاد أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة ؟ فقال لأن يكونوا خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول لي لم لم تذب الكذب عن حديثي ؟ثم إن الجارح وإن كان إماما معتمدا في ذلك ، فربما أخطأ فيه ، كما جرح النسائي أحمد بن صالح المصري ، بقوله غير ثقة ولا مأمون ، وهو ثقة إمام حافظ ، احتج به البخاري في صحيحه ، وقال ثقة ، ما رأيت أحدا يتكلم فيه بحجة ، وكذا وثقه أبو حاتم الرازي ، والعجلي ، وآخرون وقد قال أبو يعلى الخليلي اتفق الحفاظ على أن كلام النسائي فيه تحامل ، ولا يقدح كلام أمثاله فيه ، وقد بين ابن عدي سبب كلام النسائي فيه ، فقال سمعت محمد بن هارون البرقي يقول حضرت [ ص: 327 ] مجلس أحمد ، فطرده من مجلسه ، فحمله ذلك على أن تكلم فيه قال الذهبي في الميزان آذى النسائي نفسه بكلامه فيه ، وقال ابن يونس لم يكن أحمد عندنا ، كما قال النسائي لم يكن له آفة غير الكبر ، وقد تكلم فيه يحيى بن معين فيما رواه معاوية بن صالح عنه ، وفي كلامه ما يشير إلى الكبر ، فقال كذاب يتفلسف ، رأيته يخطر في جامع مصر فنسبه إلى الفلسفة ، وأنه يخطر في مشيته ، ولعل ابن معين لا يدري ما الفلسفة ؟ فإنه ليس من أهلها. وقد ذكر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد الوجوه التي تدخل الآفة منها في ذلك ، وهي خمسة:أحدها الهوى والغرض ، وهو شرها ، وهو في تواريخ المتأخرين كثير.والثاني المخالفة في العقائد. والثالث الاختلاف بين المتصوفة ، وأهل علم الظاهر.والرابع الكلام بسبب الجهل بمراتب العلوم ، وأكثر ذلك في المتأخرين ; لاشتغالهم بعلوم الأوائل ، وفيها الحق كالحساب ، والهندسة ، والطب ، وفيها الباطل كالطبيعيات ، وكثير من الإلهيات ، وأحكام النجوم.والخامس الأخذ بالتوهم مع عدم الورع.هذا حاصل كلامه ، وهو واضح جلي ، وقد عقد ابن عبد البر في كتاب العلم بابا لكلام الأقران المتعاصرين بعضهم في بعض ، ورأى أن أهل العلم لا يقبل جرحهم إلا ببيان واضح. [ ص: 328 ] وقولي فربما كان لجرح مخرج ، كالجواب عن سؤال مقدر ، وهو أنه إذا نسب مثل النسائي ، وهو إمام حجة في الجرح والتعديل إلى مثل هذا فكيف يوثق بقوله في ذلك ؟ وأجاب ابن الصلاح بأن عين السخط تبدي مساوي لها في الباطن مخارج صحيحة ، تعمى عنها بحجاب السخط ، لا أن ذلك يقع من مثله تعمدا لقدح يعلم بطلانه ، والله أعلم.



الخدمات العلمية