الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في الكفاءة وأنها معتبرة في خمسة أشياء .

( تنبيهات ) :

( الأول ) : في الكفاءة روايتان عن الإمام أحمد رضي الله عنه .

إحداهما أنها شرط لصحة النكاح ، فإذا فاتت لم يصح وإن رضي أولياء الزوجة وهي به ، لما روى الدارقطني بإسناده عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء ، ولا يزوجهن إلا الأولياء } . [ ص: 408 ]

وقال عمر رضي الله عنه " لأمنعن فروج ذوي الأحساب إلا من الأكفاء ولأنه تصرف يتضرر به من لم يرض به فلم يصح ، كما لو زوجها وليها بغير رضاها .

وقال سلمان لجرير : إنكم معشر العرب لا يتقدم في صلاتكم ، ولا تنكح نساؤكم . إن الله فضلكم علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعله فيكم .

والرواية الثانية أن الكفاءة ليست شرطا ، وهي المذهب . نعم هي شرط للزوم النكاح . قال في الإقناع كغيره : والكفاءة في زوج شرط للزوم النكاح لا لصحته فيصح مع فقدها فهي حق للمرأة والأولياء كلهم حتى من يحدث ، فلو زوجت بغير كفء فلمن لم يرض الفسخ من المرأة والأولياء جميعهم فورا ومتراخيا . ويملكه الأبعد مع رضا الأقرب والزوجة . نعم لو زالت الكفاءة بعد العقد اختص الخيار بالزوجة فقط .

والكفاءة معتبرة في خمسة أشياء : أحدها : الدين ، فلا يكون الفاجر والفاسق كفؤا لعفيف عدل .

الثاني : المنصب وهو النسب ، فلا يكون الأعجمي وهو من ليس من العرب كفؤا لعربية .

( الثالث ) : الحرية ، فلا يكون العبد ولو مبعضا كفؤا لحرة ولو عتيقة .

( الرابع ) : الصناعة ، فلا يكون صاحب صناعة دنيئة كحجامة ، وحياكة ، وزبال ، وكساح كفؤا لبنت من هو صاحب صناعة جليلة كالتاجر والبزاز وصاحب العقار .

( الخامس ) : اليسار بمال بحسب ما يجب لها من المهر والنفقة . قال ابن عقيل بحيث لا تتغير عليها عادتها عند أبيها في بيته ، فلا يكون العسر كفؤا لموسرة ، وليس مولى القوم كفؤا لهم ، ويحرم تزويجها بغير كفء إلا برضاها ويفسق به الولي ، ويسقط خيارها بما يدل على الرضا من قول أو فعل . وأما الأولياء فلا يسقط إلا بالقول ، ولا تعتبر هذه الصفات في المرأة فليست الكفاءة شرطا في حقها للرجل .

الثاني : من قال إن الكفاءة شرط لصحة النكاح كالشافعية ، والرواية [ ص: 409 ] المرجوحة عندنا محجوج بأن { النبي صلى الله عليه وسلم زوج زيدا مولاه ابنة عمته زينب بنت جحش ، وزوج ابنه أسامة رضي الله عنه فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية } رواه مسلم .

وقالت عائشة رضي الله عنها : إن أبا حذيفة تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه هندا ابنة الوليد بن عتبة بن ربيعة ، أخرجه البخاري .

( الثالث ) : العرب بعضهم لبعض أكفاء ، والعجم بعضهم لبعض أكفاء . لأن المقداد بن الأسود الكندي تزوج ضباعة ابنة الزبير عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزوج أبو بكر أخته الأشعث بن قيس الكندي ، وزوج علي ابنته أم كلثوم عمر بن الخطاب رضي الله عنهم . فبنو هاشم كغيرهم من العرب .

وذكر الشافعي أن غير المنتسب إلى العلماء والصلحاء المشهورين ليس كفؤا للمنتسب إليهما ، وليس المحترف كفؤا لبنت العالم .

وعن الإمام أحمد رضي الله عنه أن الكفاءة الدين والنسب ، اختاره الخرقي .

وقال بعض متأخري الأصحاب : إذا قلنا الكفاءة لحق الله اعتبر الدين فقط ، وأنشدوا في ذلك :

ألا إنما التقوى هي العز والكرم وحبك للدنيا هو الذل والسقم     وليس على عبد تقي نقيصة
إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم

والله تعالى الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية