الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب الاستعاذة

يتعلق بها ثلاثة مباحث :

الأول : في حكمها

الثاني : في صيغتها

الثالث : في كيفيتها

( المبحث الأول ) اتفق العلماء على أن الاستعاذة مطلوبة من مريد القراءة . واختلفوا بعد ذلك هل هذا الطلب على سبيل الندب أو على سبيل الوجوب ؟ فذهب جمهور العلماء وأهل الأداء [ ص: 12 ] إلى الأول ، وقالوا : إن الاستعاذة مندوبة عند إرادة القراءة . وحملوا الأمر في قوله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم على الندب . فلو تركها القارئ لا يكون آثما .

وذهب بعض العلماء إلى الثاني ، وقالوا : إن الاستعاذة واجبة عند إرادة القراءة وحملوا الأمر في الآية المذكورة على الوجوب . وقال ابن سيرين : - وهو من القائلين بالوجوب - لو أتى الإنسان بها مرة واحدة في حياته كفاه ذلك في إسقاط الواجب عنه ، وعلى مذهب هؤلاء لو تركها الإنسان يكون آثما .

( المبحث الثاني ) المختار لجميع القراء في صيغتها " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " لأنها الصيغة الواردة في سورة النحل . ولا خلاف بينهم في جواز غير هذه الصيغة من الصيغ الواردة عند أهل الأداء سواء نقصت عن هذه الصيغة نحو أعوذ بالله من الشيطان ، أم زادت نحو أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، أو أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم ، أو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم ، أو إن الله هو السميع العليم ، أو أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الرجيم إلى غير ذلك من الصيغ الصحيحة الواردة عن أئمة القراءة .

( المبحث الثالث ) روي عن نافع أنه كان يخفي الاستعاذة في جميع القرآن . ومثل هذا روي عن حمزة . وروى خلف عن حمزة أيضا أنه كان يجهر بها أول الفاتحة خاصة ويخفيها بعد ذلك في سائر القرآن . وروى خلاد عنه أنه كان يجيز الجهر والإخفاء جميعا لا ينكر على من جهر ولا على من أخفى ، لا فرق في ذلك بين الفاتحة وغيرها من سائر القرآن الكريم .

ولكن المختار في ذلك لجميع القراء العشرة التفصيل فيستحب إخفاؤها في مواطن ، والجهر بها في مواطن أخرى .

مواطن الإخفاء :

(1) إذا كان القارئ يقرأ سرا سواء أكان منفردا أم في مجلس .

(2) إذا كان خاليا سواء أقرأ سرا أم جهرا .

(3) إذا كان في الصلاة سواء أكانت الصلاة سرية أم جهرية .

(4) إذا كان يقرأ وسط جماعة يتدارسون القرآن كأن يكون في مقرأة ولم يكن هو المبتدئ بالقراءة .

وما عدا هذه المواطن يستحب الجهر بها .

( تتميم ) إذا كان القارئ مبتدئا أول سورة تعين عليه الإتيان بالبسملة كما سيأتي ، وحينئذ يجوز له بالنسبة للوقف على الاستعاذة أو وصلها بالبسملة أربعة أوجه :

الأول : الوقف على الاستعاذة وعلى البسملة .

الثاني : الوقف على الاستعاذة ووصل البسملة بأول السورة .

الثالث: وصل الاستعاذة بالبسملة والوقف عليها .

الرابع : وصل الاستعاذة بالبسملة ووصل البسملة بأول [ ص: 13 ] السورة ، وهذه الأوجه الأربعة جائزة لجميع القراء العشرة عند الابتداء بأي سورة من سور القرآن سوى براءة .

أما الابتداء ببراءة فيجوز لكل منهم وجهان فقط : الأول : الوقف على الاستعاذة . الثاني : وصلها بأول السورة ، ولا بسملة في أولها لجميع القراء كما يأتي .

وأما إذا كان ابتداؤه بآية في أثناء السورة كأول الربع أو أول القصة مثلا فيجوز له حينئذ الإتيان بالبسملة وتركها ، فإذا أتى بالبسملة جازت له الأوجه الأربعة المذكورة ، وإذا تركها جاز له وجهان :

الأول : الوقف على الاستعاذة .

الثاني : وصلها بأول الآية ، وهذه الأوجه جائزة لسائر القراء أيضا .

( فائدة ) لو قطع القارئ قراءته لطارئ قهري كعطاس أو تنحنح أو لكلام يتعلق بمصلحة القراءة كأن شك في شيء في القراءة وسأل من بجواره ليتثبت لا يعيد الاستعاذة . أما لو قطعها إعراضا عنها أو لكلام لا تعلق له بها ولو ردا لسلام فإنه يستأنف الاستعاذة .

التالي السابق


الخدمات العلمية