الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ غفر ]

                                                          غفر : الغفور الغفار ، جل ثناؤه ، وهما من أبنية المبالغة ، ومعناهما الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم . يقال : اللهم اغفر لنا مغفرة وغفرا وغفرانا ، وإنك أنت الغفور الغفار ، يا أهل المغفرة . وأصل الغفر التغطية والستر : غفر الله ذنوبه ، أي : سترها ؛ والغفر : الغفران . وفي الحديث : كان إذا خرج من الخلاء قال : غفرانك ! الغفران : مصدر وهو منصوب بإضمار أطلب ، وفي تخصيصه بذلك قولان : أحدهما : التوبة من تقصيره في شكر النعم التي أنعم بها عليه بإطعامه وهضمه وتسهيل مخرجه ، فلجأ إلى الاستغفار من التقصير وترك الاستغفار من ذكر الله تعالى مدة لبثه على الخلاء ، فإنه كان لا يترك ذكر الله بلسانه وقلبه إلا عند قضاء الحاجة ، فكأنه رأى ذلك تقصيرا فتداركه بالاستغفار . وقد غفره يغفره غفرا : ستره . وكل شيء سترته ، فقد غفرته ؛ ومنه قيل للذي يكون تحت بيضة الحديد على الرأس : مغفر . وتقول العرب : اصبغ ثوبك بالسواد فهو أغفر لوسخه ، أي : أحمل له وأغطى له . ومنه : غفر الله ذنوبه ، أي : سترها . وغفرت المتاع : جعلته في الوعاء . ابن سيده : غفر المتاع في الوعاء يغفره غفرا وأغفره أدخله وستره وأوعاه ؛ وكذلك غفر الشيب بالخضاب وأغفره ؛ قال :


                                                          حتى اكتسيت من المشيب عمامة غفراء أغفر لونها بخضاب

                                                          ويروى : أغفر لونها . وكل ثوب يغطى به شيء فهو غفارة ؛ ومنه غفارة الزنون تغشى بها الرحال ، وجمعها غفارات وغفائر . وفي حديث عمر لما حصب المسجد قال : هو أغفر للنخامة ، أي : أستر لها . والغفر والمغفرة : التغطية على الذنوب والعفو عنها ، وقد غفر ذنبه يغفره غفرا وغفرة حسنة ؛ عن اللحياني ، وغفرانا ومغفرة وغفورا ؛ الأخيرة عن اللحياني ، وغفيرا وغفيرة . ومنه قول بعض العرب : اسلك الغفيرة ، والناقة الغزيرة ، والعز في العشيرة ، فإنها عليك يسيرة . واغتفر ذنبه - مثله ، فهو غفور ، والجمع غفر ؛ فأما قوله :


                                                          غفرنا وكانت من سجيتنا الغفر

                                                          فإنما أنث الغفر ؛ لأنه في معنى المغفرة . واستغفر الله من ذنبه ولذنبه بمعنى ، فغفر له ذنبه مغفرة وغفرا وغفرانا . وفي الحديث : غفار غفر الله لها ؛ قال ابن الأثير : يحتمل أن يكون دعاء لها بالمغفرة أو إخبارا أن الله تعالى قد غفر لها . وفي حديث عمرو بن دينار : قلت لعروة : كم لبث رسول الله بمكة ؟ قال : عشرا ، قلت : فابن عباس يقول بضع عشرة ؟ قال : فغفره ، أي قال : غفر الله له . واستغفر الله ذنبه ، على حذف الحرف : طلب منه غفره ؛ أنشد سيبويه :


                                                          أستغفر الله ذنبا لست محصيه     رب العباد إليه القول والعمل

                                                          وتغافرا : دعا كل واحد منهما لصاحبه بالمغفرة ؛ وامرأة غفور ، بغير هاء . أبو حاتم في قوله تعالى : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر المعنى ليغفرن لك الله ، فلما حذف النون كسر اللام وأعملها إعمال لام كي ، قال : وليس المعنى فتحنا لك لكي يغفر الله لك ، وأنكر الفتح سببا للمغفرة ، وأنكر أحمد بن يحيى هذا القول ، وقال : هي لام كي ، قال : ومعناه لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في [ ص: 65 ] الفتح ، فلما انضم إلى المغفرة شيء حادث حسن فيه معنى كي ؛ وكذلك قوله عز وجل : ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون . والغفرة : ما يغطى به الشيء . وغفر الأمر بغفرته وغفيرته : أصلحه بما ينبغي أن يصلح به . يقال : اغفروا هذا الأمر بغفرته وغفيرته ، أي : أصلحوه بما ينبغي أن يصلح . وما عندهم عذيرة ولا غفيرة ، أي : لا يعذرون ولا يغفرون ذنبا لأحد ؛ قال صخر الغي ، وكان خرج هو وجماعة من أصحابه إلى بعض متوجهاتهم فصادفوا في طريقهم بني المصطلق ، فهرب أصحابه فصاح بهم وهو يقول :


                                                          يا قوم ليست فيهم غفيره     فامشوا كما تمشي جمال الحيره

                                                          يقول : لا يغفرون ذنب أحد منكم إن ظفروا به ، فامشوا كما تمشي جمال الحيرة ، أي : تثاقلوا في سيركم ولا تخفوه ، وخص جمال الحيرة ؛ لأنها كانت تحمل الأثقال ، أي : مانعوا عن أنفسكم ولا تهربوا . والمغفر والمغفرة والغفارة : زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة ، وقيل : هو رفرف البيضة ، وقيل : هو حلق يتقنع به المتسلح . قال ابن شميل : المغفر حلق يجعلها الرجل أسفل البيضة تسبغ على العنق فتقيه ، قال : وربما كان المغفر مثل القلنسوة غير أنها أوسع ، يلقيها الرجل على رأسه ، فتبلغ الدرع ، ثم يلبس البيضة فوقها ، فذلك المغفر يرفل على العاتقين ، وربما جعل المغفر من ديباج وخز أسفل البيضة . وفي حديث الحديبية : والمغيرة بن شعبة عليه المغفر ؛ هو ما يلبسه الدارع على رأسه من الزرد ونحوه . والغفارة ، بالكسر : خرقة تلبسها المرأة فتغطي رأسها ما قبل منه وما دبر غير وسط رأسها ، وقيل : الغفارة خرقة تكون دون المقنعة توقي بها المرأة الخمار من الدهن ، والغفارة الرقعة التي تكون على حز القوس الذي يجري عليه الوتر ، وقيل : الغفارة جلدة تكون على رأس القوس يجري عليها الوتر ، والغفارة السحابة فوق السحابة ، وفي التهذيب : سحابة تراها كأنها فوق سحابة ، والغفارة رأس الجبل . والغفر البطن ؛ قال :


                                                          هو القارب التالي له كل قارب     وذو الصدر النامي إذا بلغ الغفرا

                                                          والغفر : زئبر الثوب وما شاكله ، واحدته غفرة . وغفر الثوب - بالكسر - يغفر غفرا : ثار زئبره ؛ واغفار اغفيرارا . والغفر والغفار ، والغفير : شعر العنق واللحيين والجبهة والقفا . وغفر الجسد وغفاره : شعره ، وقيل : هو الشعر الصغير القصير الذي هو مثل الزغب ، وقيل : الغفر شعر كالزغب يكون على ساق المرأة والجبهة ونحو ذلك ، وكذلك الغفر بالتحريك ، قال الراجز :


                                                          قد علمت خود بساقيها الغفر


                                                          ليروين أو ليبيدن الشجر

                                                          والغفار ، بالضم : لغة في الغفر ، وهو الزغب ؛ قال الراجز :


                                                          تبدي نقيا زانها خمارها     وقسطة ما شانها غفارها

                                                          القسطة : عظم الساق . قال الجوهري : ولست أرويه عن أحد . والغفيرة : الشعر الذي يكون على الأذن . قال أبو حنيفة : يقال رجل غفر القفا ، في قفاه غفر . وامرأة غفرة الوجه إذا كان في وجهها غفر . وغفر الدابة : نبات الشعر في موضع العرف . والغفر أيضا : هدب الثوب وهدب الخمائص وهي القطف دقاقها ولينها وليس هو أطراف الأردية ولا الملاحف . وغفر الكلأ : صغاره ؛ وأغفرت الأرض : نبت فيها شيء منه . والغفر : نوع من التفرة ربعي ينبت في السهل والآكام كأنه عصافير خضر قيام إذا كان أخضر ، فإذا يبس فكأنه حمر غير قيام . وجاء القوم جما غفيرا وجماء غفيرا ، ممدود ، وجم الغفير وجماء الغفير والجماء الغفير ، أي : جاءوا بجماعتهم الشريف والوضيع ولم يتخلف أحد ، وكانت فيهم كثرة ؛ ولم يحك سيبويه إلا الجماء الغفير ، وقال : هو من الأحوال التي دخلها الألف واللام ، وهو نادر ، وقال : الغفير وصف لازم للجماء ؛ يعني أنك لا تقول الجماء وتسكت . ويقال أيضا : جاءوا جماء الغفيرة وجاءوا بجماء الغفير والغفيرة ، لغات كلها . والجماء الغفير : اسم وليس بفعل إلا أنه ينصب كما تنصب المصادر التي هي في معناه ، كقولك : جاءوني جميعا وقاطبة وطرا وكافة ، وأدخلوا فيه الألف واللام كما أدخلوهما في قولهم : أوردها العراك ، أي : أوردها عراكا . وفي حديث علي ، رضي الله عنه : إذا رأى أحدكم لأخيه غفيرة في أهل أو مال فلا يكونن له فتنة . الغفيرة : الكثرة والزيادة ، من قولهم للجمع الكثير الجم الغفير . وفي حديث أبي ذر : قلت : يا رسول الله ، كم الرسل ؟ قال : ثلاثمائة وخمسة عشر جم الغفير ، أي : جماعة كثيرة ، وقد ذكر في " جمم " مبسوطا مستقصى . وغفر المريض والجريح يغفر غفرا ، وغفر على صيغة ما لم يسم فاعله ، كل ذلك : نكس ، وكذلك العاشق إذا عاده عيده بعد السلوة ؛ قال :


                                                          خليلي إن الدار غفر لذي الهوى     كما يغفر المحموم أو صاحب الكلم

                                                          وهذا البيت أورده الجوهري : لعمرك إن الدار ؛ قال ابن بري : البيت للمرار الفقعسي ، قال : وصواب إنشاده : خليلي إن الدار ، بدلالة قوله بعده :


                                                          قفا فاسألا من منزل الحي دمنة     وبالأبرق البادي ألما على رسم

                                                          وغفر الجرح يغفر غفرا : نكس وانتقض ، وغفر - بالكسر - لغة فيه . ويقال للرجل إذا قام من مرضه ثم نكس : غفر يغفر غفرا . وغفر الجلب السوق يغفرها غفرا : رخصها . والغفر والغفر ، الأخيرة قليلة : ولد الأروية ، والجمع أغفار وغفرة وغفور ؛ عن كراع ، والأنثى غفرة وأمه مغفرة ، والجمع مغفرات ؛ قال بشر :


                                                          وصعب يزل الغفر عن قذفاته     بحافاته بان طوال وعرعر

                                                          وقيل : الغفر اسم للواحد منها والجمع ؛ وحكي : هذا غفر كثير وهي أروى مغفر لها غفر ؛ قال ابن سيده : هكذا حكاه أبو عبيد ، والصواب : أروية مغفر ؛ لأن الأروى جمع أو اسم جمع . والغفر ، بالكسر : ولد البقرة ؛ عن الهجري . [ ص: 66 ] وغفار : ميسم يكون على الخد . والمغافر والمغافير : صمغ شبيه بالناطف ينضحه العرفط فيوضع في ثوب ثم ينضح بالماء فيشرب ، واحدها مغفر ومغفر ومغفر ومغفور ومغفار ومغفير . والمغفوراء : الأرض ذات المغافير ؛ وحكى أبو حنيفة ذلك في الرباعي ؛ وأغفر العرفط والرمث : ظهر فيهما ذلك ، وأخرج مغافيره وخرج الناس يتغفرون ويتمغفرون ، أي : يجتنون المغافير من شجره ؛ ومن قال مغفور قال : خرجنا نتمغفر ؛ ومن قال مغفر قال : خرجنا نتغفر ، وقد يكون المغفور أيضا العشر والسلم والثمام والطلح وغير ذلك . التهذيب : يقال لصمغ الرمث والعرفط مغافير ومغاثير ، الواحد مغثور ومغفور ومغفر ومغثر ، بكسر الميم . روي عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب عند حفصة عسلا فتواصينا أن نقول له : أكلت مغافير ؛ وفي رواية : فقالت له سودة أكلت مغافير ؛ ويقال له أيضا مغاثير ، بالثاء المثلثة ، وله ريح كريهة منكرة ، أرادت صمغ العرفط . والمغافير : صمغ يسيل من شجر العرفط غير أن رائحته ليست بطيبة . قال الليث : المغفار ذوبة تخرج من العرفط حلوة تنضح بالماء فتشرب . قال : وصمغ الإجاصة مغفار . أبو عمرو : المغافير الصمغ يكون في الرمث وهو حلو يؤكل واحدها مغفور ، وقد أغفر الرمث . وقال ابن شميل : الرمث من بين الحمض له مغافير ، والمغافير : شيء يسيل من طرف عيدانها مثل الدبس في لونه تراه حلوا يأكله الإنسان حتى يكدن عليه شدقاه وهو يكلع شفته وفمه مثل الدبق والرب يعلق به ، وإنما يغفر الرمث في الصفرية إذا أورس ، يقال : ما أحسن مغافير هذا الرمث . وقال بعضهم : كل الحمض يورس عند البرد وهو تروحه وإزباده ، يخرج مغافيره تجد ريحه من بعيد . والمغافير : عسل حلو مثل الرب إلا أنه أبيض . ومثل العرب : هذا الجنى لا أن يكد المغفر ؛ يقال ذلك للرجل يصيب الخير الكثير ، والمغفر هو العود من شجر الصمغ يمسح به ما ابيض فيتخذ منه شيء طيب ؛ وقال بعضهم : ما استدار من الصمغ يقال له المغفر ، وما استدار مثل الإصبع يقال له الصعرور ، وما سال منه في الأرض يقال له الذوب ، وقالت الغنوية : ما سال منه فبقي شبيه الخيوط بين الشجر والأرض يقال له شآبيب الصمغ ؛ وأنشدت :


                                                          كأن سيل مرغه الملعلع     شؤبوب صمغ طلحه لم يقطع

                                                          وفي الحديث : أن قادما قدم عليه من مكة فقال : كيف تركت الحزورة ؟ قال : جادها المطر فأغفرت بطحاؤها ، أي : أن المطر نزل عليها حتى صار كالغفر من النبات . والغفر : الزئبر على الثوب ، وقيل : أراد أن رمثها قد أغفرت ، أي : أخرجت مغافيرها . والمغافير : شيء ينضحه شجر العرفط حلو كالناطف ، قال : وهذا أشبه ، ألا تراه وصف شجرها فقال : وأبرم سلمها وأغدق إذخرها ؟ والغفر : دويبة . والغفر : منزل من منازل القمر ثلاثة أنجم صغار ، وهي من الميزان . وغفير : اسم . وغفيرة : اسم امرأة . وبنو غافر : بطن . وبنو غفار من كنانة : رهط أبي ذر الغفاري .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية