الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            [ ص: 355 ] فصل في تشطير المهر وسقوطه ( الفرقة ) في الحياة كما علم من كلامه السابق

                                                                                                                            ( قبل وطء منها ) كفسخها بعيبه أو بإعساره أو بعتقها ، وكردتها أو إسلامها ولو تبعا ، أو إرضاعها له أو لزوجة أخرى له ; أو ملكها له أو ارتضاعها كأن دبت ورضعت من أمه مثلا

                                                                                                                            ( أو بسببها كفسخه بعيبها تسقط المهر ) المسمى ابتداء والمفروض بعد ومهر المثل لأن فسخها إتلاف للمعوض قبل التسليم فأسقط عوضه كإتلاف البائع المبيع قبل القبض ، وفسخه الناشئ عنها كفسخها ، وإنما لم يلزم أباها المسلم مهرها مع أنه فوت بذلك بضعها بناء على أن تبعيتها فيه كاستقلالها ، بخلاف المرضعة يلزمها المهر وإن لزمها الإرضاع لتعينها لأن لها أجرة تجبر ما تغرمه والمسلم لا شيء له ، فلو غرم لنفر عن الإسلام ولأجحفنا به وجعل عيبها كفسخها ولم يجعل عيبه كفراقه لأنه بذل العوض في مقابلة منافع سليمة ولم يتم بخلافها .

                                                                                                                            وإنما مكنت من الفسخ مع أن ما قبضته سليم لدفع ضررها ، فإذا اختارت دفعه فلترد بدله ، وقضية إطلاقهما كغيرهما عدم الفرق بين المقارن للعقد والحادث في حالة فسخه بعيبها وهو كذلك ، وإن قيده الماوردي بالمقارن وجعل الحادث كالطلاق

                                                                                                                            ( ومالا ) يكون منها ولا بسببها

                                                                                                                            ( كطلاق ) ولو خلعا أو رجعيا بأن استدخلت ماءه المحترم ، ويفرق بين هذا وإسقاط الخلع إثم الطلاق البدعي بأن المدار ثم على ما يحقق الرضا منها بلحوق الضرر وقد وجد ، ولا كذلك هنا وإن فوضه إليها فطلقت نفسها أو علقه بفعلها ففعلت

                                                                                                                            ( وإسلامه ) ولو تبعا

                                                                                                                            ( وردته ولعانه وإرضاع أمه ) لها وهي صغيرة

                                                                                                                            ( أو ) إرضاع

                                                                                                                            ( أمها ) له وهو صغير وملكه لها

                                                                                                                            ( يشطره ) أي ينصفه للنص عليه في الطلاق بقوله تعالى { فنصف ما فرضتم } وقياسا عليه في الباقي ، ومر أنه لو زوج أمته بعبده فلا مهر فلو عتقا ثم طلق قبل وطء فلا شطر ، ومثله ما لو أذن لعبده في أن يتزوج أمة غيره برقبته ففعل ثم طلق قبل الوطء فيرجع الكل لمالك

                                                                                                                            [ ص: 356 ] الأمة ، أما النصف المستقر فواضح ، وأما النصف الراجع بالطلاق فهو إنما يرجع للزوج إن تأهل ، وإلا فلمن قام مقامه ، وهو هنا مالكه عند الطلاق لا العقد لأنه صار الآن أجنبيا عنه بكل تقدير ، ولو أعتقه مالكه أو باعه ثم انفسخ أو طلق قبل وطء رجع هو أو سيده على المعتق أو البائع بقيمته أو نصفها لأنه ومشتريه حينئذ المستحق عند الفراق ، وسكت عما لو ارتدا معا وحكمه تشطير المهر على الصحيح ، بخلاف ما سيأتي في نظيره في المتعة ، ويلحق بالموت مسخ أحدهما جمادا ، بخلاف مسخه حيوانا ، فإن كان الزوج وكان قبل الدخول فإنه تتنجز الفرقة كما في التدريب ، ولا يسقط شيء من المهر إذ لا يتصور عوده للزوج لانتفاء أهلية تملكه ولا للورثة لأنه حي فيبقى للزوجة ، قاله تخريجا ، وإنما قلنا تتنجز الفرقة بعد الدخول بمسخه حيوانا ، ولم ينتظر عوده إنسانا في العدة كالردة لأنه قد خرج عن الإنسانية فلم يبق من جنس من يصح نكاحه وعوده ليس باختياره بخلاف المرتد ، ولاطراد العادة الإلهية بعدم عود الممسوخ ، ولا كذلك المرتد فإنه يعود كثيرا ، ولو مسخت حيوانا حصلت الفرقة من جهتها وعاد كل المهر للزوج كما في التدريب

                                                                                                                            ( ثم قيل معنى التشطير أن له خيار الرجوع ) في النصف إن شاء تملكه وإن شاء تركه إذ لا يملك قهرا غير الإرث وهو على التراخي كما اقتضاه كلام الرافعي ، لأنه جعله كخيار الواهب

                                                                                                                            ( والصحيح عوده ) أي النصف إليه إن كان هو المؤدي عن نفسه أو أداه عنه وليه وهو أب أو جد وإلا عاد للمؤدي كما رجحاه ، وإن أطال الأذرعي في رده

                                                                                                                            ( بنفس الطلاق ) أي الفراق وإن لم يختره للآية ودعوى الحصر ممنوعة ، ألا ترى أن السالب يملك قهرا وكذا من أخذ صيدا ينظر إليه ، نعم لو سلمه العبد من

                                                                                                                            [ ص: 357 ] من كسبه أو مال تجارته ثم فسخ أو طلق قبل وطء عاد النصف أو الكل لسيده ، عند الفراق لها لا الإصداق ، ووقع لبعض الشراح عكس ذلك وهو غير صحيح ، فإن عتق ولو مع الفراق عاد له

                                                                                                                            ( فلو زاد ) الصداق

                                                                                                                            ( بعده ) أي الفراق

                                                                                                                            ( فله ) كل الزيادة منفصلة أو متصلة أو نصفها لحدوثها من ملكه أو من مشترك بينهما أو نقص بعد الفراق في يدها ضمنت الأرش كله أو نصفه تعدت بمنعها له بعد طلبه أو لا : أي لأن يدها عليه يد ضمان وملكه له بنفس الفراق مستقر ، وبه يفرق بين هذه وما مر فيما لو تعيب الصداق بيده قبل قبضها لأن ملكها الآن لم يستقر فلم يقو على إيجاب أرش لها كما علم مما مر أو في يده فكذلك إن جنى عليه أجنبي أو هي .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 355 ] فصل ) في تشطير المهر وسقوطه ( قوله وسقوطه ) أي وما يتبع ذلك كحكم الزيادة إلخ ( قوله : كما علم من كلامه ) أي في قوله قبيل فصل : نكحها بخمر إلخ ويستقر المهر بوطء وبموت أحدهما ( قوله : قبل وطء منها ) حال من الفرقة أو ظرف لغو متعلق بها ( قوله : كفسخها ) أي فكان كإتلافها للمعوض قبل التسليم ( قوله : لم يلزم أباها ) أي الزوجة ( قوله : والمفروض بعد ) وتقدم له في تعريف الصداق أنه صحح جعل المفروض من المهر لأن العقد سبب في وجوبه وإن تأخر نفس الوجوب عنه ، فما هنا موافق له لأنه جعل المسمى والمفروض ومهر المثل أقساما لمطلق المهر ( قوله : على أن تبعيتها فيه ) أي الإسلام ( قوله : كاستقلالها ) أي على الراجح ( قوله : لتعينها ) أي بأن لم يكن ثم غيرها ( قوله : كفراقه ) أي بل جعل كفسخها ( قوله : وما لا يكون منها ) أي والفراق الذي لا يكون إلخ ( قوله : بأن استدخلت ماءه ) أي ولو في الدبر ، وهو تصوير للرجعي قبل الوطء : أي فيتشطر بمجرد الطلاق ولا يتوقف على انقضاء العدة ، وإذا راجعها لا يجب لها شيء زيادة على ما وجب لها أولا ( قوله : ويفرق بين هذا ) أي كون الفرقة بالخلع لا منها ولا بسببها ( قوله : وإن فوضه إليها ) غاية لقوله كطلاق ولو عطفه على خلع فقال أو فوضه إليها إلخ كان أوضح ( قوله : وقياسا عليه في الباقي ) أي بجامع أن كلا فرقة لا منها ولا بسببها ( قوله : برقبته ) أي نفسه

                                                                                                                            [ ص: 356 ] قوله : مالكه عند الطلاق ) أي وهو سيد الأمة وقوله لأنه : أي مالكه عند العقد ( قوله ولو أعتقه مالكه ) أي وهو سيد الأمة ( قوله : لأنه ومشتريه ) الواو بمعنى أو ( قوله بخلاف ما سيأتي في نظيره في المتعة ) أي فإنه لا متعة ( قوله : ويلحق بالموت ) أي في تقرر الكل وقوله وإن كان الزوج غاية ( قوله : فإنه تتنجز الفرقة ) وتعتد إن دخل بها عدة الحياة ( قوله : فيبقى للزوجة ) أي حيث قبضته كما يصرح به هذا الكلام فإن لم تقبضه تشطر لكن الفرقة ليست منها ولا بسببها حيث كان دينار أما لو كان عينا لم يقبضها فيحتمل إلحاقه بما لو قبضته فتنزعه ممن هو في يده لأنها ملكته بالعقد وتعذر عوده للزوج ولورثته ( قوله : ولو مسخت ) أي قبل الدخول ( قوله : وعاد كل المهر ) التعبير بعاد يشعر بأنها قبضته وهو مشكل فإنها ملكت بالعقد ومسخها لم يكن منها فكان القياس التشطير كما لو أرضعتها أم الزوج مثلا والجواب ما أشار إليه من أنها وإن لم تكن منها لكنها من جهتها ( قوله : وهو على التراخي ) أي الخيار ( قوله : كخيار الواهب ) أي لولده ( قوله : وإلا عاد للمؤدي ) ومنها ما لو أداه ولده البالغ عنه فيرجع للولد ، والفرق بين هذا وبين ما لو أداه عن ولده موليه حيث رجع إلى المولى أن الولي إذا دفع عن المولى عليه يقدر دخوله في ملك المولى عليه فيعود إليه والولد البالغ لا ولاية له على أبيه ، فإذا أدى عنه يكون تبرعا مسقطا للدين كفعل الأجنبي ، فإذا

                                                                                                                            [ ص: 357 ] رجع كان للمؤدي .

                                                                                                                            وكتب أيضا لطف الله به قوله وإلا عاد للمؤدي .

                                                                                                                            وأما في البيع فيعود الثمن إلى المشتري مطلقا كما قاله الشارح في خيار العيب بعد قول المصنف ولو تلف الثمن دون المبيع رده وأخذ مثل الثمن ( قوله : عند الفراق ) أي لأن الفسخ يرفع العقد من حينه فيرجع المهر للزوج إن كان أهلا للملك ولسيده حين الطلاق إن لم يكن أهلا والبائع صار أجنبيا ( قوله : فله كل الزيادة ) أي في الفسخ ، وقوله أو نصفها : أي في الطلاق ، وقوله من ملكه : أي إن انفسخ النكاح ، وقوله أو مشترك : أي إن طلق ( قوله : ضمنت الأرش كله ) أي إن كان الفراق منها أو بسببها ، وقوله أو نصفه : أي إن لم يكن منها ولا بسببها ( قوله : أو في يده فكذلك ) أي يجب كل الأرش للزوج أو نصفه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 355 ] ( فصل ) في تشطير المهر وسقوطه ( قوله : يلزمها المهر ) أي للزوج ( قوله : ومثله ما لو أذن لعبده إلخ ) لا يخفى أن استثناء هذه صوري ; لأن [ ص: 356 ] فيها واقعا كما سيصرح به ، وإنما استثناها نظرا إلى أن جميع العبد يصير لمالك واحد ( قوله : ولو أعتقه مالكه ) أي وهو سيد الأمة ( قوله : ويلحق بالموت ) أي المعلوم حكمه ( قوله : وإن كان الزوج أو كان قبل الدخول ) كذا في نسخ ، ولا يخفى ما فيه من الخلل ، وعبارة والده في حواشي شرح الروض قوله : أي شرح الروض : ويعود إليها ذلك بكل فرقة : أي في الحياة احترازا عن الفرقة بالموت لما مر أنه مقرر للمهر ، ومن صوره ما لو مسخ أحدهما حجرا ، أما لو مسخ الزوج قبل الدخول حيوانا ففي التدريب أنه تحصل الفرقة ولا يسقط شيء من المهر إذ لا يتصور عوده للزوج إلى آخر ما في الشارح ، فحق عبارة الشارح : فإن كان الزوج وكان قبل الدخول إلخ ، ثم رأيته في نسخة كذلك ( قوله : ينظر إليه ) أي لم يكن له غرض في أخذه إلا النظر إلى صورته ثم يرسله ولم [ ص: 357 ] يقصد بأخذه صيده




                                                                                                                            الخدمات العلمية