الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 127 ] فرع

                                                                                                                                                                        الجرموق : هو الذي يلبس فوق الخف لشدة البرد غالبا . فإذا لبس خفا فوق خف ، فله أربعة أحوال .

                                                                                                                                                                        أحدها : أن يكون الأعلى صالحا للمسح عليه دون الأسفل ، لضعفه ، أو لخرقه ، فالمسح على الأعلى خاصة .

                                                                                                                                                                        الثاني : عكسه ، فالمسح على الأسفل خاصة . فلو مسح الأعلى فوصل البلل إلى الأسفل ، فإن قصد مسح الأسفل ، أجزأه . وكذا إن قصدهما على الصحيح . وإن قصد الأعلى ، لم يجز . وإن لم يقصد واحدا ، بل قصد المسح في الجملة ، أجزأه على الأصح ، لقصده إسقاط فرض الرجل بالمسح .

                                                                                                                                                                        الثالث : أن لا يصلح واحد منهما فيتعذر المسح .

                                                                                                                                                                        الرابع : أن يصلحا كلاهما ، ففي المسح على الأعلى وحده قولان : القديم جوازه ، والجديد : منعه .

                                                                                                                                                                        قلت : الأظهر عند الجمهور الجديد ، وصحح القاضي أبو الطيب في شرح ( الفروع ) القديم . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فإن جوزنا المسح على الجرموق ، فقد ذكر ابن سريج فيه ثلاثة معان . أظهرها : أن الجرموق بدل عن الخف ، والخف بدل عن الرجل . والثاني : الأسفل كلفافة ، والأعلى هو الخف . والثالث : أنهما كخف واحد ، فالأعلى ظهارة ، والأسفل بطانة . وتتفرع على المعاني مسائل . منها : لو لبسهما معا على طهارة فأراد الاقتصار على مسح الأسفل ، جاز على المعنى الأول دون الآخرين . ومنها : لو لبس الأسفل على طهارة ، والأعلى على حدث ، ففي جواز المسح على الأعلى طريقان . أحدهما : لا يجوز . وأصحهما فيه وجهان . إن قلنا بالمعنى الأول [ ص: 128 ] والثاني : لم يجز . وبالثالث : يجوز . فلو لبس الأسفل بطهارة ، ثم أحدث ومسحه ، ثم لبس الجرموق ، فهل يجوز مسحه ؟ فيه طريقان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : يبنى على المعاني إن قلنا بالأول أو الثالث جاز . وبالثاني : لا يجوز . وقيل : يبنى الجواز على هذا الثاني ، على أن مسح الخف يرفع الحدث ، أم لا ؟ إن قلنا : يرفع ، جاز ، وإلا فلا .

                                                                                                                                                                        الطريق الثاني : القطع بالبناء على رفع الحدث . وإذا جوزنا مسح الأعلى في هذه المسألة ، قال الشيخ أبو علي : ابتداء المدة من حين إحداث أول لبسه الأسفل ، وفي جواز الاقتصار على الأسفل الخلاف السابق . ومنها : لو لبس الأسفل على حدث ، وغسل رجله فيه ، ثم لبس الأعلى على طهارة كاملة ، فلا يجوز مسح الأسفل قطعا ، ولا مسح الأعلى إن قلنا بالمعنى الأول ، أو الثالث . وبالثاني يجوز . ومنها : لو تخرق الأعلى من الرجلين جميعا ، أو نزعه منهما بعد مسحه وبقي الأسفل بحاله ، فإن قلنا بالمعنى الأول ، لم يجب نزع الأسفل ، بل يجب مسحه ، وهل يكفيه مسحه أم يجب استئناف الوضوء ؟ فيه القولان في نازع الخفين . وإن قلنا بالمعنى الثالث ، فلا شيء عليه . وإن قلنا بالثاني ، وجب نزع الأسفل أيضا وغسل القدمين . وفي استئناف الوضوء القولان ، فحصل من الخلاف في المسألة خمسة أقوال . أحدها : لا يجب شيء . والثاني : يجب مسح الأسفل فقط . والثالث : يجب المسح واستئناف الوضوء . والرابع : يجب نزع الخفين وغسل الرجلين . والخامس : يجب ذلك مع استئناف الوضوء . ومنها : لو تخرق الأعلى من إحدى الرجلين أو نزعه . فإن قلنا بالمعنى الثالث ، فلا شيء عليه . وإن قلنا بالثاني ، وجب نزع الأسفل أيضا من هذه الرجل ، ووجب نزعهما من الرجل الأخرى ، وغسل القدمين . وفي استئناف الوضوء القولان . وإن قلنا بالمعنى الأول ، فهل يلزمه نزع الأعلى من الرجل الأخرى ؟ وجهان : أصحهما نعم ، كمن نزع إحدى الخفين . فإذا نزعه ، عاد القولان : في أنه ( هل ) يجب استئناف الوضوء ، أم يكفيه مسح الأسفل ؟ والثاني : لا يلزمه نزع الثاني . [ ص: 129 ] وفي واجبه القولان . أحدهما : مسح الأسفل الذي نزع أعلاه . والثاني استئناف الوضوء ، ومسح هذا الأسفل ، والأعلى من الرجل الأخرى . ومنها : لو تخرق الأسفل منهما ، لم يضر على المعاني كلها . فإن تخرق من إحداهما ، فإن قلنا بالمعنى الثاني أو الثالث ، فلا شيء عليه . وإن قلنا بالأول ، وجب نزع واحد من الرجل الأخرى ، لئلا يجمع بين البدل والمبدل ، قاله في ( التهذيب ) وغيره . ولك أن تقول : هذا المعنى موجود فيما إذا تخرق الأعلى من إحدى الرجلين ، وقد حكوا وجهين في وجوب نزعه من الأخرى ، فليحكم بطردهما هنا . ثم إذا نزع ، ففي واجبه القولان . أحدهما : مسح الخف الذي نزع الأعلى من فوقه . والثاني : استئناف الوضوء والمسح عليه وعلى الأعلى الذي تخرق الأسفل تحته . ومنها : لو تخرق الأسفل والأعلى من الرجلين ، أو من إحداهما ، لزم نزع الجميع على المعاني كلها ، لكن إن قلنا بالمعنى الثالث ، وكان الخرقان في موضعين غير متحاذيين ، لم يضر كما تقدم بيانه . ومنها : لو تخرق الأعلى من رجل ، والأسفل من الأخرى ، فإن قلنا بالثالث ، فلا شيء عليه . وإن قلنا بالأول ، نزع الأعلى المتخرق ، وأعاد مسح ما تحته . وهل يكفيه ذلك ، أم يحتاج إلى استئناف الوضوء ماسحا عليه وعلى الأعلى من الرجل الأخرى ؟ فيه القولان . هذا كله تفريع على جواز مسح الجرموق . فإن منعناه ، فأدخل يده بينهما ومسح الخف الأسفل ، جاز على الأصح . ولو تخرق الأسفلان ، فإن كان عند التخرق على طهارة لبسه الأسفل ، مسح الأعلى ، لأنه صار أصلا لخروج الأسفل عن صلاحيته للمسح . وإن كان محدثا ، لم يجز مسح الأعلى ، كاللبس على حدث . وإن كان على طهارة مسح ، فوجهان ، كما ذكرنا في التفريع على القديم . أما إذا لبس جرموقا في رجل ، واقتصر على الخف في الأخرى ، فعلى الجديد : لا يجوز مسح الجرموق . وعلى القديم : يبنى على المعاني الثلاثة ، فعلى الأول لا يجوز ، كما لا يجوز المسح في خف ، وغسل الرجل الأخرى . وعلى الثالث يجوز ، وكذا على الثاني على الأصح .

                                                                                                                                                                        [ ص: 130 ] قلت : وإذا جوزنا المسح على الجرموق ، فكذا إذا لبس ثانيا وثالثا . ولو لبس الخف فوق الجبيرة ، لم يجز المسح عليه على الأصح . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية