الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7103 ) مسألة : قال : ( وإذا ارتد الزوجان ، ولحقا بدار الحرب ، لم يجر عليهما ولا على أحد من أولادهما ممن كانوا قبل الردة رق ) [ ص: 25 ] وجملته أن الرق لا يجري على المرتد ، سواء كان رجلا أو امرأة ، وسواء لحق بدار الحرب أو أقام بدار الإسلام . وبهذا قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : إذا لحقت المرتدة بدار الحرب ، جاز استرقاقها ; لأن أبا بكر سبى بني حنيفة ، واسترق نساءهم ، وأم محمد ابن الحنفية من سبيهم .

                                                                                                                                            ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { من بدل دينه فاقتلوه } ، ولأنه لا يجوز إقراره على كفره ، فلم يجز استرقاقه كالرجل ، ولم يثبت أن الذين سباهم أبو بكر كانوا أسلموا ، ولا ثبت لهم حكم الردة . فإن قيل : فقد روي عن علي أن المرتدة تسبى . قلنا : هذا الحديث ضعيف ، ضعفه أحمد . فأما أولاد المرتدين فإن كانوا ولدوا قبل الردة ، فإنهم محكوم بإسلامهم تبعا لآبائهم ، ولا يتبعونهم في الردة ; لأن الإسلام يعلو ، وقد تبعوهم فيه ، فلا يتبعونهم في الكفر ، فلا يجوز استرقاقهم صغارا ; لأنهم مسلمون ، ولا كبارا ; لأنهم إن ثبتوا على إسلامهم بعد كفرهم فهم مسلمون ، وإن كفروا فهم مرتدون ، حكمهم حكم آبائهم في الاستتابة ، وتحريم الاسترقاق .

                                                                                                                                            وأما من حدث بعد الردة ، فهو محكوم بكفره ، لأنه ولد بين أبوين كافرين ، ويجوز استرقاقه ; لأنه ليس بمرتد . نص عليه أحمد . وهو ظاهر كلام الخرقي وأبي بكر . ويحتمل أن لا يجوز استرقاقهم ; لأن آباءهم لا يجوز استرقاقهم ، ولأنهم لا يقرون بالجزية ، فلا يقرون بالاسترقاق . وهذا مذهب الشافعي . وقال أبو حنيفة : إن ولدوا في دار الإسلام ، لم يجز استرقاقهم ، وإن ولدوا في دار الحرب ، جاز استرقاقهم .

                                                                                                                                            ولنا ، أنهم لم يثبت لهم حكم الإسلام ، فجاز استرقاقهم ، كولد الحربيين ، بخلاف آبائهم . فعلى هذا ، إذا وقع في الأسر بعد لحوقه بدار الحرب فحكمه حكم سائر أهل دار الحرب ، وإن كان في دار الإسلام ، لم يقر بالجزية ، وكذلك لو بذل الجزية بعد لحوقه بدار الحرب ، لم يقر بها ; لأنه انتقل إلى الكفر بعد نزول القرآن . فأما من كان حملا حين ردته ، فظاهر كلام الخرقي أنه كالحادث بعد كفره . وعند الشافعي ، هو كالمولود ; لأنه موجود ، ولهذا يرث .

                                                                                                                                            ولنا ، أن أكثر الأحكام إنما تتعلق به بعد الوضع ، فكذلك هذا الحكم . ( 7104 ) مسألة : قال : ( ومن امتنع منهما أو من أولادهما الذين وصفت من الإسلام بعد البلوغ ، استتيب ثلاثا ، فإن لم يتب قتل ) . قوله : الذين وصفت . يعني الذين ولدوا قبل الردة ، فإنهم محكوم بإسلامهم ، فلا يسترقون . ومتى قدر على الزوجين ، أو على أولادهما ، استتيب منهم من كان بالغا عاقلا ، فإن لم يتب قتل ، ومن كان غير بالغ انتظرنا بلوغه ، ثم استتبناه ، فإن لم يتب قتل ، وينبغي أن يحبس حتى لا يهرب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية