الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ أخر ]

                                                          أخر : في أسماء الله تعالى : الآخر والمؤخر ، فالآخر هو الباقي بعد فناء خلقه كله ناطقه وصامته ، والمؤخر هو الذي يؤخر الأشياء فيضعها في مواضعها ، وهو ضد المقدم ، والأخر ضد القدم . تقول : مضى قدما وتأخر أخرا ، والتأخر ضد التقدم; وقد تأخر عنه تأخرا وتأخرة واحدة; عن اللحياني ; وهذا مطرد ، وإنما ذكرناه لأن اطراد مثل هذا مما يجهله من لا دربة له بالعربية . وأخرته فتأخر ، واستأخر كتأخر . وفي التنزيل : لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون وفيه أيضا : ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين يقول : علمنا من يستقدم منكم إلى الموت ومن يستأخر عنه ، وقيل : علمنا مستقدمي الأمم ومستأخريها ، وقال ثعلب : علمنا من يأتي منكم إلى المسجد متقدما ومن يأتي متأخرا ، وقيل : إنها كانت امرأة حسناء تصلي خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن يصلي في النساء فكان بعض من يصلي يتأخر في أواخر الصفوف ، فإذا سجد اطلع إليها من تحت إبطه ، والذين لا يقصدون هذا المقصد إنما كانوا يطلبون التقدم في الصفوف لما فيه من الفضل . وفي حديث عمر رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : أخر عني يا عمر ، يقال : أخر وتأخر ، وقدم وتقدم بمعنى ; كقوله تعالى : لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ; أي لا تتقدموا ، وقيل : معناه أخر عني رأيك فاختصر إيجازا وبلاغة . والتأخير : ضد التقديم . ومؤخر كل شيء ، بالتشديد : خلاف مقدمه . يقال : ضرب مقدم رأسه ومؤخره . وآخرة العين ومؤخرها ومؤخرتها : ما ولي اللحاظ ، ولا يقال كذلك إلا في مؤخر العين . ومؤخر العين مثل مؤمن : الذي يلي الصدغ ، ومقدمها : الذي يلي الأنف ; يقال : نظر إليه بمؤخر عينه وبمقدم عينه ; ومؤخر العين ومقدمها : جاء في العين بالتخفيف خاصة . ومؤخرة الرحل ومؤخرته وآخرته وآخره ، كله خلاف قادمته ، وهي التي يستند إليها الراكب . وفي الحديث : إذا وضع أحدكم بين يديه مثل آخرة الرحل فلا يبالي من مر وراءه ; هي بالمد الخشبة التي يستند إليها الراكب من كور البعير ، وفي حديث آخر : مثل مؤخرة ; وهي بالهمز والسكون لغة قليلة في آخرته ، وقد منع منها بعضهم ولا يشدد . ومؤخرة السرج : خلاف قادمته . والعرب تقول : واسط الرحل للذي جعله الليث قادمه . ويقولون : مؤخرة الرحل وآخرة الرحل ، قال يعقوب : ولا تقل مؤخرة . وللناقة آخران وقادمان : فخلفاها المقدمان قادماها ، وخلفاها المؤخران آخراها ، والآخران من الأخلاف : اللذان يليان الفخذين ; والآخر : خلاف الأول ، والأنثى آخرة . حكى ثعلب : هن الأولات دخولا والآخرات خروجا . الأزهري : وأما الآخر ، بكسر الخاء ، قال الله عز وجل : هو الأول والآخر والظاهر والباطن . روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ، وهو يمجد الله : أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء . الليث : الآخر والآخرة نقيض المتقدم والمتقدمة ، والمستأخر نقيض المستقدم ، والآخر بالفتح : أحد الشيئين ، وهو اسم على أفعل ، والأنثى أخرى ، إلا أن فيه معنى الصفة لأن أفعل من كذا لا يكون إلا في الصفة . والآخر بمعنى ( غير ) كقولك رجل آخر وثوب آخر ، وأصله أفعل من التأخر ، فلما اجتمعت همزتان في حرف واحد استثقلتا فأبدلت الثانية ألفا لسكونها وانفتاح الأولى قبلها . قال الأخفش : لو جعلت في الشعر آخر مع جابر لجاز ; قال ابن جني : هذا الوجه القوي لأنه لا يحقق أحد همزة آخر ، ولو كان تحقيقها حسنا لكان التحقيق حقيقا بأن يسمع فيها ، وإذا كان بدلا ألبتة وجب أن يجرى على ما أجرته عليه العرب من مراعاة لفظه وتنزيل هذه الهمزة منزلة الألف الزائدة التي لا حظ فيها للهمز نحو عالم وصابر ، ألا تراهم لما كسروا ، قالوا : آخر وأواخر ، كما قالوا جابر وجوابر ; وقد جمع امرؤ القيس بين آخر وقيصر توهم الألف همزة ، قال :


                                                          إذا نحن صرنا خمس عشرة ليلة وراء الحساء من مدافع قيصرا     إذا قلت : هذا صاحب قد رضيته
                                                          وقرت به العينان بدلت آخرا

                                                          وتصغير آخر أويخر جرت الألف المخففة عن الهمزة مجرى ألف ضارب . وقوله تعالى : فآخران يقومان مقامهما فسره ثعلب فقال : [ ص: 66 ] فمسلمان يقومان مقام النصرانيين يحلفان أنهما اختانا ثم يرتجع على النصرانيين ، وقال الفراء : معناه أو آخران من غير دينكم من النصارى واليهود وهذا للسفر والضرورة لأنه لا تجوز شهادة كافر على مسلم في غير هذا ، والجمع بالواو والنون ، والأنثى أخرى . وقوله عز وجل : ولي فيها مآرب أخرى ; جاء على لفظ صفة الواحد لأن مآرب في معنى جماعة أخرى من الحاجات ولأنه رأس آية ، والجمع أخريات وأخر . وقولهم : جاء في أخريات الناس وأخرى القوم أي في أواخرهم ; وأنشد :


                                                          أنا الذي ولدت في أخرى الإبل

                                                          وقال الفراء في قوله تعالى : والرسول يدعوكم في أخراكم ; من العرب من يقول في أخراتكم ولا يجوز في القراءة . الليث : يقال هذا آخر وهذه أخرى في التذكير والتأنيث ، قال : وأخر جماعة أخرى . قال الزجاج في قوله تعالى : وأخر من شكله أزواج ; أخر لا ينصرف لأن وحدانها لا تنصرف ، وهو أخرى وآخر ، وكذلك كل جمع على فعل لا ينصرف إذا كانت وحدانه لا تنصرف مثل كبر وصغر ; وإذا كان فعل جمعا لفعلة فإنه ينصرف نحو سترة وستر وحفرة وحفر ، وإذا كان فعل اسما مصروفا عن فاعل لم ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة ، وإذا كان اسما لطائر أو غيره فإنه ينصرف نحو سبد ومرع ، وما أشبههما : وقرئ : وآخر من شكله أزواج ; على الواحد . وقوله : ومناة الثالثة الأخرى ; تأنيث الآخر ، ومعنى آخر شيء غير الأول ; وقول أبي العيال :


                                                          إذا سنن الكتيبة ص     د عن أخراتها ، العصب

                                                          قال السكري : أراد أخرياتها فحذف ; ومثله ما أنشده ابن الأعرابي :


                                                          ويتقي السيف بأخراته     من دون كف الجار والمعصم

                                                          قال ابن جني : وهذا مذهب البغداديين ، ألا تراهم يجيزون في تثنية قر قرى قر قران ، وفي نحو صلخدى صلخدان ؟ إلا أن هذا إنما هو فيما طال من الكلام ، وأخرى ليست بطويلة . قال : وقد يمكن أن تكون أخراته واحدة إلا أن الألف مع الهاء تكون لغير التأنيث ، فإذا زالت الهاء صارت الألف حينئذ للتأنيث ، ومثله بهماة ، ولا ينكر أن تقدر الألف الواحدة في حالتين ثنتين تقديرين اثنين ، ألا ترى إلى قولهم علقاة بالتاء ؟ ثم قال العجاج :


                                                          فحط في علقى وفي مكور

                                                          فجعلها للتأنيث ولم يصرف . قال ابن سيده : وحكى أصحابنا أن أبا عبيدة قال في بعض كلامه : أراهم كأصحاب التصريف يقولون إن علامة التأنيث لا تدخل على علامة التأنيث ، وقد قالالعجاج :


                                                          فحط في علقى وفي مكور

                                                          فلم يصرف ، وهم مع هذا يقولون علقاة ، فبلغ ذلك أبا عثمان فقال : إن أبا عبيدة أخفى من أن يعرف مثل هذا ; يريد ما تقدم ذكره من اختلاف التقديرين في حالين مختلفين . وقولهم : لا أفعله أخرى الليالي أي أبدا ، وأخرى المنون أي آخر الدهر ، قال :


                                                          وما القوم إلا خمسة أو ثلاثة     يخوتون أخرى القوم خوت الأجادل

                                                          أي من كان في آخرهم . والأجادل : جمع أجدل الصقر . وخوت البازي : انقضاضه للصيد ; قال ابن بري : وفي الحاشية بيت شاهد على أخرى المنون ليس من كلام الجوهري ، وهو لكعب بن مالك الأنصاري ، وهو :


                                                          ألا تزالوا ما تغرد طائر     أخرى المنون مواليا إخوانا

                                                          قال ابن بري : وقبله :


                                                          أنسيتم عهد النبي إليكم     ولقد ألظ وأكد الأيمانا ؟

                                                          وأخر : جمع أخرى ، وأخرى : تأنيث آخر ، وهو غير مصروف . وقال تعالى : فعدة من أيام أخر ، لأن أفعل الذي معه من لا يجمع ولا يؤنث ما دام نكرة ، تقول : مررت برجل أفضل منك وبامرأة أفضل منك ، فإن أدخلت عليه الألف واللام أو أضفته ثنيت وجمعت وأنثت ، تقول : مررت بالرجل الأفضل وبالرجال الأفضلين وبالمرأة الفضلى وبالنساء الفضل ، ومررت بأفضلهم وبأفضليهم وبفضلاهن وبفضلهن ; وقالت امرأة من العرب : صغراها مراها ; ولا يجوز أن تقول : مررت برجل أفضل ولا برجال أفضل ولا بامرأة فضلى حتى تصله بمن أو تدخل عليه الألف واللام وهما يتعاقبان عليه ، وليس كذلك آخر لأنه يؤنث ويجمع بغير من ، وبغير الألف واللام ، وبغير الإضافة ، تقول : مررت برجل آخر وبرجال أخر وآخرين ، وبامرأة أخرى وبنسوة أخر ، فلما جاء معدولا ، وهو صفة ، منع الصرف ، وهو مع ذلك جمع ، فإن سميت به رجلا صرفته في النكرة عند الأخفش ولم تصرفه عند سيبويه ; وقول الأعشى :


                                                          وعلقتني أخيرى ما تلائمني     فاجتمع الحب حب كله خبل

                                                          تصغير أخرى . والأخرى والآخرة : دار البقاء ، صفة غالبة . والآخر بعد الأول ، وهو صفة ، يقال : جاء أخرة وبأخرة ، بفتح الخاء وأخرة وبأخرة ; هذه عن اللحياني بحرف وبغير حرف أي آخر كل شيء . وفي الحديث : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : بأخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس كذا وكذا أي في آخر جلوسه . قال ابن الأثير : ويجوز أن يكون في آخر عمره ، وهو بفتح الهمزة والخاء ; ومنه حديث أبي هريرة : لما كان بأخرة وما عرفته إلا بأخرة أي أخيرا . ويقال : لقيته أخيرا وجاء أخرا وأخيرا وأخريا وإخريا وآخريا وبآخرة ، بالمد ، أي آخر كل شيء ، والأنثى آخرة ، والجمع أواخر . وأتيتك آخر مرتين وآخرة مرتين ; عن ابن الأعرابي ، ولم يفسر آخر مرتين ولا آخرة مرتين ; قال ابن سيده : وعندي أنها المرة الثانية من المرتين . وشق ثوبه أخرا ومن أخر أي من خلف ; وقال امرؤ القيس يصف فرسا حجرا :


                                                          وعين لها حدرة بدرة [ ص: 67 ]     شقت مآقيهما من أخر

                                                          وعين حدرة أي مكتنزة صلبة . والبدرة : التي تبدر بالنظر ، ويقال : هي التامة كالبدر . ومعنى شقت من أخر : يعني أنها مفتوحة كأنها شقت من مؤخرها . وبعته سلعة بأخرة أي بنظرة وتأخير ونسيئة ، ولا يقال : بعته المتاع إخريا . ويقال في الشتم : أبعد الله الأخر ، بكسر الخاء وقصر الألف ، والأخير ولا تقوله للأنثى . وحكى بعضهم : أبعد الله الآخر ، بالمد ، والآخر والأخير الغائب . شمر في قولهم : إن الأخر فعل كذا وكذا ، قال ابن شميل : الأخر المؤخر المطروح ; وقال شمر : معنى المؤخر الأبعد ; قال : أراهم أرادوا الأخير فأندروا الياء . وفي حديث ماعز : إن الأخر قد زنى ; الأخر ، بوزن الكبد هو الأبعد المتأخر عن الخير . ويقال : لا مرحبا بالأخر أي بالأبعد ; ابن السكيت : يقال نظر إلي بمؤخر عينه . وضرب مؤخر رأسه ، وهي آخرة الرحل . والمئخار : النخلة التي يبقى حملها إلى آخر الصرام ; قال :


                                                          ترى الغضيض الموقر المئخارا     من وقعه ، ينتثر انتثارا

                                                          ويروى : ترى العضيد والعضيض . وقال أبو حنيفة : المئخار التي يبقى حملها إلى آخر الشتاء ، وأنشد البيت أيضا . وفي الحديث : المسألة أخر كسب المرء أي أرذله وأدناه ; ويروى بالمد أي أن السؤال آخر ما يكتسب به المرء عند العجز عن الكسب .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية