الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        [ ص: 230 ] [ ص: 231 ] المقصد الثالث : الإجماع وفيه أبحاث

                        [ ص: 232 ] [ ص: 233 ] البحث الأول : في مسماه لغة واصطلاحا

                        قال في المحصول : الإجماع يقال بالاشتراك على معنيين :

                        أحدهما : العزم ، قال الله تعالى فأجمعوا أمركم ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل .

                        وثانيهما : الاتفاق ، يقال : أجمع القوم على كذا أي صاروا ذوي جمع ، كما يقال : ألبن وأتمر إذا صار ذا لبن وذا تمر . انتهى .

                        واعترض على هذا بأن إجماع الأمة يتعدى ب ( على ) والإجماع بمعنى العزيمة لا يتعدى ب ( على ) .

                        وأجيب عنه : بما حكاه ابن فارس في المقاييس فإنه قال : يقال أجمعت على الأمر إجماعا ، وأجمعته .

                        وقد جزم بكونه مشتركا بين المعنيين أيضا الغزالي .

                        وقال القاضي : العزم يرجع إلى الاتفاق ; لأن من اتفق على شيء ، فقد عزم عليه ، وقال ابن برهان وابن السمعاني : الأول أي العزم أشبه باللغة ، والثاني أي الاتفاق أشبه بالشرع .

                        ويجاب عنه : بأن الثاني وإن كان أشبه بالشرع فذلك لا ينافي كونه معنى لغويا ، وكون اللفظ مشتركا بينه وبين العزم .

                        قال أبو علي الفارسي : يقال أجمع القوم إذا صاروا ذوي جمع ، كما يقال ألبن وأتمر إذا صار ذا لبن وتمر .

                        وأما في الاصطلاح : فهو اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد [ ص: 234 ] وفاته في عصر من الأعصار على أمر من الأمور .

                        والمراد بالاتفاق الاشتراك ، إما في الاعتقاد ، أو في القول ، أو في الفعل .

                        ويخرج بقوله ( مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ) اتفاق العوام ، فإنه لا عبرة بوفاقهم ولا بخلافهم .

                        ويخرج منه أيضا : اتفاق بعض المجتهدين .

                        وبالإضافة إلى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم خرج اتفاق الأمم السابقة .

                        ويخرج بقوله ( بعد وفاته ) الإجماع في عصره صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنه لا اعتبار به .

                        ويخرج بقوله ( في عصر من الأعصار ) ما يتوهم من أن المراد بالمجتهدين جميع مجتهدي الأمة في جميع الأعصار إلى يوم القيامة ، فإن هذا توهم باطل ; لأنه يؤدي إلى عدم ثبوت الإجماع ، إذ لا إجماع قبل يوم القيامة ، وبعد يوم القيامة لا حاجة للإجماع .

                        والمراد بالعصر : عصر من كان من أهل الاجتهاد في الوقت الذي حدثت فيه المسألة ، فلا يعتد بمن صار مجتهدا بعد حدوثها ، وإن كان المجتهدون فيها أحياء .

                        وقوله ( على أمر من الأمور ) يتناول الشرعيات ، والعقليات والعرفيات ، واللغويات .

                        ومن اشترط في حجية الإجماع انقراض عصر المجتهدين المتفقين على ذلك الأمر ، زاد في الحد قيد الانقراض .

                        ومن اشترط عدم سبق خلاف مستقر ، زاد في الحد قيد عدم كونه مسبوقا بخلاف .

                        ومن اشترط عدالة المتفقين أو بلوغهم عدد التواتر ، زاد في الحد ما يفيد ذلك .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية