الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7392 ) : ( وما أفسدت البهائم بالليل من الزرع فهو مضمون على أهلها ، وما أفسدت من ذلك نهارا ، لم يضمنوه ) يعني إذا لم تكن يد أحد عليها ، فإن كان صاحبها معها أو غيره ، فعلى من يده عليها ضمان ما أتلفته ; من نفس أو مال . ونذكر ذلك في المسألة التي تلي هذه . وإن لم تكن يد أحد عليها ، فعلى مالكها ضمان ما أفسدته من الزرع ، ليلا دون النهار . وهذا قول مالك ، والشافعي ، وأكثر فقهاء الحجاز .

                                                                                                                                            وقال الليث : يضمن مالكها ما أفسدته ليلا ونهارا بأقل الأمرين ; من قيمتها ، أو قدر ما أتلفته ، كالعبد إذا جنى . وقال أبو حنيفة : لا ضمان عليه بحال ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : العجماء جرحها جبار } . يعني هدرا .

                                                                                                                                            ولأنها أفسدت وليست يده عليها ، فلم يلزمه الضمان . كما لو كان نهارا ، أو كما لو أتلفت غير الزرع . ولنا ، ما روى مالك ، عن الزهري ، عن حرام بن سعد بن محيصة ، أن ناقة للبراء دخلت حائط قوم ، فأفسدت ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الأموال حفظها بالنهار ، وما أفسدت بالليل فهو مضمون عليهم .

                                                                                                                                            قال ابن عبد البر : إن كان هذا مرسلا ، فهو مشهور حدث به الأئمة الثقات ، وتلقاه فقهاء الحجاز بالقبول . ولأن العادة من أهل المواشي إرسالها في النهار للرعي ، وحفظها ليلا ، وعادة أهل الحوائط حفظها نهارا دون الليل ، فإذا ذهبت ليلا كان التفريط من أهلها بتركهم حفظها في وقت عادة الحفظ ، وإن أتلفت نهارا ، كان التفريط من أهل الزرع ، فكان عليهم ، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقضى على كل إنسان بالحفظ في وقت عادته .

                                                                                                                                            وأما غير الزرع ، فلا يضمن ; لأن البهيمة لا تتلف ذلك عادة ، فلا يحتاج إلى حفظها ، بخلاف الزرع .

                                                                                                                                            ( 7393 ) فصل : قال بعض أصحابنا : إنما يضمن مالكها ما أتلفته ليلا ، إذا كان التفريط منه ، بإرسالها ليلا ، أو إرسالها نهارا ، ولم يضمنها ليلا ، أو ضمنها بحيث يمكنها الخروج . أما إذا ضمنها فأخرجها غيره بغير إذنه ، أو فتح عليها بابها ، فالضمان على مخرجها ، أو فاتح بابها ; لأنه المتلف .

                                                                                                                                            قال القاضي : هذه المسألة عندي محمولة على موضع فيه مزارع ومراع ، أما القرى العامرة التي لا مرعى فيها إلا بين قراحين ، كساقية وطريق وطرف زرع ، فليس لصاحبها إرسالها بغير حافظ عن الزرع ، فإن فعله ، فعليه الضمان ; لتفريطه ، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية