الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 215 ] مسألة ; قال : ( ومن سبي من أطفالهم منفردا ، أو مع أحد أبويه ، فهو مسلم ، ومن سبي مع أبويه ، فهو على دينهما ) وجملته أنه إذا سبي من لم يبلغ من أولاد الكفار ، صار رقيقا ، ولا يخلو من ثلاثة أحوال ; أحدهما ، أن يسبى منفردا عن أبويه ، فهذا يصير مسلما إجماعا ; لأن الدين إنما يثبت له تبعا ، وقد انقطعت تبعيته لأبويه ، لانقطاعه عنهما ، وإخراجه عن دارهما ، ومصيره إلى دار الإسلام تبعا لسابيه المسلم ، فكان تابعا له في دينه .

                                                                                                                                            والثاني ، أن يسبى مع أحد أبويه ، فإنه يحكم بإسلامه أيضا . وبهذا قال الأوزاعي . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : يكون تابعا لأبيه في الكفر ; لأنه لم ينفرد عن أحد أبويه ، فلم يحكم بإسلامه ، كما لو سبي معهما . وقال مالك : إن سبي مع أبيه يتبعه ; لأن الولد يتبع أباه في الدين ، كما يتبعه في النسب ، وإن سبي مع أمه فهو مسلم ; لأنه لا يتبعها في النسب ، فكذلك في الدين .

                                                                                                                                            ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه } . فمفهومه أنه لا يتبع أحدهما ; لأن الحكم متى علق بشيئين ، لا يثبت بأحدهما ، ولأنه يتبع سابيه منفردا ، فيتبعه مع أحد أبويه ، قياسا على ما لو أسلم أحد الأبوين ، يحققه أن كل شخص غلب حكم إسلامه منفردا غلب مع أحد الأبوين ، كالمسلم من الأبوين . الثالث ، أن يسبى مع أبويه ، فإنه يكون على دينهما . وبهذا قال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي .

                                                                                                                                            وقال الأوزاعي : يكون مسلما ; لأن السابي أحق به ، لكونه ملكه بالسبي ، وزالت ولاية أبويه عنه ، وانقطع ميراثهما منه وميراثه منهما ، فكان أولى به منهما . ولنا ، قوله عليه السلام : { فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه . } وهما معه ، وملك السابي له لا يمنع اتباعه لأبويه ، بدليل ما لو ولد في ملكه من عبده وأمته الكافرين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية