الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 115 ] الباب الثالث في أحكام التيمم

                                                                                                                                                                        هي ثلاثة .

                                                                                                                                                                        الأول : أنه يبطل بما يبطل به الوضوء . ثم هو قسمان . أحدهما : يجوز مع وجود الماء ، كتيمم المريض . والثاني : لا يجوز إلا مع عدمه ، أو الخوف في تحصيله ، أو الحاجة إليه ، وما أشبه هذا . فالأول : لا تؤثر فيه رؤية الماء . وأما الثاني : فيبطل بتوهم القدرة على الماء قبل الدخول في الصلاة ، كما إذا رأى سرابا فتوهمه ماء ، أو أطبقت بقربه غمامة ، أو طلع عليه جماعة يجوز أن يكون معهم ماء ، هذا إذا لم يقارن التوهم مانع من القدرة ، فإن قارنه ، لم يبطل تيممه ، كما إذا رأى ما يحتاج إليه للعطش ، أو دونه حائل ، من سبع ، أو عدو ، أو قعر بئر يعلم حال رؤيته تعذر تحصيله ، أو سمع إنسانا يقول : أودعني فلان ماء وهو يعلم غيبة فلان ، وما أشبه هذا .

                                                                                                                                                                        أما إذا رأى الماء في الصلاة ، فإن لم تكن مغنية عن القضاء ، كصلاة الحاضر بالتيمم ، بطلت على الصحيح . وعلى الثاني : يتمها ويعيد . وإن كانت مغنية كصلاة المسافر ، فالمذهب المنصوص : أنه لا تبطل صلاته ولا تيممه . فلو نوى في أثناء الصلاة الإقامة بعد وجدان الماء ، أو نوى القصر ثم وجد الماء ، ثم نوى الائتمام ، بطلت صلاته على الأصح فيهما . وحيث لم تبطل وكانت فريضة ، هل يجوز الخروج منها ليتوضأ ؟ فيه أوجه . أصحها : الخروج أفضل .

                                                                                                                                                                        والثاني : يجوز الخروج ، لكن الاستمرار أفضل .

                                                                                                                                                                        والثالث : إن قلبها نفلا وسلم من ركعتين ، فهو أفضل . وإن أراد إبطالها مطلقا ، فالاستمرار أفضل . والرابع : يحرم قطعها مطلقا .

                                                                                                                                                                        [ ص: 116 ] والخامس : إن ضاق الوقت ، حرم الخروج ، وإلا لم يحرم . قاله إمام الحرمين ، وطرده في كل مصل ، سواء المتيمم وغيره .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الذي حكاه عن إمام الحرمين اختيار له لم يتقدمه به أحد ، واعترف إمام الحرمين بهذا ، وهو خلاف المذهب ، وخلاف نص الشافعي - رحمه الله - ، فقد نص في ( الأم ) ونقله صاحب ( التتمة ) والغزالي في ( البسيط ) عن الأصحاب : أنه يحرم على من تلبس بالفريضة في أول وقتها ، قطعها بغير عذر ، وقد أوضحت نقله ، ودلائله في شرح ( المهذب ) . . . . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وإذا أتم الفريضة بالتيمم ، وبقي الماء الذي رآه إلى أن سلم ، بطل تيممه ، فلا يستبيح به نافلة ، حتى حكى الروياني عن والده : أنه لا يسلم التسليمة الثانية .

                                                                                                                                                                        قلت : وفيما حكاه الروياني نظر ، وينبغي أن يسلم الثانية ، لأنها من جملة الصلاة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأما إذا فني الماء قبل سلامه ، ولم يعلم حتى يستبيح النافلة أيضا ، وإن علم بفنائه قبل سلامه ، ففي بطلان تيممه ومنعه النافلة وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : منعه النافلة ، وبه قطع العراقيون وجماعة من الخراسانيين . . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        أما إذا رأى الماء وهو في نافلة ، فأوجه . أصحها : إن كان نوى عددا ، أتمه ولم يزد ، وإلا اقتصر على ركعتين . والثاني : لا يزيد على ركعتين وإن نواه . والثالث : له أن يزيد ما شاء وإن لم ينوه . والرابع : تبطل صلاته .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية