الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7436 ) مسألة قال ويقاتل أهل الكتاب والمجوس ، ولا يدعون ، لأن الدعوة قد بلغتهم ويدعى عبدة الأوثان قبل أن يحاربوا أما قوله في أهل الكتاب والمجوس : لا يدعون قبل القتال . فهو على عمومه ; لأن الدعوة قد انتشرت وعمت ، فلم يبق منهم من لم تبلغه الدعوة إلا نادر بعيد . وأما قوله : يدعى عبدة الأوثان قبل أن يحاربوا . فليس بعام ، فإن من بلغته الدعوة منهم لا يدعون ، وإن وجد منهم من لم تبلغه الدعوة ، دعي قبل القتال ، وكذلك إن وجد من أهل الكتاب من لم تبلغه الدعوة ، دعوا قبل القتال .

                                                                                                                                            قال أحمد إن الدعوة قد بلغت وانتشرت ، ولكن إن جاز أن يكون قوم خلف الروم وخلف الترك ، على هذه الصفة ، لم يجز قتالهم قبل الدعوة .

                                                                                                                                            وذلك لما روى بريدة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم { إذا بعث أميرا على سرية أو جيش ، أمره بتقوى الله في خاصته ، وبمن معه من المسلمين ، وقال : إذا لقيت عدوك من المشركين ، فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال ، فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم ، وكف عنهم ; ادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم ، وكف عنهم ، فإن هم أبوا ، فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم ، وكف عنهم ، فإن أبوا ، فاستعن بالله عليهم وقاتلهم } رواه أبو داود ومسلم ، .

                                                                                                                                            وهذا يحتمل أنه كان في بدء الأمر قبل انتشار الدعوة ، وظهور الإسلام ، فأما اليوم ، فقد انتشرت الدعوة ، فاستغني بذلك عن الدعاء عند القتال ، قال أحمد كان النبي يدعو إلى الإسلام قبل أن يحارب ، حتى أظهر الله الدين وعلا الإسلام ، ولا أعرف اليوم أحدا يدعى ، قد بلغت الدعوة كل أحد ، والروم قد بلغتهم الدعوة ، وعلموا ما يراد منهم ، وإنما كانت الدعوة في أول الإسلام ، وإن دعا فلا بأس .

                                                                                                                                            وقد روى ابن عمر رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق ، وهم غارون آمنون ، وإبلهم تسقى على الماء ، فقتل المقاتلة ; وسبى الذرية } متفق عليه ، وعن الصعب بن جثامة ، قال : سمعت { رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الديار من ديار المشركين ، يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم ، فقال هم منهم } . متفق عليه .

                                                                                                                                            وقال سلمة بن الأكوع : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ، فغزونا ناسا من المشركين ، فبيتناهم . } رواه أبو داود ، ويحتمل أن يجعل الأمر بالدعوة في حديث بريدة على الاستحباب ، فإنها مستحبة في كل حال ، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم { أمر عليا ، حين أعطاه الراية يوم خيبر وبعثه إلى قتالهم ، أن يدعوهم ، وهم ممن بلغتهم الدعوة } . رواه البخاري . ودعا خالد بن الوليد طليحة الأسدي حين تنبأ ، فلم يرجع ، فأظهره الله عليه ، ودعا سلمان أهل فارس . فإذا ثبت هذا ، فإن كان المدعو من أهل الكتاب ، أو مجوسا ، دعاهم إلى الإسلام ، فإن أبوا ، دعاهم إلى إعطاء الجزية ، فإن أبوا قاتلهم ، وإن كانوا من غيرهم ، دعاهم إلى [ ص: 173 ] الإسلام ، فإن أبوا ، قاتلهم ، ومن قتل قبل الدعاء لم يضمن ; لأنه لا إيمان له ولا أمان ، فلم يضمن ، كنساء من بلغته الدعوة وصبيانهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية