الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7527 ) مسألة ; قال : وإذا سبوا ، لم يفرق بين الوالد وولده ، ولا بين الوالدة وولدها أجمع أهل العلم على أن التفريق بين الأم وولدها الطفل غير جائز . هذا قول مالك في أهل المدينة ، والأوزاعي في أهل الشام ، والليث في أهل مصر ، والشافعي ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي فيه .

                                                                                                                                            والأصل فيه ما روى أبو أيوب ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من فرق بين والدة وولدها ، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة } . أخرجه الترمذي ، وقال : حديث حسن غريب . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا توله والدة عن ولدها } . قال أحمد : لا يفرق بين الأم وولدها وإن رضيت .

                                                                                                                                            وذلك والله أعلم لما فيه من الإضرار بالولد ، ولأن المرأة قد ترضى بما فيه ضررها ، ثم يتغير [ ص: 213 ] قلبها بعد ذلك فتندم . لا يجوز التفريق بين الأب وولده . وهذا قول أصحاب الرأي ، ومذهب الشافعي . وقال بعض أصحابه : يجوز . وهو قول مالك ، والليث ; لأنه ليس من أهل الحضانة بنفسه ، ولأنه لا نص فيه ، ولا هو في معنى المنصوص عليه ، لأن الأم أشفق منه . ولنا ، أنه أحد الأبوين ، فأشبه الأم ، ولا نسلم أنه ليس من أهل الحضانة . وظاهر كلام الخرقي ، أنه لا فرق بين كون الولد كبيرا بالغا أو طفلا .

                                                                                                                                            وهذه إحدى الروايتين عن أحمد ; لعموم الخبر ، ولأن الوالدة تتضرر بمفارقة ولدها الكبير ، ولهذا حرم عليه الجهاد بدون إذنهما . والرواية الثانية ، يختص تحريم التفريق بالصغير . وهو قول أكثر أهل العلم ; منهم سعيد بن عبد العزيز ، ومالك ، والأوزاعي ، والليث ، وأبو ثور .

                                                                                                                                            وهو قول الشافعي ; لأن سلمة بن الأكوع أتى بامرأة وابنتها ، فنفله أبو بكر ابنتها ، فاستوهبها منه النبي صلى الله عليه وسلم فوهبها له ، ولم ينكر التفريق بينهما . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أهديت إليه مارية وأختها سيرين ، فأمسك مارية ، ووهب سيرين لحسان بن ثابت . ولأن الأحرار يتفرقون بعد الكبر ، فإن المرأة تزوج ابنتها ، فالعبيد أولى . وبما ذكرناه يتخصص عموم حديث النهي . واختلفوا في حد الكبر الذي يجوز معه التفريق ، فروي عن أحمد : يجوز التفريق بينهما إذا بلغ الولد .

                                                                                                                                            وهو قول سعيد بن عبد العزيز ، وأصحاب الرأي ، وقول الشافعي . وقال مالك : إذا أثغر . وقال الأوزاعي ، والليث : إذا استغنى عن أمه ، ونفع نفسه . وقال الشافعي ، في أحد قوليه : إذا صار ابن سبع سنين أو ثمان سنين . وقال أبو ثور : إذا كان يلبس وحده ، ويتوضأ وحده ; لأنه إذا كان كذلك يستغني عن أمه ، وكذلك خير الغلام بين أمه وأبيه إذا صار كذلك . ولأنه جاز التفريق بينهما بتخييره ، فجاز بيعه وقسمته .

                                                                                                                                            ولنا ، ما روي عن عبادة بن الصامت ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يفرق بين الوالدة وولدها . فقيل : إلى متى ؟ قال : حتى يبلغ الغلام ، وتحيض الجارية } ولأن ما دون البلوغ مولى عليه ، فأشبه الطفل .

                                                                                                                                            ( 7528 ) فصل : وإن فرق بينهما بالبيع ، فالبيع فاسد . وبه قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : يصح البيع ; لأن النهي لمعنى في غير المعقود عليه ، فأشبه البيع في وقت النداء . ولنا ، ما روى أبو داود ، في " سننه " ، بإسناده عن علي رضي الله عنه أنه فرق بين الأم وولدها ، فنهاه رسول الله عن ذلك ، ورد البيع .

                                                                                                                                            والأصل ممنوع ، ولا يصح ما ذكروه ، فإنه نهى عنه لما يلحق المبيع من الضرر ، فهو لمعنى فيه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية