الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب الاستئذان

                                                                                                                2153 حدثني عمرو بن محمد بن بكير الناقد حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا والله يزيد بن خصيفة عن بسر بن سعيد قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول كنت جالسا بالمدينة في مجلس الأنصار فأتانا أبو موسى فزعا أو مذعورا قلنا ما شأنك قال إن عمر أرسل إلي أن آتيه فأتيت بابه فسلمت ثلاثا فلم يرد علي فرجعت فقال ما منعك أن تأتينا فقلت إني أتيتك فسلمت على بابك ثلاثا فلم يردوا علي فرجعت وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع فقال عمر أقم عليه البينة وإلا أوجعتك فقال أبي بن كعب لا يقوم معه إلا أصغر القوم قال أبو سعيد قلت أنا أصغر القوم قال فاذهب به حدثنا قتيبة بن سعيد وابن أبي عمر قالا حدثنا سفيان عن يزيد بن خصيفة بهذا الإسناد وزاد ابن أبي عمر في حديثه قال أبو سعيد فقمت معه فذهبت إلى عمر فشهدت

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع ) أجمع العلماء أن الاستئذان مشروع ، وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة وإجماع الأمة . والسنة أن يسلم ، ويستأذن ثلاثا ، فيجمع بين السلام والاستئذان كما صرح به في القرآن .

                                                                                                                واختلفوا في أنه هل يستحب تقديم السلام ثم الاستئذان ، أو تقديم الاستئذان ثم السلام ؟ الصحيح الذي جاءت به السنة ، وقاله المحققون [ ص: 309 ] ، أنه يقدم السلام ، فيقول : السلام عليكم أأدخل ؟ والثاني يقدم الاستئذان . والثالث وهو اختيار الماوردي من أصحابنا إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدم السلام ، وإلا قدم الاستئذان . وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان في تقديم السلام . أما إذا استأذن ثلاثا فلم يؤذن له ، وظن أنه لم يسمعه ، ففيه ثلاثة مذاهب : أشهرها أنه ينصرف ، ولا يعيد الاستئذان . والثاني يزيد فيه . والثالث إن كان بلفظ الاستئذان المتقدم لم يعده ، وإن كان بغيره أعاده . فمن قال بالأظهر فحجته قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ( فلم يؤذن له فليرجع ) . ومن قال بالثاني حمل الحديث على من علم أو ظن أنه سمعه فلم يأذن . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( قال عمر : أقم عليه البينة ، وإلا أوجعتك ، فقال أبي بن كعب : لا يقوم معه إلا أصغر القوم قال أبو سعيد : قلت : أنا أصغر القوم فأذهب به ) معنى كلام أبي بن كعب رضي الله عنه الإنكار على عمر في إنكاره الحديث .

                                                                                                                وأما قوله : ( لا يقوم معه إلا أصغر القوم ) فمعناه أن هذا حديث مشهور بيننا ، معروف لكبارنا وصغارنا ، حتى إن أصغرنا يحفظه ، وسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                وقد تعلق بهذا الحديث من يقول : لا يحتج بخبر الواحد ، وزعم أن عمر رضي الله عنه رد حديث أبي موسى هذا لكونه خبر واحد ، وهذا مذهب باطل ، وقد أجمع من يعتد به على الاحتجاج بخبر الواحد ووجوب العمل به ، ودلائله من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وسائر الصحابة ومن بعدهم أكثر من أن يحصر .

                                                                                                                وأما قول عمر لأبي موسى : ( أقم عليه البينة ) فليس معناه رد خبر الواحد من حيث هو خبر واحد ، ولكن خاف عمر مسارعة الناس إلى القول على النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتقول عليه بعض المبتدعين أو الكاذبين أو المنافقين ونحوهم ما لم يقل ، وأن كل من وقعت له قضية وضع فيها حديثا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأراد سد الباب خوفا من غير أبي موسى لا شكا في رواية أبي موسى ، [ ص: 310 ] فإنه عند عمر أجل من أن يظن به أن يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ، بل أراد زجر غيره بطريقه ، فإن من دون أبي موسى إذا رأى هذه القضية أو بلغته ، وكان في قلبه مرض ، أو أراد وضع حديث خاف من مثل قضية أبي موسى ، فامتنع من وضع الحديث والمسارعة إلى الرواية بغير يقين .

                                                                                                                ومما يدل على أن عمر لم يرد خبر أبي موسى لكونه خبر واحد أنه طلب منه إخبار رجل آخر حتى يعمل بالحديث ، ومعلوم أن خبر الاثنين خبر واحد ، وكذا ما زاد حتى يبلغ التواتر ، فما لم يبلغ التواتر فهو خبر واحد . ومما يؤيده أيضا ما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة من قضية أبي موسى هذه أن أبيا رضي الله عنه قال : ( يا ابن الخطاب ، فلا تكونن عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : سبحان الله ، إنما سمعت شيئا فأحببت أن أتثبت ) . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية