الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ غلا ]

                                                          غلا : الغلاء : نقيض الرخص . غلا السعر وغيره يغلو غلاء ، ممدود فهو غال وغلي الأخيرة ؛ عن كراع . وأغلاه الله : جعله غاليا . وغالى بالشيء : اشتراه بثمن غال . وغالى بالشيء وغلاه : سام فأبعط ؛ قال الشاعر :


                                                          نغالي اللحم للأضياف نيئا ونرخصه إذا نضج القدير



                                                          فحذف الباء وهو يريدها ، كما يقال لعبت الكعاب ولعبت بالكعاب ، المعنى نغالي باللحم . وقال أبو مالك : نغالي اللحم نشتريه غاليا ثم نبذله ونطعمه إذا نضج في قدورنا . ويقال أيضا : أغلى ؛ قال الشاعر :


                                                          كأنها درة أغلى التجار بها



                                                          وقال ابن بري : شاهد أغلى اللحم قول شبيب بن البرصاء :


                                                          وإني لأغلي اللحم نيئا وإنني     لممس بهين اللحم وهو نضيج



                                                          الفراء : غاليت اللحم وغاليت باللحم جائز . ويقال : غاليت صداق المرأة أي أغليته ؛ ومنه قول عمر ، رضي الله عنه : لا تغالوا صدقات النساء ، وفي رواية : لا تغالوا صدق النساء ، وفي رواية : في صدقاتهن أي لا تبالغوا في كثرة الصداق ، وأصل الغلاء الارتفاع ومجاوزة القدر في كل شيء . وبعته بالغلاء والغالي والغلي ؛ كلهن عن ابن الأعرابي ؛ وأنشد :


                                                          ولو أنا نباع كلام سلمى     لأعطينا به ثمنا غليا



                                                          وغلا في الدين والأمر يغلو غلوا : جاوز حده . وفي التنزيل : لا تغلوا في دينكم وقال الحارث بن خالد :


                                                          خمصانة قلق موشحها     رؤد الشباب غلا بها عظم



                                                          التهذيب : وقال بعضهم غلوت في الأمر غلوا وغلانية وغلانيا إذا جاوزت فيه الحد وأفرطت فيه ؛ قال الأعشى : أنشده ابن بري :


                                                          أو زد عليه الغلانيا



                                                          وفي التهذيب : زادوا فيه النون ؛ قال ذو الرمة :

                                                          وذو الشنء فاشنأه وذو الود فاجزه على وده وازدد عليه الغلانيا

                                                          زاد فيه النون . وفي الحديث : إياكم والغلو في الدين أي التشدد فيه ومجاوزة الحد ، كالحديث الآخر : إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ؛ وقيل : معناه البحث عن بواطن الأشياء والكشف عن عللها وغوامض متعبداتها ؛ ومنه الحديث : وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه ؛ إنما قال ذلك لأن من آدابه وأخلاقه التي أمر بها [ ص: 79 ]

                                                          القصد في الأمور ، وخير الأمور أوساطها

                                                          .

                                                          و :


                                                          كلا طرفي قصد الأمور ذميم



                                                          والغلو : الإعداء . وغلا بالسهم يغلو غلوا وغلوا وغالى به غلاء : رفع يده يريد به أقصى الغاية وهو من التجاوز ومنه ؛ قول الشاعر :


                                                          كالسهم أرسله من كفه الغالي



                                                          وقال الليث : رمى به ؛ وأنشد للشماخ :


                                                          كما سطع المريخ شمره الغالي



                                                          والمغالي بالسهم : الرافع يده يريد به أقصى الغاية . ورجل غلاء : بعيد الغلو بالسهم ؛ قال غيلان الربعي يصف حلبة :


                                                          أمسوا فقادوهن حول الميطاء     بمائتين بغلاء الغلاء



                                                          وغلا السهم نفسه : ارتفع في ذهابه وجاوز المدى ، وكذلك الحجر ، وكل مرماة من ذلك غلوة ؛ وأنشد :


                                                          من مائة زلخ بمريخ غال



                                                          وكله من الارتفاع والتجاوز ، والجمع غلوات . وغلاء . وفي الحديث : أهدى له يكسوم سلاحا وفيه سهم فسماه قتر الغلاء ؛ الغلاء ، بالكسر ، والمد : من غاليته أغاليه مغالاة وغلاء إذا راميته ، والقتر سهم الهدف ، وهي أيضا أمد جري الفرس وشوطه ، والأصل الأول . وفي حديث ابن عمر : بينه وبين الطريق غلوة ؛ الغلوة : قدر رمية بسهم وقد تستعمل الغلوة في سباق الخيل ، والغلوة الغاية مقدار رمية . وفي المثل : جري المذكيات غلاء . والمغلاة : سهم يتخذ لمغالاة الغلوة ، ويقال له المغلى ، بلا هاء ؛ قال ابن سيده : والمغلى سهم تغلى به أي ترفع به اليد حتى يتجاوز المقدار أو يقارب ذلك . وسهم الغلاء ممدود : السهم الذي يقدر به مدى الأميال والفراسخ والأرض التي يستبق إليها . التهذيب : الفرسخ التام خمس وعشرون غلوة . والغلو في القافية : حركة الروي الساكن بعد تمام الوزن ؛ والغالي : نون زائدة بعد تلك الحركة ، وذلك نحو قوله في إنشاد من أنشده هكذا :


                                                          وقاتم الأعماق خاوي المخترقن



                                                          فحركة القاف هي الغلو ، والنون بعد ذلك هي الغالي ، وإنما اشتق من الغلو الذي هو التجاوز لقدر ما يجب ، وهو عندهم أفحش من التعدي ، وقد ذكرنا التعدي في الموضع الذي يليق به ، ولا يعتد به في الوزن لأن الوزن قد تناهى قبله ، جعلوا ذلك في آخر البيت بمنزلة الخزم في أوله . والدابة تغلو في سيرها غلوا وتغتلي بخفة قوائمها ؛ وأنشد :


                                                          فهي أمام الفرقدين تغتلي



                                                          ابن سيده : وغلت الدابة في سيرها غلوا واغتلت ارتفعت فجاوزت حسن السير ؛ قال الأعشى :


                                                          جمالية تغتلي بالرداف     إذا كذب الآثمات الهجيرا

                                                          والاغتلاء : الإسراع ؛ قال الشاعر :


                                                          كيف تراها تغتلي يا شرج     وقد سهجناها فطال السهج



                                                          وناقة مغلاة الوهق إذا توهقت أخفافها ؛ قال رؤبة :


                                                          تنشطته كل مغلاة الوهق     مضبورة قرواء هرجاب فنق



                                                          الهاء للمخترق ، وهو المفازة . وغلا بالجارية والغلام عظم غلوا : وذلك في سرعة شبابهما وسبقهما لداتهما ، وهو من التجاوز . وغلوان الشباب وغلواؤه : سرعته وأوله . أبو عبيد : الغلواء ، ممدود ، سرعة الشباب ؛ وأنشد قول ابن الرقيات :


                                                          لم تلتفت للداتها     ومضت على غلوائها



                                                          وقال آخر :


                                                          فمضى على غلوائه وكأنه     نجم سرت عنه الغيوم فلاحا



                                                          وقال طفيل :


                                                          فمشوا إلى الهيجاء في غلوائها     مشي الليوث بكل أبيض مذهب



                                                          وفي حديث علي ، رضي الله عنه : شموخ أنفه وسمو غلوائه ؛ غلواء الشباب : أوله وشرته ؛ وقال ابن السكيت في قول الشاعر :


                                                          خمصانة قلق موشحها     رؤد الشباب غلا بها عظم



                                                          قال : هذا مثل قول ابن الرقيات :


                                                          لم تلتفت للداتها     ومضت على غلوائها



                                                          وكما قال :


                                                          كالغصن في غلوائه المتأود



                                                          وقال غيره : الغالي : اللحم السمين ، أخذ منه قوله : غلا بها عظم إذا سمنت ؛ وقال أبو وجزة السعدي :


                                                          توسطها غال عتيق وزانها     معرس مهري به الذيل يلمع



                                                          أراد بمعرس مهري حملها الذي أجنته في رحمها من ضراب جمل مهري أي توسطها شحم عتيق في سنامها . ويقال للشيء إذا ارتفع : قد غلا ؛ قال ذو الرمة :


                                                          فما زال يغلو حب مية عندنا     ويزداد حتى لم نجد ما نزيدها



                                                          وغلا النبت : ارتفع وعظم والتف ؛ قال لبيد :


                                                          فغلا فروع الأيهقان وأطفلت     بالجلهتين ظباؤها ونعامها



                                                          وكذلك تغالى واغلولى ؛ قال ذو الرمة :


                                                          مما تغالى من البهمى ذوائبه     بالصيف وانضرجت عنه الأكاميم



                                                          وأغلى الكرم : التف ورقه وكثرت نواميه وطال . وأغلاه : خفف من ورقه ليرتفع ويجود . وكل ما ارتفع فقد غلا وتغالى . وتغالى لحمه : انحسر عند الضماد كأنه ضد . التهذيب : وتغالى لحم الدابة أو الناقة إذا ارتفع وذهب ، وقيل : إذا انحسر عند التضمير ؛ قال لبيد :


                                                          فإذا تغالى لحمها وتحسرت     وتقطعت بعد الكلال خدامها



                                                          تغالى لحمها أي ارتفع وصار على رءوس العظام ، ورواه ثعلب بالعين غير المعجمة . والغلواء : الغلو . وغلوى : اسم فرس [ ص: 80 ] مشهورة . وغلت القدر والجرة تغلي غليا وغليانا وأغلاها وغلاها ، ولا يقال غليت ؛ قال أبو الأسود الدؤلي :


                                                          ولا أقول لقدر القوم قد غليت     ولا أقول لباب الدار مغلوق



                                                          أي أني فصيح لا ألحن . ابن سيده : قال ابن دريد وفي بعض كلام الأوائل أن ماء وغله ، قال : وبعضهم يرويه : أز ماء وغله . والغالية من الطيب : معروفة وقد تغلى بها ؛ عن ثعلب ، وغلى غيره . يقال : إن أول من سماها بذلك سليمان بن عبد الملك ، ويقال منها تغللت وتغلفت وتغليت ، كله من الغالية . وقال أبو نصر : سألت الأصمعي هل يجوز تغللت ؟ فقال : إن أردت أنك أدخلته في لحيتك أو شاربك فجائز . والغلوى : الغالية في قول عدي بن زيد :


                                                          ينفح من أردانها المسك وال     عنبر والغلوى ولبنى قفوص

                                                          وفي حديث عائشة ، رضي الله عنها : كنت أغلف لحية رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بالغالية ، قال : هو نوع من الطيب مركب من مسك وعنبر وعود ودهن ، وهي معروفة ، والتغلف بها التلطخ .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية