الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 230 ] مسألة ; قال : ( وإذا حورب العدو ، لم يحرقوا بالنار ) أما العدو إذا قدر عليه ، فلا يجوز تحريقه بالنار ، بغير خلاف نعلمه . وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأمر بتحريق أهل الردة بالنار . وفعل ذلك خالد بن الوليد بأمره ، فأما اليوم فلا أعلم فيه بين الناس خلافا .

                                                                                                                                            وقد روى حمزة الأسلمي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على سرية ، قال : فخرجت فيها ، فقال : { إن أخذتم فلانا ، فأحرقوه بالنار } . فوليت ، فناداني ، فرجعت ، فقال : { إن أخذتم فلانا ، فاقتلوه ، ولا تحرقوه ; فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار } . رواه أبو داود ، وسعيد . وروى أحاديث سواه في هذا المعنى .

                                                                                                                                            وروى البخاري ، وغيره ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث حمزة . فأما رميهم قبل أخذهم بالنار ، فإن أمكن أخذهم بدونها ، لم يجز رميهم بها ; لأنهم في معنى المقدور عليه ، وأما عند العجز عنهم بغيرها ، فجائز ، في قول أكثر أهل العلم . وبه قال الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي .

                                                                                                                                            وروى سعيد ، بإسناده عن صفوان بن عمرو ، وحريز بن عثمان أن جنادة بن أمية الأزدي ، وعبد الله بن قيس الفزاري ، وغيرهما من ولاة البحرين ، ومن بعدهم ، كانوا يرمون العدو من الروم وغيرهم بالنار ، ويحرقونهم ، هؤلاء لهؤلاء ، وهؤلاء لهؤلاء . قال عبد الله بن قيس : لم يزل أمر المسلمين على ذلك . ( 7574 ) فصل : وكذلك الحكم في فتح البثوق عليهم ، ليغرقهم ، إن قدر عليهم بغيره ، لم يجز ، إذا تضمن ذلك إتلاف النساء والذرية ، الذين يحرم إتلافهم قصدا ، وإن لم يقدر عليهم إلا به ، جاز ، كما يجوز البيات المتضمن لذلك .

                                                                                                                                            ويجوز نصب المنجنيق عليهم . وظاهر كلام أحمد جوازه مع الحاجة وعدمها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف . وممن رأى ذلك الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . قال ابن المنذر : جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نصب المنجنيق على أهل الطائف . وعن عمرو بن العاص ، أنه نصب المنجنيق على أهل الإسكندرية . ولأن القتال به معتاد ، فأشبه الرمي بالسهام .

                                                                                                                                            ( 7575 ) . فصل : ويجوز تبييت الكفار ، وهو كسبهم ليلا ، وقتلهم وهم غارون . قال أحمد : لا بأس بالبيات ، وهل غزو الروم إلا البيات ، قال : ولا نعلم أحدا كره بيات العدو . وقرأ عليه : سفيان ، عن الزهري ، عن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن الصعب بن جثامة . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الديار من المشركين ، نبيتهم فنصيب من نسائهم وذراريهم ؟ فقال : " هم منهم " . فقال : إسناد جيد .

                                                                                                                                            فإن قيل : فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والذرية . قلنا : هذا محمول على التعمد لقتلهم . قال أحمد : أما أن يتعمد قتلهم ، فلا . قال : وحديث الصعب بعد نهيه عن قتل النساء ; لأن نهيه عن قتل النساء حين بعث إلى ابن أبي الحقيق . وعلى أن الجمع بينهما ممكن ، يحمل النهي على التعمد ، والإباحة على ما عداه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية