الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ غير ]

                                                          غير : التهذيب : غير من حروف المعاني تكون نعتا وتكون بمعنى لا ، وله باب على حدة . وقوله : ما لكم لا تناصرون المعنى ما لكم غير متناصرين . وقولهم : لا إله غيرك ، مرفوع على خبر التبرئة ، قال : ويجوز لا إله غيرك ، بالنصب ، أي لا إله إلا أنت ، قال : وكلما أحللت غيرا محل إلا نصبتها ، وأجاز الفراء : ما جاءني غيرك على معنى ما جاءني إلا أنت ؛ وأنشد :


                                                          لا عيب فيها غير شهلة عينها



                                                          وقيل : غير بمعنى سوى ، والجمع أغيار ، وهي كلمة يوصف بها ويستثنى ، فإن وصفت بها أتبعتها إعراب ما قبلها ، وإن استثنيت بها أعربتها بالإعراب الذي يجب للاسم الواقع بعد إلا ، وذلك أن أصل غير صفة والاستثناء عارض ؛ قال الفراء : بعض بني أسد وقضاعة ينصبون غيرا إذا كان في معنى إلا ، تم الكلام قبلها أو لم يتم ، يقولون : ما جاءني غيرك وما جاءني أحد غيرك ، قال : وقد تكون بمعنى لا فتنصبها على الحال كقوله تعالى : فمن اضطر غير باغ ولا عاد كأنه تعالى قال : فمن اضطر خائفا لا باغيا . وكقوله تعالى : غير ناظرين إناه وقوله سبحانه : غير محلي الصيد . التهذيب : غير تكون استثناء مثل قولك هذا درهم غير دانق ، معناه إلا دانقا ، وتكون غير اسما ، تقول : مررت بغيرك وهذا غيرك . وفي التنزيل العزيز : غير المغضوب عليهم خفضت غير لأنها نعت للذين جاز أن تكون نعتا لمعرفة لأن الذين غير مصمود صمده وإن كان فيه الألف واللام ؛ وقال أبو العباس : جعل الفراء الألف واللام فيهما بمنزلة النكرة . ويجوز أن تكون غير نعتا للأسماء التي في قوله : أنعمت عليهم وهي غير مصمود صمدها ؛ قال : وهذا قول ؛ وقال بعضهم و الفراء يأبى أن يكون غير نعتا إلا للذين لأنهم بمنزلة النكرة ، وقال الأخفش : غير بدل ، قال ثعلب : وليس بممتنع ما قال ، ومعناه التكرير كأنه أراد صراط غير المغضوب عليهم ، وقال الفراء : معنى غير معنى لا ، وفي موضع آخر قال : معنى غير في قوله : غير المغضوب عليهم معنى لا ، ولذلك ردت عليها لا كما تقول : فلان غير محسن ولا مجمل ، قال : وإذا كان غير بمعنى سوى لم يجز أن يكرر عليها ، ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول عندي سوى عبد الله ولا زيد ؟ قال : وقد قال من لا يعرف العربية إن معنى غير هاهنا بمعنى سوى وإن لا صلة ؛ واحتج بقوله :


                                                          في بئر لا حور سرى وما شعر



                                                          قال الأزهري : وهذا قول أبي عبيدة ، وقال أبو زيد : من نصب قوله : غير المغضوب فهو قطع ، وقال الزجاج : من نصب غيرا ، فهو على وجهين : أحدهما الحال ، والآخر الاستثناء . الفراء والزجاج في قوله عز وجل : غير محلي الصيد بمعنى لا ، جعلا معا غير بمعنى لا ، وقوله عز وجل : غير متجانف لإثم غير حال هذا . قال الأزهري : ويكون غير بمعنى ليس كما تقول العرب كلام الله غير مخلوق وليس بمخلوق . وقوله عز وجل : هل من خالق غير الله يرزقكم وقرئ : غير الله ، فمن خفض رده على خالق ، ومن رفعه فعلى المعنى أراد : هل خالق ؟ قال الفراء : وجائز هل من خالق غير الله ، وكذلك : ما لكم من إله غيره هل من خالق إلا الله وما لكم من إله إلا هو فتنصب غير إذا كانت محل إلا . وقال ابن الأنباري في قولهم : لا أراني الله بك غيرا ؛ الغير : من تغير الحال ، وهو اسم بمنزلة القطع والعنب وما أشبههما ، قال : ويجوز أن يكون جمعا واحدته غيرة ؛ وأنشد :


                                                          ومن يكفر الله يلق الغير



                                                          وتغير الشيء عن حاله : تحول . وغيره : حوله وبدله كأنه جعله غير ما كان . وفي التنزيل العزيز : ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم قال ثعلب : معناه حتى يبدلوا ما أمرهم الله . والغير : الاسم من التغير ؛ عن اللحياني ؛ وأنشد :


                                                          إذ أنا مغلوب قليل الغير

                                                          قال : ولا يقال إلا غيرت . وذهب اللحياني إلى أن الغير ليس بمصدر إذ ليس له فعل ثلاثي غير مزيد . وغير عليه الأمر : حوله . وتغايرت الأشياء : اختلفت . والمغير : الذي يغير على بعيره أداته ليخفف عنه ويريحه ، وقال الأعشى :

                                                          واستحث المغيرون من القوم وكان النطاف ما في العزالي

                                                          ابن الأعرابي : يقال غير فلان عن بعيره إذا حط عنه رحله وأصلح من شأنه ؛ وقال القطامي :


                                                          إلا مغيرنا والمستقي العجل



                                                          وغير الدهر : أحواله المتغيرة . وورد في حديث الاستسقاء : من يكفر الله يلق الغير ، أي تغير الحال وانتقالها من الصلاح إلى الفساد . والغير : الاسم من قولك غيرت الشيء فتغير . وأما ما ورد في [ ص: 108 ] الحديث : أنه كره تغيير الشيب ؛ يعني نتفه ، فإن تغيير لونه قد أمر به في غير حديث . وغارهم الله بخير ومطر يغيرهم غيرا وغيارا ويغورهم : أصابهم بمطر وخصب ، والاسم الغيرة . وأرض مغيرة ، بفتح الميم ومغيورة أي مسقية . يقال : اللهم غرنا بخير وغرنا بخير . وغار الغيث الأرض يغيرها أي سقاها . وغارهم الله بمطر أي سقاهم ، يغيرهم ويغورهم . وغارنا الله بخير : كقولك أعطانا خيرا ؛ قال أبو ذؤيب :


                                                          وما حمل البختي عام غياره     عليه الوسوق برها وشعيرها



                                                          وغار الرجل يغوره ويغيره غيرا : نفعه ؛ قال عبد مناف بن ربعي الهذلي :


                                                          ماذا يغير ابنتي ربع عويلهما     لا ترقدان ولا بؤسى لمن رقدا



                                                          يقول : لا يغني بكاؤهما على أبيهما من طلب ثأره شيئا . والغيرة ، بالكسر ، والغيار : الميرة . وقد غارهم يغيرهم وغار لهم غيارا أي مارهم ونفعهم ؛ قال مالك بن زغبة الباهلي يصف امرأة قد كبرت وشاب رأسها تؤمل بنيها أن يأتوها بالغنيمة وقد قتلوا :


                                                          ونهدية شمطاء أو حارثية     تؤمل نهبا من بنيها يغيرها



                                                          أي يأتيها بالغنيمة فقد قتلوا ؛ وقول بعض الأغفال :


                                                          ما زلت في منكظة وسير     لصبية أغيرهم بغير



                                                          قد يجوز أن يكون أراد أغيرهم بغير ، فغير للقافية ، وقد يكون غير مصدر غارهم إذا مارهم . وذهب فلان يغير أهله أي يميرهم . وغاره يغيره غيرا : وداه ؛ أبو عبيدة : غارني الرجل يغورني ويغيرني إذا وداك ، من الدية . وغاره من أخيه يغيره ويغوره غيرا : أعطاه الدية ، والاسم منها الغيرة ، بالكسر ، والجمع غير ؛ وقيل : الغير اسم واحد مذكر ، والجمع أغيار . وفي الحديث : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال لرجل طلب القود بولي له قتل : ألا تقبل الغير ؟ وفي رواية ألا الغير تريد ؟ الغير : الدية وجمعه أغيار ، مثل ضلع وأضلاع . قال أبو عمرو : الغير جمع غيرة وهي الدية ؛ قال بعض بني عذرة :

                                                          لنجدعن بأيدينا أنوفكم بني أميمة إن لم تقبلوا الغيرا وقال بعضهم : إنه واحد وجمعه أغيار . وغيره إذا أعطاه الدية ، وأصلها من المغايرة وهي المبادلة لأنها بدل من القتل ؛ قال أبو عبيدة : وإنما سمى الدية غيرا فيما أرى لأنه كان يجب القود فغير القود دية ، فسميت الدية غيرا ، وأصله من التغيير ؛ وقال أبو بكر : سميت الدية غيرا لأنها غيرت عن القود إلى غيره ؛ رواه ابن السكيت في الواو والياء . وفي حديث محلم بن جثامة : إني لم أجد لما فعل هذا في غرة الإسلام مثلا إلا غنما وردت فرمي أولها فنفر آخرها : اسنن اليوم وغير غدا ؛ معناه أن مثل محلم في قتله الرجل وطلبه أن لا يقتص منه وتؤخذ منه الدية ، والوقت أول الإسلام وصدره ، كمثل هذه الغنم النافرة ؛ يعني إن جرى الأمر مع أولياء هذا القتيل على ما يريد محلم ثبط الناس عن الدخول في الإسلام معرفتهم أن القود يغير بالدية ، والعرب خصوصا ، وهم الحراص على درك الأوتار ، وفيهم الأنفة من قبول الديات ، ثم حث رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، على الإقادة منه بقوله : اسنن اليوم وغير غدا ؛ يريد : إن لم تقتص منه غيرت سنتك ، ولكنه أخرج الكلام على الوجه الذي يهيج المخاطب ويحثه على الإقدام والجرأة على المطلوب منه . ومنه حديث ابن مسعود : قال لعمر ، رضي الله عنهما ، في رجل قتل امرأة ولها أولياء فعفا بعضهم وأراد عمر ، رضي الله عنه ، أن يقيد لمن لم يعف ، فقال له : لو غيرت بالدية كان في ذلك وفاء لهذا الذي لم يعف وكنت قد أتممت للعافي عفوه ، فقال عمر ، رضي الله عنه : كنيف ملئ علما ؛ الجوهري : الغير الاسم من قولك غيرت الشيء فتغير . والغيرة ، بالفتح ، المصدر من قولك غار الرجل على أهله . قال ابن سيده : وغار الرجل على امرأته ، والمرأة على بعلها تغار غيرة وغيرا وغارا وغيارا ؛ قال أبو ذؤيب يصف قدورا :


                                                          لهن نشيج بالنشيل كأنها     ضرائر حرمي تفاحش غارها



                                                          وقال الأعشى :


                                                          لاحه الصيف والغيار وإشفاق     على سقبة كقوس الضال



                                                          ورجل غيران ، والجمع غيارى وغيارى ، وغيور ، والجمع غير ، صحت الياء لخفتها عليهم وأنهم لا يستثقلون الضمة عليها استثقالهم لها على الواو ، ومن قال رسل قال غير ، وامرأة غيرى وغيور ، والجمع كالجمع ؛ الجوهري : امرأة غيور ونسوة غير وامرأة غيرى ونسوة غيارى ؛ وفي حديث أم سلمة ، رضي الله عنها : إن لي بنتا وأنا غيور ، هو فعول من الغيرة وهي الحمية والأنفة . يقال : رجل غيور وامرأة غيور بلا هاء لأن فعولا يشترك فيه الذكر والأنثى . وفي رواية : امرأة غيرى ؛ هي فعلى من الغيرة . والمغيار : الشديد الغيرة ؛ قال النابغة :


                                                          شمس موانع كل ليلة حرة     يخلفن ظن الفاحش المغيار



                                                          ورجل مغيار أيضا وقوم مغايير . وفلان لا يتغير على أهله أي لا يغار . وأغار أهله : تزوج عليها فغارت . والعرب تقول : أغير من الحمى أي أنها تلازم المحموم ملازمة الغيور لبعلها . وغايره مغايرة : عارضه بالبيع وبادله . والغيار : البدال ؛ قال الأعشى :


                                                          فلا تحسبني لكم كافرا     ولا تحسبني أريد الغيارا



                                                          تقول للزوج : فلا تحسبني كافرا لنعمتك ولا ممن يريد بها تغييرا . وقولهم : نزل القوم يغيرون أي يصلحون الرحال . وبنو غيرة : حي .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية